الدور العماني في اليمن.. هل سيكون الحل عبر مسقط؟

> منى صفوان

> بداية تتجلى أهمية سلطنة عمان في الشأن اليمني والإقليمي، من سياستها، ودورها الإقليمي، وأهميتها، فهي بحدودها الجغرافية والسياسية، وتداخل مصالحها مع المحيط، يجعلها أحد أبرز الفاعلين الإقليميين في كل قضايا المنطقة، ويبرز دورها في اليمن، من خلال سياستها الخارجية المتبعة تجاه اليمن والمنطقة عموماً.
ووجود يمن مستقر، أمر يهم المنطقة برمتها، وكذلك هو داعم لاستقرار دول المنطقة، وبقاء الصراع في اليمن يفجر المنطقة، لذلك لابد من بذل جهود أكبر من أجل السلام؛ كون اليمن بيئة صراع وحروب داخلية قديمة، ومؤخراً أصبحت بؤرة للصراع الإقليمي، والتدخلات الخارجية المباشرة، وهو ما يجعل حدود اليمن مشتعلة، وليس فقط عمها الداخلي.

وهنا برز دور عمان الإيجابي كصمام أمان، من خلال الدور الذي لعبته، والإرث التاريخي الذي مثلته، كملتقى للحوار، ومحطة جذب، وتفاعل إيجابي مع أطراف الأزمة اليمنية الداخلية، وأيضاً الخارجية من دول الجوار.

علاقة الجوار اليمني - العماني
الحدود المتنازع عليها عادة تكون أحد العوامل الطاردة للثقة، والتعاون والتكامل، وتاريخياً لم يحدث أي اشتباك، أو صراع أو منافسة، بين اليمن وعمان، فلقد كان القرب الجغرافي عاملاً إيجابياً للدعم، وليس لتأجيج الصراع.
ومثلت تجربة ترسيم الحدود اليمنية - العمانية حالة متميزة وفريدة في المحيط العربي.

فقد استطاعت السلطنة والجمهورية اليمنية 2003 ترسيم الحدود فيما بينها بشكل ودي ونهائي بدون تحويل الأمر إلى أزمة سياسية، فعادة تكون مسألة الحدود المشتركة هي أحدى عوامل التأثير السلبي بين الجيران، ويمكن بسببها أن تندلع أزمات وحروب، وهذا لم يحدث لليمن مع عمان.
في حين اندلعت أزمات حدودية بين اليمن وكل جيرانها في المنطقة «السعودية، إرتيريا»، وأخذت وقتاً حتى يتم ترسيم حدودها البرية والبحرية، ووصل الأمر للتحكيم الدولي، والأمر هنا مرتبط ارتباطاً وثقياً بسياسة عمان الخارجية التي تنتهجها منذ 4 عقود، والتي تعمد إلى تقليل الأزمات وحل المسائل الخلافية بالحوار الودي.

هذه الوصفة العمانية، ساعدت اليمن على اجتياز الكثير من أزماته الداخلية، مثل حرب 1994 بين الشمال والجنوب، والتي تورطت بها دول مجاورة في الإقليم، غير أن عمان كانت هي المخرج، ومنفذ الحل لواحدة من تعقيدات الأزمة اليمنية، واستضافت السلطنة وقتها قادة الجنوب، بعد اتفاق خروجهم من اليمن، وهنا كانت عمان هي الوسيط، والراعي لكثير من الاتفاقيات اليمنية - اليمنية خلال أكثر من 4 عقود. وأهلها للعب هذا الدور أنها لم تدعم أي فصيل يمني على حساب آخر، وكانت ثقة الجميع بها متساوية وتزداد مع الوقت.

لذلك كانت هي محطة الحوار اليمنية بعد اندلاع هذه الحرب، فعمان لم تشارك بعاصفة الحزم، وهذا مهد لأن تستعين بها الأمم المتحدة، ويكون لحيادها الإيجابي دور للخروج من الأزمة، أسفر عنه اتفاق مسقط 2016؛ فالسياسية الخارجية العمانية، أو المدرسة العمانية التي تنتهج طريقة التواصل مع الجميع، ومد الخطوط، وعدم المقاطعة لأي بلد، ولا لعب أي دور سلبي في الصراعات والحروب، جعلها مركز الجذب الإقليمي لأعقد ملفات المنطقة والعالم. كملف المفاوضات النووية الإيرانية، والتي كان لمسقط الدور المحرك والإيجابي فيه، قبل إعلانه، والتوقيع على الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية والولايات المتحدة.

لا يخفى على أحد أنها هي الصديق الذي يثق به الجميع، ويسعى للتوسط في أعقد الملفات، وهذا حاصل الآن في الملف اليمني، حيث تجمع العاصمة العمانية السياسين اليمنيين من مختلف الأطراف والأطياف اليمنية من حوثيين وإصلاحيين ومؤتمريين ومن ممثلي حكومة الرئيس هادي، وهي الأطراف المتصارعة في اليمن.
كما أنها كما يعلم الجميع تحتفظ بعلاقات جوار مع دولة الإمارات والعربية السعودية، اللذان يتدخلان عسكرياً بشكل مباشر في اليمن.

وإن بدت هناك محاولات لزج عمان في خارطة الصراع اليمني، من خلال تلفيق التهم، بتهريب الأسلحة، فإن الرد العماني بالصمت، وعدم الاندفاع في المهاترات والاتهامات الإعلامية، ساهم في تهدئة فتيل الأزمة المشتعل في المنطقة، والمرشح لأن يحرق الجميع، بعد أن تجاوزت الحرب اليمنية، الحدود اليمنية، ووصلت الصواريخ الحوثية إلى السعودية والإمارات، وزاد تعقيد الأزمة بين إيران والسعودية.

هنا يبرز الدول العماني الذي يعول عليه الفرقاء اليمنيون، فمشكلة اليمن أنه لا يوجد طرف محايد ينال اعتراف وثقة الجميع، حتى أن الأمم المتحدة أصبحت أيضاً مدانة من كل الأطراف اليمنية، ويتم اتهامها بالانحياز، فهي تتحرك في حقل ألغام، وتحاول إرضاء الجميع، كما أن هناك تاثيراً دولياً وإقليمياً عليها، لذلك نزعت عنها الأطراف اليمنية في كثير من المحطات صفة النزاهة.
وبعد ظهور فج للولايات المتحدة وبريطانيا في تأجيج الصراع  اليمني، واتهام بعض الأطراف بعدم تنفيذ اتفاق السويد، وتوجيه اللوم للحوثيين، أصبحت الأمم المتحدة في مأزق أكبر، حيث تنظر لها الأطراف المحلية أنها مسيرة لرغبة أمريكا وبريطانيا.

لذلك فإن الدور الذي تلعبه وستلعبه عمان هو الذي تحتاجه الأمم المتحدة من جهة، وهو أيضاً الدور الذي تبحث عنه أطراف الصراع اليمنية من جهة أخرى. مسقط تنجح في إدارة أعقد الملفات من الملف النووي الإيراني سابقاً، وإلى ملف صفقة القرن حالياً، لأنها تديرها بطريقة تختلف عن الطريقة المعتادة، حيث تتحرك في محيط مرسوم بعناية فائقة، يظهر فيه أن ليس لعمان أي مصلحة في أي بلد، أو أي أطماع عسكرية، ولا حتى منافسة اقتصادية. وإن كانت مسقط قادرة على النجاح في أعقد الملفات النووي الإيراني وصفقة القرن «حاليا» فلابد أن طريق حل الأزمة اليمنية يمر عبر مسقط. وهذا راجع كما أشرنا إلى أن الجميع يثق أن ليس لعمان أي مصلحة إلا استقرار اليمن والمنطقة «منطقة الشرق الأوسط» برمتها وليس فقط الجزيرة العربية والإقليم، فهي لا تضع نفسها في موقع المنافس أو الطامع، أو المحتل الناعم، وهذا يعزز الثقة العالمية بها وليس فقط الإقليمية، والمحلية اليمنية، والأذكى أن في كل محاولة للزج بها وتوريطها، تخرج نفسها بذكاء وتمارس لعب الكبار، وتؤكد أنها هي كبيرة المنطقة، وأنها لن تنجر لألعاب الصغار.

البعد الاقتصادي والاستقرار
من ناحية أخرى، فوجود عمان واستقرارها السياسي والاقتصادي، كان عامل استقرار للمنطقة، وأصبحت هي مركز الجذب الاقتصادي لأكبر المشاريع الاقتصادية العالمية التي ستمر عبر مسقط «طريق الحرير الصيني»، وهو المشروع الذي يحتاج لنجاحه استقراراً اقتصادياً في هذه المنطقة خاصة اليمن وباب المندب، فتفجير المنطقة الإستراتيجية الأهم في هذه الخطة الاقتصادية الطموحة، يهدد الاقتصاد العالمي، وينعكس سلباً على دول الجوار المشاركة بالحرب وتفجير الصراع في اليمن.

إن الجميع حالياً في ورطة، ومستقبل المنطقة مبهم، وعلى كف عفريت، لأن كل هذه الدول يقوم اقتصادها على الاستقرار وجذب الاستثمار، والحرب هي نقيض كل ذلك خاصة أن الحرب اليمنية لم تعد حدودها اليمن، لذلك العين والتعويل على أن تلعب عمان دوراً أكبر في الأزمة اليمنية، من خلال فتح الحوار اليمني - اليمني، وكذلك اليمني - السعودي.

اقتراحات
إننا نعول على دور الشقيقة عمان، في لعب دور أكبر في حل الأزمة اليمنية، والتدخل الإيجابي، لأن الأزمة الحقيقية هي أزمة ثقة بين الأطراف اليمنية من جهة، وبين اليمنيين والسعودية «قائدة التحالف» من جهة أخرى، في حين أن الثقة بعمان تتزايد، لأنها بلد بلا أطماع عسكرية.
لذلك فإنه يمكن لعمان أن تتحرك بشكل موازٍ لتحركات الأمم المتحدة، لأن مسقط الآن هي العاصمة العربية؛ بل العالمية الوحيدة التي تجمع كل أطراف الحل اليمني.

إن الدبلوماسية العمانية ناجحة جدا، وهي مدرسة فريدة أثبت التاريخ السياسي للمنطقة أنها كانت على صواب، فهي لم تقاطع مصر في السبعينات حين قاطعتها كل الدول العربية، وكذلك لم تقاطع سوريا، والآن عاد من كان يحارب سوريا لفتح سفارته هناك، وكونها لم تشارك في سفك الدم اليمني، ولا في أي صراع داخلي، ولا في دعم أي فصيل محلي، وترفعت عن المشاركة في عاصفة الحزم، فإنها اليوم العاصمة التي يرنو إليها اليمن، لتجمع شتات أطرافهم في حوار حقيقي ومفاوضات حقيقة، بعيدا عن أجندة الأمم المتحدة، فالحل اليمني لن يكون إلا عبر مسقط، كما أن لمسقط دوراً كبيراً في تهدئة المنطقة، وهي تحتاج إلى يمن مستقر وجوار مسالم، وتحتاج أن تكون جزءاً من الحل لأنها ليست جزءاً من المشكلة.
*(ورقة عمل قدمت في ندوة أقامها النادي الثقافي في سلطنة عمان الإثنين الماضي عن دور عمان في دعم السلام الدولي)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى