أرض عدن.. نهب وسطو وبسط عشوائي

> تقرير/ سليم المعمري

>
محامون: البسط على أراضي الدولة يتم بدعم نافذين بالشرعية

بدأت حمى البسط على أراضي الدولة، والخاصة في العاصمة عدن بُعيد الوحدة بين دولتي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية) بعام 1990م، وما تزال هذه المشكلة مستمرة حتى اليوم، نتيجة لغياب دور الجهات القضائية والأمنية والعسكرية، وسط نداءات من بعض النشطاء ومنظمات المجتمع المدني لوقف هذه الظاهرة السلبية التي طالت أراض العاصمة المؤقتة بشكل مخيف.

محمد بانافع
محمد بانافع
وأوضح نائب رئيس هيئة مكافحة البسط وغزالة العشوائيات محمد بانافع أن “مشكلة الأراضي وظاهرة البناء العشوائي تعود لبداية الوحدة المشؤومة على الجنوب، والبسط على الكثير منها من قِبل المتنفذين الشماليين بعد عام 94م، وبأوامر بتملكها من الرئيس الهالك علي صالح، وبمساحات كبيرة، من بينهم عبدالقادر هلال، الذي بسط بقوة السلاح على 70 أرضية في خط التسعين أمام مطعم الشرق الأوسط في مديرية المنصورة، وكذا سماحه لمشايخ العقارب والعُزيبة وغيرهم بتملك الأراضي التي يدّعون امتلاكها مقابل التقاسم مع الشماليين، وهو ما حصل في منطقة الرباط الشرقي بمحافظة لحج”.

وأضاف، في تصريحه لـ “الأيام”: “هناك حلول لابد الوقوف معها، كأن يتم إيقاف العمل في جميع الأراضي المتنازع عليها، ووضع الحلول بمسح الأراضي وتمكين أصحاب العقود من أراضيهم، وصرف أرضيتين في المخططات الممسوحة مع الخدمات من قبل الدولة لمن بُني بطرق عشوائية، طالما أن الدولة أهملت وغضت الطرف عن البناء العشوائي لعشرات السنين”.

فساد منظم
منصور صالح
منصور صالح
وقال نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح: “تعود جذور مشكلة الأراضي إلى سنوات طويلة وسابقة لعهد الوحدة وما بعدها، وشُكلت لأجلها لجان عدة، لكنها لم تعالجها بشكل نهائي، ولكنها برزت للسطح بشكل أكبر اليوم، في ظل فشل مؤسسات الدولة المعنية وتخليها عن واجبها وتحديداً قيادة السلطة المحلية للمحافظة ومصلحة الأراضي، وما يعتري نشاطهما من فساد منظم وغير منظم، والمؤسف أن هناك من يحاول اليوم توظيف هذا الملف سياسياً لتحقيق أهداف ومآرب لا علاقة لها بحقوق الناس، ويضاف إلى ذلك أن مجتمعنا الجنوبي في الآونة الأخيرة شهد بروز بعض الظواهر السلبية الدخيلة على سلوكه وأخلاقه، ومنها: ظاهرة البسط غير القانوني على الأراضي، حيث يستغل البعض غياب مؤسسات الدولة، التي يُفترض أن تكون هي من تقوم بمسؤولية تنظيم عمليات الصرف ومنح العقود، وحماية الملكية الخاصة والعامة، وردع الناهبين وتقديمهم للقضاء، وتمكين الملاّك الشرعيين من حقوقهم بحماية من سلطات الدولة”، مضيفاً: “تغوّل الفساد في الأراضي هو امتداد لحالة الفساد الشامل في كل مؤسسات الدولة، وتقع المسؤولية أولاً وأخيراً على قيادة المحافظة ومصلحة الأراضي، التي للأسف، لم نسمع لهما صوتًا خلال الفترة الماضية، وكأن شيئاً لا يعنيها، ومن وجهة نظرنا تكمن المعالجات في وقف أي تصرف في الأراضي لفترة محددة، يتم خلالها دراسة وثائق الملكية وإحالة المواقع المتنازع عليها لقضاء مختص للفصل فيها، وتحديد مهام واضحة للأجهزة الأمنية كجهاز تنفيذي لقرارات المؤسسات المعنية”.


ضعف الدولة
سعيد العيسائي
سعيد العيسائي
وحمّل المحامي المترافع أمام المحكمة العليا للجمهورية، سعيد علي العيسائي، الأجهزة الأمنية والنيابية والقضائية مسؤولية حماية الممتلكات العامة والخاصة والجهات ذات العلاقة من الأراضي والأشغال العامة والمنطقة الحرة وغيرها من البلاطجة واللصوص المعتدين على الأراضي والتصرف بها للغير بدون أي وجه حق، وبدعم من متنفذين داخل الشرعية، والذين نشروا الفساد والظلم والعدوان على حقوق الآخرين، كما أن ضعف الدولة والحكومة والتراخي المستمر شجع الخارجين عن القانون على عملية البسط، ولهذا فعلاج هذه المشكلة يكمن في إصلاح وتطهير الأجهزة الأمنية والقضائية من الفساد والفاسدين من الموظفين الفاشلين، واختيار عناصر جديدة نظيفة قادرة على العمل، وتشكيل حماية عسكرية تؤمّن وتحمي ممتلكات الدولة والمواطنين، والقبض على جميع المتهمين من خلال حملة أمنية قوية، وتقديمهم للقضاء.
شكوى من مواطن لمدير أمن عدن حول تعرّض أرضيته للبسط
شكوى من مواطن لمدير أمن عدن حول تعرّض أرضيته للبسط

 
نزيه عبدالملك
نزيه عبدالملك
المحامي نزيه عبدالملك عبدالرزاق هو الآخر حمّل الحكومة المسؤولية الكاملة في الفساد والسلب الذي تتعرض له أراضي الدولة والشعب على حدٍ سواء، مضيفاً: “عدم وجود تخطيط لأراضي الدولة، وعدم معرفة المساحات الموجودة منها أيضاً، سبب كافٍ للاستيلاء عليها من قبل البلاطجة، وإذا لم يتوقف هذا العمل الإجرامي بحق الدولة والشعب سينهار الوطن فوق انهياره، ولهذا ما نتمناه هو نشر أسماء المتنفذين ومن يقوم بمساعدتهم بشكل يومي في الجريدة الرسمية ووسائل الأعلام الأخرى، كما نتمنى إصدار قرار فوري بوقف التسيب الحاصل، ووضع حد لتخطيط الأراضي ومحاسبة المتنفذين والتجار وكل من تعدى على أراضي الدولة حتى شبر واحد، وإحالتهم للنيابة والقضاء لينالوا جزاءهم العادل، ويتوجب على الدولة هنا أيضاً تعويض المواطنين الذين فقدوا حقوقهم بسبب استيلاء المتنفذين على أراضيهم”.

الناشطة المجتمعية، شفاء سعيد باحميش، أكدت في حديثها لـ “الأيام” الأسباب التي تطرّق لها المحامي عبدالرزاق والتي شجعت على عملية الاستيلاء على أراضي الدولة والخاصة، مضيفة: “الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني والمنطقة الحرة هي جزء من المشكلة أيضا”.
بناء عشوائي
بناء عشوائي


استغلال النفوذ
هاني محمد
هاني محمد
من جهته، قال أستاذ القانون الدولي هاني محمد: “في العادة تقوم المجتمعات على تنظيم حيازة الأراضي مع تحديد كيفية الحصول عليها ومعايير توزيعها، واستخدامها وحماية ملكيتها وما يرتبط بها من مسؤوليات وضوابط، توضح استخدام مواردها والفترة المحددة لذلك والرسوم المفروضة عليها للصالح العام، بوصفها أحدى الموارد العامة للدولة، ولهذا نجد أن الطريقة التي تحدد بها كيفية الحصول على الأراضي وتوزيعها واستخدامها وحماية حق التملك والانتفاع بها تنعكس على أمن واستقرار المجتمع وتطوره، فإذا ما ساد في الوطن العدل واحترام الحقوق العامة والخاصة ينعم المجتمع بالأمن والاستقرار والرخاء، والعكس صحيح، ومن هنا نجد أن مشكلة البسط والسطو على أراضي الدولة والشعب ساهمت بإحداث شرخ اجتماعي كبير في المجتمع، وتسببت بالاقتتال بين أبناء الوطن، ومن المعلوم بأن ظهور هذه المشكلة ناتجة عن فشل النظام السياسي والاقتصادي، وعجز السياسات المختلفة في هذا الشأن بأن توفر الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية وشروط التعايش والاستقرار المجتمعي وعدم التمييز عند الصرف”.

وأوضح في تصريحه لـ “الأيام” أن بعض النافذين في الدولة استغلوا مواقعهم الوظيفية للاستحواذ على الأراضي والمتاجرة بها، الأمر الذي أثّر سلباً على عدم حصول الغالبية من البسطاء وموظفي الدولة على بقع لبناء المساكن الشخصية فيها، فضلاً عن تحول كثير من النافذين ومسؤولي الدولة إلى تجار عقارات، من خلال بيع عشرات القطع على أصحاب رؤوس الأموال بعشرات الملايين.
وأضاف: “مع الأسف الشديد مُورست أعمال غير مسؤولة عند تخطيط وصرف الأراضي، فتم العبث بالمخططات العامة سواء بالزيادة أو النقصان، وهو ما تسبب بتشويه جمال المدن، علاوة على العبث بالمعالم والآثار وهدر المال العام، ولا حل لهذه القضية إلا بإعادة النظر في سياسات حيازة الأراضي، ومعالجة المشاكل الناجمة عن سوء التوزيع السابق والسطو عليها بطرق غير قانونية، والعمل على تأسيس هيئة في شأنها معالجة مشكلة الأراضي، وتكون من أعضاء يمثلون السلطة المحلية، وملاك الأراضي، ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في هذا الحقل، على أن تتولى معالجة مشاكل الأراضي وتحدد الأسس القانونية التي يجب عليها أن تنطلق منها تلك المعالجات، ويجب أيضاً العمل على تكوين قضاء متخصص في هذا الشأن، يتولى النظر في التظلمات والفصل النهائي بشأنها وإلزام الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط الحضري، ومسح لأراضي الدولة بشكل كامل، وإعادة تخطيطها بصورة حضارية ترتكز على تخطيط قطع أرضي سكنية، ويتم صرفها للشباب الراغبين بشكل عادل ومن دون أي تمييز، مع الأخذ بعين الاعتبار سكان محافظة عدن، ومن هو متزوج ولديه أطفال في المقام الأول”.”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى