من المقابر بالدول القديمة.. مقبرة تمنع

> علوي بن سميط

>
قدمت مقبرة تمنع بعض أجمل القطع الفنية اليمنية القديمة

العديد من المقابر القديمة تتناثر في جغرافيا ما تسمى بمملكة حضرموت وقتبان ما قبل الميلاد بعض منها اكتشف على يد الآثاريين الغربيين منذ خمسينات القرن الماضي، وهنا أختار (مقبرة تمنع) لأنقل مقال وليام غلانزمان الذي كتب عن المقبرة وعن رأس امرأة - مريم - الذي عثر عليها بمقبرة حيد بن عقيل من بداية القرن الأول الميلادي، وهي عبارة عن تمثال بارتفاع 36.5 سم ×18 سم، وموجود في متحف المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان، وتعتبر من أجمل المنحوتات القبورية في صحراء حضرموت شبوة حينها، وقد شاهدتها أثناء حضوري شخصياً بمتحف مؤسسة الإنسان ضمن وفد ثقافي قدّم ندوات (أطلالة على الثقافة اليمنية في سبتمبر 2003م).

ويرى ويضيف الكاتب غلانزمان في كتاب “اليمن في بلاد سبأ” ص (171) عن المقبرة: “تحتل مقبرة مدينة تمنع الواقعة على مسافة كيلو متر واحد شمال المدينة المنحدرات الغربية والجنوبية الغربية لحيد بن عقيل، وتتواجد هذه المرتفعات الوعرة على الجانب الغربي من وادي بيحان عندما يدخل بصورة ملتوية نحو صحراء صهيد، لقد قامت بالتنقيب في المقبرة بين عامي 1951م و1952م المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان (AFSM) بإشراف وندل فيليبس wendell phillips، وقد استخرجت البعثة عديداً من القبور (القطاع ب) ومجموع معبد ضخم قبوري (القطاع أ)، كانت كل المدافن التي تم التنقيب فيها قد نبشت في الماضي ونرى اليوم مئات أخرى منها”.

قامت البعثة بدراسة تسعة عشر “ضريحاً” جنائزياً في عام 1950م، واكتشفت عدة أضرحة سواها في عام 1951م وهي تحتل مرتفعاً من الأرض في الجانب الأدنى الجنوبي الغربي من حيد بن عقيل على ارتفاع 10 أمتار تقريباً فوق مستوى السهل وتمتد حتى القمة، ويبدو أنها كانت قد رفعت فوق سطوح لكل ضريح مبنيّ بالحجر المتبلر المنحوت شكل المستطيل ويتكون داخله من قاعة مركزية مرفقة بغرف قبورية على الجانبين معظمها يشتمل في أقله على أربعة مقصورات من كل جانب، بل إن البعض يشتمل على غرف يصل عددها إلى الثمانية، وهذه الغرف مقسمة بدورها إلى خدور loculi, loculus منضدة بعضها فوق بعض ينفتح أحد أطرافها على القاعة المركزية كل خدر يتضمن على الأقل ثلاثة مدافن موضوع بعضها فوق بعض ويفصل بين الخدور بلاطات سميكة من الحجر مدعومة بحجارة أصغر مركوزة في جدران المقصورات ولكل خدر شكل متوازي السطوح (80 ر0 × 20ر1 × 20ر1 × 0ر2 م)، كانت هذه الأضرحة على الأرجح مدافن عائلية أو قبلية كل منها يشتمل على 24 مكانا.

تبين المواد المكتشفة أن استخدام المقبرة قد تزامن مع احتلال موطن هجر كحلان وأنه توقف عندما هُدمت العاصمة القتبانية بسبب الحرب وأول آثار يمكن تحديد تاريخها تعود إلى القرن السابع والقرن السادس قبل الميلاد، وقد استوردت بعد ذلك فخار terra sigillata والمزهريات المطلية من بلاد الرافدين وبلاد فارس وحوض البحر المتوسط على الأكثر حوالي القرن الأول الميلادي، وقد قدمت مقبرة تمنع التي قامت بالتنقيب فيها المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان بعض أجمل القطع الفنية اليمنية القديمة ومنها التمثال النصفي المسمّى “مريم” وطوق من الذهب والعديد من المنحوتات القبورية.

وقد استخرجت عدة مجموعات صغيرة من المنحوتات المرمرية - وخاصة من “مخبأ المرمر” في القاعة (1) من القطاع (ب) - وكذلك عدد المباخر وكثير من القطع كانت عبارة عن مجسمات مصغرة، كما أن بعضها اكتشف في الضريح ذاته الذي عثر فيه على قطع بالحجم الطبيعي فالمصغرات كانت إما موضوعة مع بقايا الأطفال الموتى أو أنها كانت تقوم بدور رمزي ضمن الأثاث القبوري كان القطاع (أ) الذي يقع بين 10 و45م فوق أسفل الجبل على امتداد منحدره الغربي صنف إلى ثلاث مجموعات من قبل المنقبين، وكانت البقعة بأكملها شديدة الاضطراب.

فـ “المجموعة (3) تتضمن معبد رصاف الذي عرف اسمه بفضل الآثار المنقوشة التي تمت دراستها في المناطق المجاورة وبناء على نقوش أخرى من وادي بيحان وهو معبد يقوم على مصطبه شيد في مواجهة الجهة الغربية وكانت قديماً بوابة ضخمة ذات أعمدة وكان مكرساً للإله أنبي، ويشبه تنظيمه تنظيم معابد أخرى في سبأ وقتبان وكذلك تنظيم الجزء الشرقي من المبنى الكبير (TTI) في تمنع، وتقوم على الجانب الغربي مباشرة من “المجموعة 3” “المجموعة2”، التي تتألف من سلسلة من المباني ذات الوظيفة غير الثابتة، وتقوم غربا أيضا “المجموعة 1” التي تشمل على بئر عمودي عميق عُثر فيه على أنواع كثيرة من القطع: تماثيل نصفية قبورية مع قواعدها المنقوشة وآثار أخرى في موقع تمنع على أن القطاع (أ) لم يتضمن على كل حال أي ضريح.

يؤكد عدد من القطع المكتشفة ضمن المباني على الطابع الخاص لهذا الجزء من الموقع، فهناك قطع برونزية تم صبها في المجموعة (3) كما تبرهن على ذلك كسرات عديدة من الطين المحروق يحمل بصورة سالبة آثار طباعة الحروف في كتابة ضخمة وبالإضافة إلى ذلك هناك نسبة كبيرة من قواعد التماثيل المنقوشة تم العثور عليها في المجموعة (3) وتحمل نقشاً يبدأ بكلمة “معمر” التي يمكننا ترجمتها بـ (“المقام” الأخير أو دار الآخرة أو دار الخلد) وتعزز هذه الآثار شأنها في ذلك شأن وضع معبد رصف النظرة إليه بوصفه معبداً قبورياً وربما كان هو المكان الذي كانت العائلات التي تسكن تمنع تقوم فيه بالصلاة على موتاها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى