شباب الحديدة وتعز أبرز ضحايا الحرب

> تقرير/ خاص

>
"نشتي ندرس وأبي توفي وأسرتنا بحاجة لمصروف وغلاء جنوني.. وما وجدنا غير (الطعمية) نبيعها، ونصرف على أنفسنا وأسرتنا”، بهذه العبارة أوضح محمد، الطالب في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة الحديدة، معاناته جراء الحرب التي تدور في المحافظة منذ عدة سنوات.

يدرس محمد وشقيقاه علي وسامي، في التخصص ذاته، وأجبرتهم ظروفهم المادية للبحث عن عمل يوفر لهم المال ليستطيعوا العيش من خلاله. فقرر الإخوة الثلاثة شراء عربة للطعمية وما تحتاجه، ووضعوها في أحد أسواق المدينة، وسرعان ما لاقت مهنتهم إقبالاً، استطاعوا من خلالها سد حاجتهم وأسرتهم.

ويوضح سامي، وهو الشقيق الأصغر، لـ«الأيام» أن انشغالهم في بيع الطعمية أخذ وقتهم، وبات حضورهم الدروس الجامعية أمراً صعباً، وإن حضروا لم يستطيعوا الاجتهاد والحصول على درجات عالية، كما أن تغيبهم الكثير يحرمهم من الفهم والمطلوب للمواد التخصص.

ويضيف: “أمي كانت غير موافقة على الشغل والدارسة في وقت واحد، ولكن الفقر وحاجتنا الماسة للمال أجبراها على الرضوخ للأمر الواقع، كما أنها في البدء حاولت العمل هي وشقيقاتي في القرية لكنها لم تستطع توفير مصروف أسبوع واحد. إن حياتنا كلها كفاح وكد لنتمكن من العيش، فالفقر والحرب والوضع الاقتصادي لم يتركوا لأي من الشباب العيش، كما يتوجب، بعيداً عن الشقاء والتعب، إننا بتنا في صراع مستمر في هذه الحياة، ولم يعد لدينا أي تفكير ببناء مستقبلنا بقدر تفكيرنا بتوفير لقمة العيش”.

فيما يقول هشام شايف: “بعد أن وصل سعر كيس الرز إلى أربعين ألفاً، كيف نفكر بحياة وشباب ورفاهية ولبس وتقدم وتحقيق نجاحات؟، بل إننا بسبب الغلاء ومحاربته لم نعد نفكر بسعر الملازم، وإذا ما نوينا الدراسة ستمر علينا معظم أيام الدراسة في غياب، في الوقت الذي نعاني فيه حالياً من إيجار البيت والمحل، فضلاً عن التسعين ألفا التي ندفعها شهرياً لصاحب المولد، نتيجة لانقطاع الكهرباء عن الحديدة، ونحن عملنا قائم بشكل كلي على الكهرباء”.

وهشام شاب في العشرين من عمره، ترك تعليمه ليكمل مشوار والده بعد مرضه، حيث قرر البقاء في محلهم الصغير من أجل توفير متطلبات أسرته الكبيرة، لاسيما أنه الأخ الوحيد لشقيقاته الأربع.

التوجّه لجبهات القتال
وقرر عبدالله، البالغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، الذهاب للجبهة والدفاع عن منطقته التي حاول الحوثيون دخولها والسيطرة عليها. شعر عبدالله، الذي لم يكن يفكر بالقتال، أن قرى منطقته بحاجة لشبابها للدفاع عنها وحمايتها.
مديرية الصلو التي تتبع إداريا محافظة تعز من المناطق التي لقت نصيبها من محاولة الحوثيين دخولها والعبث بها والسيطرة عليها، وجد عبدالله وأصدقاؤه ضرورة للالتحاق بجبهة الصلو والانضمام للجيش والمقاومة المرابطة في سفوح الجبل، كبدوا خلالها الميليشيات الكثير من الخسائر في الأرواح والعتاد، كلما حاولت التسلل للصلو والسيطرة على الجبل المطل على عدن، التي انهزمت فيها شر هزيمة.


أصيب عبدالله بشظايا في ظهره، وتم نقله إلى تعز المدينة، وظل أسابيع في العناية إلا أنه قاوم الموت وعاد مجددًا للجبهة، مع رفاقه المرابطين دفاعاً عن الصلو وأبنائها.
السبب الذي جعل عبدالله يفكر بالذهاب للجبهة هو قاسم مشترك بين أغلب الشباب الذين قرروا المشاركة في القتال والدفاع عن أراضيهم، كثير منهم روت دماؤهم تلك الأرض، وبعضهم لازال متمسكاً بالبقاء عزيزاً أو الشهادة في سبيل عزة الوطن وكرامته.

استشهد عادل في الجبهة وهو متشبثٌ ببندقيته، وقتل عبدالقادر وهو يحمل الخبز لأصدقائه في المتارس، كما رحل محمد القدسي وترك عدسته التي كان يوثق من خلالها البطولات التي يحققها الشباب في جبال ومدن وأزقة تعز.
كما ترك كثير من الشباب تعليمهم وأشغالهم ووظائفهم، ووجدوا حمل السلاح مطلباً وطنياً، بعد أن شاهدوا مدنهم وقراهم تسقط، تُستبد، وتدمر من قبل المليشيات الحوثية.

تدمير الجامعات 
أتت الحرب ودمرت الكثير من البنية التحتية، ولقيت المؤسسات التعليمية نصيبها من التدمير، جامعات كثيرة، ومدارس بعضها دمرت وبعضها الآخر حولتها الميليشيات لثكنات ومتارس، تبعثر التعليم وتاه الطالب وباتت العملية التعليمية متدهورة إلى أبعد حد.

كلية الطب في جامعة الحديدة أولى الكليات التي دُمرت بالكامل، بعد أن حولتها جماعة الحوثي إلى مخزن للأسلحة، كلية الطب جديدة العهد، صرحاً تعليمياً أبهر الطالب بروعة بنائه الذي يعتبر أفضل صرح تعليمي في الحديدة، تعرض لضرب الطيران قبل سنوات، بعد أن حولتها الميليشيات إلى موقع عسكري، لم يبقَ من كلية الطب إلا بوابتها واسمها الذي بقى شاهدًا على دمار حرب لا ترحم.

جامعة تعز هي الأخرى، أحرقتها نيران الحرب التي التهمت المدينة، بعضاً من كلياتها تحولت إلى ركام، وأخرى آلة الدمار تركت بصمتها على جدرانها وأروقتها.
تقول سلمى منصور: “نزحت من الحديدة إلى تعز، وهناك تلقيت دعوة من إحدى صديقاتي لحضور حفل تخرجها، لم يلفت انتباهي الاحتفال وفقراته بقدر ما تألمت كثيراً حين شاهدت الدمار الذي حل بالجامعة، جدرانها، أسطحها، وأشجارها المحروقة”.

المدارس هي أيضاً تعرضت لتدمير، وكثير منها تحول لثكنات عسكرية، الأمر الذي جعل كثيراً من الأسر تخشى على أبنائها من الذهاب للمدارس وتوقف الكثير منهم.

وجد الشباب أنفسهم في هذا البلد مشردين هم وكراساتهم، طلاب جامعة الحديدة ضمن هؤلاء. بعد وصول القوات المشتركة إلى محيطها نقلت كل أقسامها إلى وسط المدينة، وتم توزيع تلك الأقسام في مدارس ومبانٍ تتبع الجامعة، تلك الأقسام لم تجد مكاناً كافياً يستوعب الطلاب، الأمر الذي جعل الكثير منهم يتوقفون عن الدراسة، وآخرون نزحوا إلى مدن أخرى، ومنهم إلى دول مجاوره لم يستطيعوا إكمال دراستهم فيها.

وهناك سبب آخر، يهدد العملية التعليمية، يتمثل بانقطاع الرواتب، والتصفيات والملاحقات التي  يتعرض لها كوادر الجامعات من قبل الحوثيين، نتيجة لآرائهم أو مواقفهم السياسية.

الفرار أو الاعتقال
تحولت المدن التي يسيطر عليها الانقلابيون الحوثيون إلى سجن كبير للكثير من المدنيين، أغلبهم من الشباب.
 نادر، لم يكن سياسياً ولا عسكرياً ليسجن، ولكن ذنبه فقط أنه طالب إعلام، باعت أمه الغالي والنفيس وكل ما تملك من أجل إخراجه من السجن، ولم تستطع. عليٌ صديقه هو الآخر، سُجن بسبب منشور في “الفيسبوك” وغيّب عن زوجته وطفله منذ أكثر من أربع سنوات.

محمد مرزوق، تم اختطافه من أمام منزله. تقول زوجته لـ “لأيام”: وهي تروي قصة اختطافه بلهجتها التهامية: “تغدينا وزوجي أخذ المتور وخرّجه لجنب أمباب في الشارع، وجلس ينظفه مثل كل يوم، قبل ما يروح يشتغل، جبت له كأس شاي ودخلت أنظف الجهلة، ناداني أخذ الكاسة من على امباب واجيب له ثانية، رجعت أجيب له امشاهي ما حصلت إلا امتر.. قلت يمكن راح امبقالة  انتظرت ساعتين ما في فائدة، رجعت رحت للبقالة بنفسي، واللي جالسين جنب امبقالة قالوا لي في ناسوا مسلحين أتوا وأخذوه، ومن ذاك اليوم ونحن نسأل يقولوا معتقل، وما يخلونا نطمن عليه أو نشوفه، جزعت أربع سنوات وزوجي معتقل ومعي بنت وولد، تعبت وأنا أكافح عشانهم لحالي، ومحمد لا متعلم ولا شيء، ولا يعرف للسياسة طريق، عايش بعد حاله.. الله يحرمه اللي حرمنا منه أنا وأطفاله، الله يحرقهم”.

أبرز السجون
القلعة التاريخية في الحديدة أصبحت أبرز سجون المليشيات، إلى الأمن السياسي، وسجون سرية أخرى، معظم الشباب المسجونين فيها تم أخذهم من منازلهم أو من أرصفة وشوارع المدن تحت ذرائع التجسس، أو مشتبه بهم، أو ممن عارضهم برأي أو انتقدهم، ويعد الإعلاميون أكثر فئة من الشباب تعرضاً للاعتقال والملاحقة والقتل، وما تبقى منهم إما في الجبهات أو في مدن محررة مثل مأرب وعدن، وهناك من الصحافيين خرجوا إلى دول أخرى بعد تزايد الخطر عليهم.

يقول طلال، وهو طالب في مصر: “الشباب في البلاد أمامه خياران اثنان فقط، إما أن يبقى صامتًا أو يحارب الباطل وهو فار خارج بلاده، وإذا ما مارس نشاطه وهو في مدينته أو منطقتهم فبكل تأكيد سيكون مصيره في أحد المعتقلات التي تضج بمئات الشباب”.
ويضيف في حديثه لـ “الأيام”: “شاركت في ثورة 11 فبراير، وقمت بنشر بعض آرائي في صفحتي على “الفيس بوك”، وهذا ذنبي الوحيد، ملاحقة وتهديدات، لم يكن أمامي إلا اللجوء إلى خارج الوطن لأجد فرصة في محاربة الظلم بقلمي”.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى