أنياب الحوثي وأظافر الشرعية.. أيهما الأقرب إلى الهلاك؟

> عريب الرنتاوي

> دخلت الحرب اليمنية عامها الخامس من دون أن تلوح في الأفق إرهاصات حل وشيك، يضع حدّا لأخطر وأكبر كارثة إنسانية معاصرة، ومن دون أن تظهر كذلك، أية بوادر لانكسار هذا الطرف أو انتصار الطرف المقابل.
هي الحرب التي قدّر مشعلوها في البدء، أنها لن تحتاج لأكثر من ثلاثة أسابيع، حتى تضع أوزارها وتصمت مدافعها، محققة هدفين اثنين، أُعلن عنهما تزامناً مع انطلاق ما أسمي بـ «عاصفة الحزم»: إعادة «الشرعية» بالقوة إلى صنعاء، وإسقاط حكم الحوثيين وتجريدهم من أنيابهم ومخالبهم، ومنع تحولهم إلى «حزب الله» آخر، والحيلولة دون تحول اليمن إلى سوريا ثانية.

اليوم، وبعد مرور أربع سنوات عجاف على تلك «الحرب المنسية»، تبدو الفجوة هائلة بين «حسابات الحقل وحسابات البيدر».. فلا الحوثيون رفعوا الرايات البيضاء، ولا الشرعية قادرة على ممارسة مهامها من عدن «المحررة»، دع عنك صنعاء «المحتلة»، أما حكاية تقليع أنياب الحوثي وتقليم أظافره، فلا يبدو أن أياً من فصولها قد تحقق، بل على العكس من ذلك، فقد نبتت لهم مخالب وأنياب جديدة، أبعد مدى وأكثر تهديداً.

كلفة إنسانية مروّعة
تفيد التقارير الأممية بأن ما يزيد عن 15 ألف يمني قد لقوا مصرعهم في سنوات الحرب الأربعة الفائتة، من بينهم ما يقرب من أربعة آلاف طفل، وأن ما يقرب من 25 ألف يمني قد أصيبوا بجراح متفاوتة، أغلبهم من المدنيين من الأطفال والنساء، فيما اضطرت الحرب أكثر من ثلاثة ملايين يمني إلى النزوح بعيداً عن خطوط التماس والبؤر الساخنة.. ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في فبراير2019، إلى أن 80 % من السكان، أي نحو 24 مليون شخص، بحاجة إلى مساعدة غذائية أو حماية، بينهم 14.3 مليون شخص بشكل عاجل، أما الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة أو حماية بشكل عاجل، فقد ارتفع بنسبة 27 % مقارنة بالعدد ذاته في العام الماضي، مشيراً إلى أن «ثلثي المناطق اليمنية دخلت مرحلة ما قبل المجاعة». أما منظمة «العمل ضد الجوع» فتقول إن 16 مليون شخص في اليمن يفتقرون إلى المياه والصرف الصحي والرعاية الطبية الأساسية بعد أن أغلقت 50 % من العيادات في اليمن ولا يستطيع أكثر من 70 % من اليمنيين الحصول على إمدادات منتظمة من الأدوية.

أما منظمة الصحة العالمية، فتقول إن وباء الكوليرا الذي اجتاح اليمن بسبب الحرب وكنتيجة لها، في تسبب في مقتل أكثر من 2500 شخص منذ أبريل 2017 بعد أن تم الإبلاغ عن الاشتباه بإصابة نحو 1.2 مليون حالة.
الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أكدت أن 75% من إجمالي المرافق التعليمية باليمن تم إغلاقها وحرمان قرابة مليوني طالب يمني من مواصلة تعليمهم، وقالت المنظمة إن (1477) مرفقاً تعليمياً تضرر جراء الحرب، وأن قرابة (276) مدرسة قد تحولت إلى مخيمات لإيواء النازحين.

ليست هناك تقديرات موثوقة عن حجم الخسائر في قطاع البنية التحتية، لكن التقديرات بشأن كلفة إعادة إعمار هذا البلد الفقير أصلاً، تراوح عادة ما بين 75 إلى 100 مليار دولار، ليس لدى أي فريق، فكرة واضحة عن الكيفية التي يمكن بها جمع هذه المبالغ، أو المصادر التي ستُجمع منها أو الجهة التي ستجمعها.. أما خسائر دول التحالف فلا أحد بمقدوره إحصاءها بدقة، لاسيما في الجانب المالي، في ظل معلومات غير رسمية تتحدث عن 200 - 300 مليار دولار، تتوزع على كلفة الأسلحة والذخائر والعمليات العسكرية، فضلاً عن الصفقات السياسية المبرمة لتشكيل وتدعيم تحالف عربي وإسلامي داعم للرياض وأبو ظبي على رأس هذا التحالف.

الأهداف المعلنة و«المضمرة» للحرب
حدد التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات عن هدفين رئيسين لـ «عاصفة الحزم» التي أطلقها في الخامس والعشرين من العام 2015، هدفين اثنين لهذه الحرب: الأول؛ إعادة «الشرعية» إلى صنعاء، والثاني؛ إلحاق هزيمة بجماعة الحوثيين، ذراع إيران في اليمن على حد وصفه.. لكن تطور الحرب في اليمن واستطالتها وتشعب مساراتها، تكشفت عن أهداف أخرى لقوى التحالف، وأظهرت أهدافاً لم يكن مصرح بها لما بات يعرف بـ «حرب الموانئ وأنابيب نفط».. فالتحالف سعى بكل قوة لبسط سيطرته على المنافذ والموانئ البحرية (بريم، سقطرى، عدن والمخا)، وهو يقود معارك الساحل الغربي للوصول إلى موانئ (الحديدة وصليف ورأس عيسى)، فيما تقوم السعودية بجهود حثيثة لإحكام سيطرتها على محافظة المهرة، المحاذية للحدود مع عُمان، بهدف مد أنبوب لتصدير النفط السعودي مباشرة في مياه بحر عمان، متجاوزة مضيف هرمز الذي يقع تحت مرمى النيران والتهديدات الإيرانية، الأمر الذي وضعها في حالة اشتباك مباشر مع عشائر المحافظة وقبائلها.

بجرد حساب لنتائج السنوات الأربع من الحرب العبثية في اليمن وعليه، وبمعزل عن الكلف الإنسانية الباهظة التي تكبدها الشعب اليمني على ضفتي الصراع، يمكن القول بأنها «حرب لا رابح فيها، الجميع خاسرون».. فلا الحوثيون وأنصارهم، تمكنوا من الاحتفاظ بجميع المناطق التي نجحوا في السيطرة عليها، خصوصاً في المحافظات الجنوبية التي كان وصولهم إليها ضرباً من المقامرة والعبث، ولا التحالف الدولي نجح في إعادة «الشرعية» إلى صنعاء، بل وحتى إلى المناطق «المحررة» في الجنوب، والذي يبدو أن الحرب ساهمت في تشظيه وتعميق انقساماته، ومفاقمة ميوله الانفصالية عن شمال اليمن.

ويصعب القول، حتى من قبل أشد أنصار الحرب اليمنية، أن التحالف نجح في تقليم أظافر الحوثي أو تقليع أنيابه ومخالبه.. فالحوثيون ما زالوا يقاتلون بضراوة في المحافظات الشمالية، وقدراتهم العسكرية في تزايد كمي ونوعي، بصرف النظر عن مصادرها، وقدرتهم على تهديد العمق السعودي لم تكن يوماً أفضل مما هي عليه اليوم، فيما المعارك على «الحد الجنوبي» لجيزان ونجران وعسير، تدور في عمق الأراضي السعودية، وليس في الداخل اليمني كما كان متوقعاً.

ثم أن هذه الحرب، بكلفها الإنسانية، ساهمت في تشويه صورة دول التحالف لدى الرأي العام العالمي، وقد جاءت جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لتفتح أنظار العالم وعيونه، على مجريات الحرب اليمنية، حيث تتوالى التقارير عن جرائم ترقى إلى مستوى «جرائم الحرب» و «الجرائم ضد الإنسانية»، وتتهم التحالف بإدارة سجون سرية تنتهك فيها على نحو بشع أبسط حقوق الإنسان، وتطال الاتهامات دولاً أوروبية (بريطانيا) والولايات المتحدة، بدعم هذه الحرب «غير الشرعية» على اليمن، بما في ذلك، تهماً تتعلق بتجنيد الأطفال وتسلحيهم وتدريبهم، وهو أمر بدأ يستدعي إجراء تحقيقات قضائية في مسؤولية دول غربية عن استمرار هذه الكارثة الإنسانية ونفاقهما.. وتعكس المداولات في الكونغرس الأمريكي بشأن السعودية والإمارات وحربهما في اليمن، حالة الضيق وفقدان الصبر التي يعيشها الرأي العام العالمي جراء استمرار هذه الحرب المكلفة.

أما في الأهداف الخاصة للتحالف من الحرب، فلا يبدو أن ثمة ما يشير إلى نجاحات تذكر على المدى المتوسط أو البعيد.. فالسيطرة على عدد من الموانئ اليمنية، تبدو هشة ومؤقتة، في ظل تنامي انتقادات اليمنيين واعتراضاتهم عليها، لاسيما وأن هذه السيطرة يجري تأمينها بمجاميع مسلحة، وما جرى في عدن من قبل، وما يجري في مدينة تعز مؤخراً، يشي بأن ثمة حروباً متناسلة من «الحرب الأم» التي تدور في اليمن، تأخذ شكل «صراع نفوذ»، أو حرب «وكالة» بين الإمارات والتجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)، حصدت أرواح العشرات من اليمنيين، وانتهت بضرب نفوذ تلك المليشيات، وبداية تقارب ما بين الحوثيين والإخوان المسلمين.

وفي المهرة لا تبدو مهمة السعودية في تأمين سيطرتها على المحافظة وخطوط تصدير النفط السعودي، سهلة أو يسيرة، في ظل استمرار التحركات الشعبية ضد ما يسميه أبناء المهرة، بالهيمنة السعودية.
لقد تشظى اليمن بعد سنوات أربع من الحرب إلى كيانات ومكونات متنافسة، تتوزع على عشرات المليشيات المسلحة، التي يتبع كثير منها أطرافاً عربية ومراكز إقليمية متناحرة، وشكلت بيئة الحرب، ظرفاً مناسباً لاحتفاظ الجماعات الجهادية كالقاعدة وداعش بمواطئ قدم لها في جنوب الجزيرة العربية، ومن دون أن تلوح في الأفق بوادر حل سياسي يكفل وحدة البلاد وسلامة نسيجها الاجتماعي، بل ومن دون أن تلوح في الأفق أيضاً، بوادر فرص لإمكانية «ردم الفجوات» بين الشعب اليمني.

«صوت الشورى»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى