الحديدة.. معركة إيرانية ذات أبعاد مصيرية

> فارس سعيد

>
استبعد خبراء غربيون وإيرانيون ومصادر أممية وضابط استخبارات أمريكي، مطلعون على الوضع في اليمن، أن تكون إيران بوارد السماح للحوثيين الاستجابة لجهود السلام، والسير في تنفيذ اتفاق السويد، وسحب ميليشياتهم من الحديدة، نظراً لحاجتها المتزايدة لإبقاء التوتر في اليمن، رداً على انخراط دول إقليمية، في الضغوط الأمريكية على طهران من جهة، والسيطرة على باب المندب في البحر الأحمر وتهديد دول الخليج من جهة أخرى.

وقال موظف سابق (عمل في وزارة خارجية أوباما) إن تقديرات وكالات الاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن عدد القوات الشيعية الإيرانية والعراقية التي تساعد الحوثيين في اليمن يبلغ حوالي 5000 مقاتل، مشيراً إلى أن عدد عناصر حزب الله اللبناني في اليمن غير معروف.

وأضاف الموظف الأمريكي السابق، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن إيران أرسلت قوات من الحرس الثوري وفيلق القدس ومليشيات عراقية وعناصر من حزب الله إلى اليمن.
وحين سئل عن تواجدهم في الحديدة على سواحل البحر الأحمر، قال: «بالتأكيد كانوا في باب المندب والمخا والحديدة من قبل، والآن ربما زاد عددهم هناك في ظل المعارك للسيطرة على موانئ الحديدة المطلة على البحر الأحمر».

وذهب خبير إيراني، إلى ما قاله المسؤول الأمريكي، وأكد أن إيران أرسلتهم من صعدة وعلى الحدود السعودية إلى الحديدة، مشيراً إلى أن الخبراء الإيرانيين متواجدون بشكل كبير في محافظة صعدة وعلى الحدود السعودية.
وقال الخبير الإيراني المهتم بشؤون الشرق الأوسط: «إن معركة الحديدة إيرانية خالصة»، لافتاً إلى أن الحوثيين مجرد أدوات لتنفيذ أجندة طهران، المتمثلة بالسيطرة على باب المندب في البحر الأحمر.

ويقول خبراء غربيون إن إيران تتبع الإستراتيجية السوفييتية المتمثلة في استخدام الوكلاء لتعزيز المصالح الإقليمية. وبمجرد أن يستولي الوكيل الإيراني على الأرض ستستخدم طهران كامل قوتها للتأكد من احتفاظها بها.
وأكد ضابط الاستخبارات الأمريكي، بروس ريدل، أن إيران صعدت في الآونة الأخيرة، وخاصة في ظل معارك الحديدة المتوقفة، بسبب اتفاق وقف إطلاق النار، من دعم الحوثيين بالسلاح والمال، وإرسال خبراء وعناصر إيرانية وعراقية ولبنانية (من حزب الله).

وحين سئل كم عدد هذه القوات، قال إنه لا يعرف كم حجمها تحديداً.
وقال بروس ريدل، إن تدفق الإيرانيين يساعد الحوثيين كثيراً.

وأضاف ريدل: «هناك أعداد صغيرة من مستشاري حزب الله والحرس الثوري الإيراني كانوا في اليمن منذ عدة سنوات، وزاد عددهم في الآونة الأخيرة، وأن الحوثيين يعجبون بشدة بحزب الله على نجاحه في قتال الإسرائيليين، وقد حاولوا استخدام حزب الله كنموذج لتطورهم الخاص».

ويشير الخبير الإيراني في حديثه لوكالة «خبر» عبر البريد الإلكتروني، إلى أن الدعم الإيراني للحوثيين هو جزء من إستراتيجية تطويق طهران لشبه الجزيرة العربية التي تستخدم فيها الدعم السري للمجتمعات الشيعية المحرومة من حقوقها لبث التمرد الذي يمكن أن يحل محل الأنظمة السنية بالأنظمة الموالية لطهران.

وسيضع قوة القدس على الحدود السعودية ويحتمل أن يمنح إيران وجوداً بحرياً وجوياً بالقرب من باب المندب، ونقاط العبور من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي - طريق تجاري رئيس للبترول وكل التجارة، بالإضافة إلى التحركات البحرية الأمريكية عبر قناة السويس.

ونقلت صحيفة «واشنطن بيكون» عن تقارير استخباراتية أمريكية سرية ومسؤولين أمريكيين مطلعين، أن إيران أرسلت قوات شبه عسكرية إضافية إلى اليمن لمساعدة المتمردين المؤيدين لطهران.
وأشارت إلى أن قوة القدس تشرف على السياسة الإيرانية تجاه اليمن. كما أن الخطط العسكرية الحوثية وعملياتها «تخضع بالكامل لإشراف وسيطرة قوة فيلق القدس»، الذي يقوده اللواء قاسم سليماني.

وقال أحد المسؤولين للصحيفة الأمريكية إن «الهدف النهائي للإيرانيين هو المضيق (باب المندب) والهدف الآخر بيت آل سعود».
ويعد باب المندب نقطة مرور إستراتيجية يمكن أن تستخدمها إيران لمنع شحنات النفط وحركات السفن الحربية الأمريكية من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي والخليج الفارسي. ويمكن لإيران بالفعل أن تهدد المضايق الإستراتيجية الأخرى في المنطقة، وهي مضيق هرمز في الخليج الفارسي.

كما أن السيطرة على باب المندب ستمنح طهران سلطة إقليمية إضافية، للسيطرة على النفط وغيره من الممرات من وإلى المنطقة.
ورفض متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التعليق على القوات الإيرانية في اليمن. ولم يرد المتحدثون باسم وزارة الخارجية على رسائل البريد الإلكتروني.

أنفاق وخنادق في الحديدة وصنعاء
وكشفت مصادر محلية وأمنية عن قيام مليشيا الحوثي بحفر شبكة أنفاق في مناطق مختلفة بأمانة العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة، وبإشراف من خبراء إيرانيين ومن حزب الله الإرهابي.
وقالت المصادر إن ميليشيا الحوثي قامت بحفر شبكة أنفاق تمتد من مقر السفارة الإيرانية، إلى جنوب العاصمة في حي الخمسين وبيت بوس.

كما قامت المليشيا بحفر شبكة أنفاق شمال العاصمة من حي الجراف إلى خط مطار صنعاء الدولي.
وأوضحت المصادر أن شبكة الأنفاق التي حفرتها وتواصل حفرها مليشيا الحوثي، تصل إلى عمق يتراوح بين 5 إلى 10 أمتار تحت الأرض.

وأكد بروس ريدل أن «حفر الحوثيين لهذه الأنفاق دليل أنهم بمنأى عن السلام ويخططون لحروب طويلة الأمد».
وحفرت المليشيا شبكة أنفاقاً مماثلة تربط عدداً من المنشآت الحكومية والمباني السكنية في مدينة الحديدة.

وأفادت مصادر محلية يمنية بأن ميليشيات الحوثي فخخت عشرات الجسور في شبكة الطرق الرابطة بين الحديدة وعدد من المحافظات المجاورة غربي اليمن.
وقالت المصادر إن مليشيا الحوثي نشرت ألغاماً متفجرة أسفل الجسور، بعد حفر أنفاق على الطرق الرابطة بين الحديدة ومحافظات صنعاء وحجة وذمار والمحويت وإب وتعز وريمة.

وقال مصدر أممي، يعمل على مقربة من لجنة الخبراء بشأن اليمن، إن الحوثيين استخدموا مدنيين دروعاً بشرية، مشيراً إلى أن الخبراء وجدوا أن المليشيا أخفت مقاتلين وعتاداً بالقرب من مدنيين في مدينة الحديدة «بهدف متعمد هو تفادي التعرض للهجوم» وفي انتهاك للقانون الدولي الإنساني.

وقال المصدر الأممي المطلع: «إن مليشيا الحوثيين أصدرت بطائق شخصية لعناصر إيرانية وحزب الله اللبناني».

وأخذت جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام في اليمن بُعداً شكلياً، وأصبحت الأسئلة تلاحق تحركات المبعوث الأممي، مارتن جريفثس، ورئيس لجنة المراقبين الأمميين في محافظة الحديدة الجنرال مايكل لوليسغارد، بشأن جدواها ما دامت لا تحقق أي تقدم يذكر صوب السلام ولا تترك أثراً ملموساً على أرض الواقع، عدا عن الهدنة الهشة المعلنة في الحديدة، والتي تكاد تنهار بفعل الخروقات الكثيرة لها، وعدم التزام الحوثيين بما تم الاتفاق عليه، وهو أمر ترجعه أطراف يمنية إلى ما تعتبره تساهلاً من قِبل جريفثس وفريقه ومرونة مبالغاً فيها إزاء المليشيا المدعومة من إيران.

مستشارون أفغان في اليمن
ويخدم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله كقوة رئيسية لعمليات الحوثي المضادة للسفن.
كما قدم الحرس الثوري الإيراني طائرات بدون طيار و «تقنية القوارب المتفجرة» للقيام بهجمات «الكاميكاز» ضد سفن التحالف السعودية والدفاعات الجوية. وأكدت مصادر إيرانية للخبير الإيراني، أنها تنشر خبراء عرب شيعة لتوفير التدريب العسكري والدعم اللوجستي للحوثيين.

وتدير إيران شبكة إمداد بين سلطنة عمان ومحافظة المهرة، ويمتد أحد هذه الطرق في اتجاه الشمال الغربي بين المهرة ومحافظة مأرب الشمالية، والآخر يتسلل إلى الجنوب الغربي بين المهرة ومحافظة شبوة.

وكشف مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي (CSIS)، أن إيران لجأت إلى استخدام عدد من الطرق لنقل الأسلحة والمواد إلى اليمن، بما في ذلك عمليات الشحن باستخدام تواصل السفن مع أشخاص على اليابسة عن طريق سلطنة عمان، وذلك عبر موانئ نشطون والغيظة في محافظة المهرة. وقال مسؤولون أمريكيون إن جانباً كبيراً من عمليات التهريب تم عن طريق سلطنة عمان المتاخمة لليمن بما في ذلك عبر طرق برية استغلالاً للثغرات الحدودية بين البلدين.

وكشف الخبير الإيراني لوكالة «خبر»، أن إيران جندت مستشارين أفغان إضافيين من مليشيات الشيعة الأفغانية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في سوريا ونشرتهم لتوفير الدعم العسكري للحوثيين في اليمن.

معسكرات إيرانية في صنعاء وصعدة
وأضاف: «في اليمن، كان استثمار طهران للحوثيين تقليدياً متدنياً وحقق عوائد عالية لإيران، لكن يبدو أن هذا الحساب ارتد بنتائج عكسية. ففي بداية الحرب في اليمن، تجنب مستشارو إيران وحزب الله الارتباطات المباشرة وركزوا على برامج التدريب والتجهيز للحوثيين. وسمحت المعسكرات التدريبية المشتركة بين الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والتي تقع بعيداً عن الخطوط الأمامية، لكلا الفريقين بالحفاظ على مساحة صغيرة وتقليل الخسائر في ساحة المعركة في اليمن إلى الحد الأدنى مع زيادة التزامات القوة في نزاع سوريا والعراق».

وتابع الخبير الإيراني: «لكن قتلى الحرس الثوري وحزب الله بدأت مع انتزاع قوات التحالف والجيش اليمني لمدينة عدن الجنوبية في 2015. وفي 8 مارس 2015، أعلن أحد قادة حزب الله أن ثمانية من مقاتليه قتلوا أثناء القتال في اليمن». وبعد ثلاثة أسابيع، ألقت القوات اليمنية المناهضة للحوثيين القبض على ثلاثة من ضباط الحرس الثوري الإيراني ومستشار لحزب الله يقاتلون إلى جانب قوات الحوثيين في محافظتي عدن وشبوة.
وقال: «يتم الآن قتل المستشارين العسكريين الإيرانيين وحزب الله وأسرهم بأعداد متزايدة في اليمن وعلى الحدود مع السعودية».

وأكد أن مستشاري الحرس الثوري الإيراني المتمركزين في صعدة يشرفون على تصميم وصيانة وتنفيذ أنظمة الصواريخ الباليستية لألوية صواريخ الحوثي، كما يقومون بتدريس الاستهداف وقراءة الخريطة في برامج تدريب الحرس الثوري وحزب الله في صعدة.

واكتشفت القوات اليمنية لدى أسرها قيادات حوثية، دليل الجيب باللغة الفارسية لمعايرة البوصلات الإلكترونية المبرمجة مسبقًا من وزارة الدفاع الإيرانية. وقد أصدر دليل الجيب للحوثيين الذين حضروا دورات الملاحة البرية وقراءة الخرائط في معسكر تدريب إيراني في صنعاء.

ويأتي اكتشاف دليل الجيب باللغة الفارسية في وقت تتزايد فيه بناء المدارس الفارسية الجديدة والمراكز الثقافية الإيرانية في شمال اليمن.

واعترف ضابط كبير في الحرس الثوري الإيراني العام الماضي، أنهم يساعدون متمردي الحوثيين في اليمن على إطلاق صواريخ على المصالح النفطية في المملكة العربية السعودية، حسبما أفاد مركز «مئير أميت» للاستخبارات والإرهاب.
وقال المسؤول الايراني، ناصر شعباني، لم تدعم إيران الحوثيين اليمنيين بالأسلحة فحسب؛ بل أعطتهم توجيهات لمهاجمة ناقلتين نفطيتين سعوديتين في 25 يوليو الماضي.
كما قال شعباني في المقابلة، إن الحوثيين في اليمن، مثل حزب الله في لبنان، هم جزء من الذراع الطويلة لإيران.
عن وكالة «خبر»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى