تفشي وباء الكوليرا في محافظات لحج والضالع وأبين ومناشدات لاحتوائه

> تقرير: عبدالله مجيد/ هشام عطيري فهد حنش/ أصيل الهاشمي

>
عاود وباء الكوليرا بشكل مخيف في عدد من قرى ومناطق مديريات في محافظات لحج، والضالع، وأبين والمحافظات الأخرى.. في ظل ضعف كبير في الخدمات الصحية المقدمة في المراكز الصحية لأكثر من سبب، أبرزها: تعرض المراكز والوحدات الصحية إلى القصف والدمار ونهب الأجهزة الطبية فيها كما هو الحال في الوحدة الصحية في كرش أو لوقوع بعض المناطق تحت سيطرة قوات الحوثي في بعض أجزاء مديرية القبيطة، أو لتدني في مستوى التجهيزات وضعف الإمكانيات الطبية الخاصة بمواجهة الوباء في بقية المحافظات، وكذا ضعف الوعي الصحي لدى المواطنين.


وتُعد الكوليرا أحد أنواع العدوى المعوية الحادة التي تُسببها بكتيريا تعرف باسم "الضمة الكوليرية"، وتنتقل عبر الطعام أو الماء الملوث، ويُمكن أن تؤدي الإصابة بها إلى الجفاف الحاد المُسبب للوفاة حال عدم تلقِّي العلاج اللازم.
وظهر الوباء من جديد خلال شهر مارس الماضي بقوة، وفي تزايد يومي، حصد حتى الآن عدداً من الوفيات ومئات من الحالات المشتبهة.

وبات المواطنون، لاسيما الساكنون في المناطق الريفية، يعيشون حالة من الرعب والخوف من تنفشي هذا الوباء في ظل الافتقار للمستوصفات والعلاجات المناسبة.

وضع كارثي
وانتشر هذا الوباء منذ منتصف الشهر الماضي في العديد من مناطق وقرى كرش والقبيطة، توفيت على إثره امرأة من الكعبين فيما تم إحالة الكثير منها إلى مستشفى ابن خلدون بعد تلقيها الإسعافات الأولية في مركز كرش، واستقبل المركز وحده منذ أسبوعين أكثر من 200 حالة، ويشكو مديرو الوحدات والمراكز الصحيفة في المديرية من نقص كبير في العلاجات، وأفاد «الأيام» مصدر طبي بمركز كرش بأنه استقبل خلال أمس الأول 22 حالة من منطقة "الدبي" فقط.

وكانت «الأيام» قد تواصلت مع مسؤول الترصد الوبائي في القبيطة، د.منصور علي سيف، لمعرفة المزيد حول الوباء وعدد الحالات المشتبهة بالإصابة بالكوليرا منذ عودته مؤخراً، ولكن لم تتمكن على الرغم من تجاوبه في بدء الأمر.
ووجه مدير عام المديرية، عماد أحمد غانم، نداء استغاثة عاجل إلى مكتب الصحة بالمحافظة بسرعة التدخل لتقديم العلاجات والمحاليل الطبية الخاصة وإنزال الفرق الصحية للمناطق الموبوءة لإنقاذ حياة عشرات الأسر المصابة بالوباء، ولاكتشاف أسبابه ومكافحته.

وأكد لـ«الأيام» أن الوضع الصحي في المديرية أصبح وضعاً كارثياً يستدعي صحوة الضمير وإنقاذ الأسر والتخلص من هذا الوباء الذي انتشر في مناطق عدة في المديرية وبشكل سريع، لاسيما في مناطق: الدبي، نجد ظمران، الكعبين، زيق، حقب الضاحي، كرش، حبيل الغربة، سوق الخميس، في ظل شحة ومحدودية العلاجات، وانعدم محلول (رنجر) سعة ألف سيسي، وهو ما أجبر المواطنين إلى إسعاف مرضاهم إلى مديرتي الحوطة والمسيمير وغيرهما من المديريات المجاورة.

وباء في تزايد
وفي مديرية الحوطة، عاصمة المحافظة، كشفت إحصائية طبية، تحصلت عليها «الأيام»، عن إصابة 34 شخصاً بمرض الكوليرا في مديريتي الحوطة وتبن، بينها حالة وفاة واحدة، منذ منتصف شهر مارس الماضي وحتى شهر أبريل الجاري، بعد التأكد من الفحوصات الطبية التي أجريت على المصابين في المختبرات المختصة.

وأكدت مصادر طبية لـ«الأيام» أن التزايد المستمر لحالات الإصابة بهذا الوباء، إذا لم تتصدَ لها القطاعات الصحية بالإجراءات الوقائية المناسبة والعاجلة من شأنه أن يوسع انتشار الوباء بشكل مخيف في أوساط المواطنين وفي مختلف مديريات المحافظة وسيصعب حينها مكافحته.


وأوضح السكرتير الإعلامي لمحافظ لحج، محمد محي الدين علي، أن “قيادة المحافظة ممثلة باللواء أحمد عبدالله تركي أصدرت قراراًَ بتشكيل لجنة طوارئ لمواجهة وباء الكوليرا عقب العديد من التقارير التي رُفعت من قِبل القيادات الصحية في مختلف المديريات التي تُفيد بوجود العديد من حالات الاشتباه والمؤكدة المصابة بالكوليرا.

وأشار السكرتير الإعلامي إلى أن لجنة الطوارئ شُكلت برئاسة أمين عام محلي المحافظة، عوض بن عوض الصلاحي، وعضوية كلاً من د.عارف عياش مدير عام مكتب الصحة بالمحافظة، ود.محسن مرشد مدير مستشفى ابن خلدون، ووكيل المحافظة صلاح الداؤودي.

ومن مهام واختصاص اللجنة وفقاً لمحي الدين هو تشكيل غرفة عمليات طوارئ ومتابعة فرق العمل الميداني في المناطق والقرى على مستوى مديريات المحافظة، ومتابعة الفحوصات المخبرية للحالات المشتبهة، وتوفير العناية الطبية الكاملة.


ولفت إلى أن "قيادة المحافظة خصصت مبلغ 5 ملايين ريال لمواجهة الوباء كمرحلة أولى، وسيتم مضاعفته حتى يتم القضاء على الوباء في عموم مدن وقرى مديريات المحافظة".
تدني مستوى الخدمة

وفي مديرية رصد يافع بمحافظة أبين، أفاد مراسل «الأيام»، عن انتشار هذا الوباء بشكل كبير في أوساط المواطنين، في ظل تدني مستوى التجهيزات وضعف الإمكانيات الطبية لمواجهته، ووصل عدد حالات الاشتباه بالإصابة بهذا المرض إلى عشرات الحالات فيها.


ووجه مكتب الصحة في المديرية وزارة الصحة العامة والسكان، ومكتب الصحة أبين، والمنظمات الدولية العاملة في المجال الصحي، وكذا الهلال الأحمر الإماراتي، ومركز الملك سلمان، إلى التدخل العاجل لإنقاذ أبناء رصد من خطر وباء الكوليرا المنتشر في بعض المناطق، لاسيما في منطقة الشبحي وقرية بن لصم.

وأوضح مسؤول الاستجابة السريعة في بالمديرية، د.محمد صالح حسين الجلادي: “إنه وبتكلف من مدير مكتب الصحة والسكان برصد، د.صلاح جرهوم، نزل فريق الاستجابة السريعة في 3 أبريل الجاري إلى منطقة الشبحي وقرية بن لصم والبياضة للتقصي عن حالات تم الإبلاغ عنها، وقد بلغت 8 حالات مصابة بهذا الوباء، قدم لها الفريق ما يلزم من فحوصات سريعة، مع إعطائها المضادات الحيوية المتوفرة، والسوائل الوريدية ومحلول الإرواء  O.R.S، كما تم عمل توعية طبية وإرشادات صحية للأسر المصابة، وحثهم على النظافة الشخصية والعامة، وكذا توزيع بعض المواد مثل صابون الغسلة، والصابون الدقيق المتوفر لدينا من الإصحاح البيئي، وتم استهداف طلاب مدارسة القرية بهذا الخصوص وتوعيتهم بالنظافة الشخصية والعامة، كغسل اليدين بالماء والصابون، وغسل الخضار والفواكه، ومحاربة الذباب، وتجنب أكل الطعام المكشوف.


وأوضح أنه ومن خلال التقصي تبيّن أن السبب في تفشي هذا الوباء تلوث مياه الشرب التي هي عبارة عن بئر يتم ضخ المياه منها إلى الخزانات في البيوت.
وبلغ عدد الحالات وفق إحصائيات الترصد الوبائي في المديرية من 1 يناير إلى 4 أبريل الجاري 530 حالة إسهالات مائية حادة منها 21 حالة كوليرا مؤكدة.

وأشار الجلادي في تصريحه لـ«الأيام» إلى أنه تم، الخميس الماضي، نزول الفريق مرة أخرى إلى هذه القرى الموبوءة، منها قرية بن لصم، لتوزيع الكلور ودبب لحفظ الماء سعة 20 لتراً، عدد دبتين لكل أسرة مصابة بالكوليرا، ومواد تنظيف (صابون) لكل سكان القرية، هذه المواد هي عبارة عن دعم من السلطة المحلية استلمتها من الإصحاح البيئي بالمحافظة، وخلال هذا النزول اكتشف الفريق حالتين جديدتين وقدم اللازم لها.


من جهته، قال مدير مكتب الصحة بالمديرية، د.صلاح جرهوم، لـ«الأيام»: "استطعنا خلال شهر مارس الماضي من محاصرة وباء الكوليرا في منطقة رخمة والقضاء عليه، إلا أنه انتشر في هذه الأيام في منطقة الشبحي، وقرية بن لصم بشكل أكبر من قبل، وعلى ضوء البلاغات التي تلقيناها خلال الأيام الماضية من قِبل الأهالي كلفنا فريق الاستجابة السريعة والترصد الوبائي وفريقاً طبياً من مستشفى رصد العام بالنزول إلى تلك المناطق لعمل الإجراءات اللازمة، وأكد الفريقان تواجد وباء الكوليرا وانتشاره بين المواطنين، وإلى جانب هذا الوباء ينتشر في معظم مناطق المديرية إسهالات مائية حادة بشكل مخيف بسبب ضعف الوعي الصحي، وظاهرة الجفاف التي تشهدها المديرية، والتي نتج عنها انعدام المياه الصحية، وبالتالي تدني مستوى النظافة، ومن خلال «الأيام» نناشد الجهات المسؤولة في الحكومة المنظمات المعنية بالتدخل العاجل لإغاثة المديرية وتزويدنا بالتجهيزات الطبية اللازمة، والمواد العلاجية والوقائية، ودعم الوحدات الصحية في المناطق لمحاصرة الوباء قبل أن يستفحل وينتشر ويصعب السيطرة عليه؛ كون مؤشرات الانتشار كبيرة وخطيرة”.

وفي مديرية ردفان، توفيت طفلة، أمس الأول، إثر هذا الوباء، وأصيب أكثر من أربعين حالة نقل بعضها إلى مستشفيات العاصمة عدن لافتقار مستشفى ردفان العام للإمكانات المناسبة لمجابهة الوباء. 

مناشدات عاجلة
وفي محافظة الضالع أوضح مراسل «الأيام» أن أعداد الإصابة بالكوليرا في مديرية حجر تتزايد بشكل يومي، في ظل غياب شبه تام للجهات المسؤولة.
وأفاد “الأيام” مصدر يعمل في المحجر الطبي لمكافحة الكوليرا في المديرية، وتدعمه منظمة الصحة العالمية “بأن عدد الحالات المصابة بهذا المرض تزايدت في الفترة الأخيرة بشكل مخيف جداً، وأن الكادر الطبي يعمل كل ما بوسعه لعلاج الحالات المصابة، رغم نقص الإمكانيات لمكافحة الوباء”.

وأوضح مدير الصحة في المديرية، د.فؤاد العقيلي، أن “مركز معالجة الإسهالات (DTC) بحجر عالج منذ تأسيسه في يوليو 2017 بدعم من مكتب الصحة والسكان بالمحافظة ومنظمة الإنقاذ الدولية (IRC) عالج أكثر من 5120 حالة إسهال منها 918 حالة اشتباه كوليرا، بينها 147 حالة إيجابية فحص RDT، وأيضاً 6 حالات إيجابية الفحص الزراعي في المختبر المركزي عدن”.


وأضاف العقيلي في تصريحه لـ«الأيام»: “لوحظ منذ شهر مارس الماضي زيادة مفاجئة في عدد الحالات الوافدة وهو ما يُنبئ بحدوث كارثة وجائحة جديدة أشد من سابقاتها، حيث بلغ ما تم استقباله خلال شهر مارس 406 حالات، منها 34 حالة إيجابية الفحص السريع (RDT)، وقد اضطررنا في المركز العلاجي إلى إعطاء السوائل الوريدية للمرضى في الأرض؛ لعدم توفر الأسِرّة، وهناك أسر استقبلنا جميع أفرادها في وقت واحد، وعلى الرغم من شحة الإمكانات في المركز العلاجي، كتوفر مواد النظافة والتعقيم والصابون في المركز العلاجي، والذي يُعد حجر الزاوية للسيطرة على الكوليرا، ولم يحصل أي حالة وفاة أو مضاعفات لأي من المرضى منذ تأسيس المركز”.

ولفت إلى أن من أهم أسباب انتشار الوباء هو تناول المياه والأكل والخضروات الملوثة بالبكتيريا، وعدم توفر خدمات الإصحاح البيئي، والنظافة، والتوعية الصحية.

ووجه العقيلي عبر «الأيام» مناشدة عاجلة للمنظمات الدولية والسلطة المحلية والتنفيذية بضرورة التدخل السريع ودعم المركز العلاجي للإسهالات بالمنطقة لاحتواء الوباء قبل أن يتحول إلى كارثة إنسانية.
وعاود وباء الكوليرا مرة أخرى في البلاد، في شهر مارس الماضي، بعد تفشيه في عام 2017م، والذي تصاعد ليصبح أسوأ موجة في العام حينها.

وفي العادة، يُمكن علاج الكوليرا باستخدام تدابير بسيطة، منها تناول أدوية الجفاف، وإعطاء المضادات الحيوية المناسبة لسلالة المرض، ورغم سهولة العلاج، إلا أن الحصول عليه بات صعباً، وهو ما يؤدي إلى زيادة نسب الوفاة الناجمة عن الإصابة بذلك المرض.


والكوليرا مرض خطير، ويمكن أن يتسبب في الإصابة بإسهال مائي حاد، وهو يستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياه ملوثة، وتؤثر الكوليرا على كل من الأطفال والبالغين وبمقدورها أن تودي بحياتهم في غضون ساعات إن لم تُعالج.

ولا تظهر أعراض الإصابة بعدوى ضمات بكتيريا الكوليرا على معظم المصابين بها، رغم وجود البكتيريا في برازهم لمدة تتراوح بين يوم واحد و10 أيام عقب الإصابة بعدواها، وبهذا تُطلق عائدة إلى البيئة، ويمكن أن تصيب بعدواها أشخاصاً آخرين.
ومعظم الذين يُصابون بعدوى المرض يبدون أعراضاً تتراوح بين الخفيفة أو المعتدلة، بينما تُصاب الغالبية بإسهال مائي حاد مصحوب بجفاف شديد، ويمكن أن يتسبب ذلك بالوفاة إذا تُرك من دون علاج.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى