تزايد نسبة العزوبية والعنوسة في أوساط الشباب بحضرموت

> تقرير/ خالد بلحاج

> رجل دين: عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان 

دخلت مؤخراً على المجتمع الحضرمي عموماً وأبناء مديرية القطن خصوصاً الكثير من الظواهر السلبية، أبزرها ما يتعلق بطلبات الزواج والتي أثرت بشكل كبير على الشباب من الجنسين (الذكور والإناث) كالمغالاة في المهور وارتفاع تكاليف الزواج وأسعار السكن والذهب، هذه الأسباب وغيرها أرغمت الكثيرين من الشباب بالعزوف عن الزواج وأصبحت العزوبية والعنوسة ظاهرة ونتيجة طبيعية للظروف التي يصعب معها بل يكاد يستحيل على الكثير منهم توفير مسكن مستقل بعد سنوات طويلة من العمل أو توفير تكاليف الزواج الباهظة.

يقول المواطن محمد مبارك: “إن معظم الشباب يعانون هذه الأيام من ظاهرة الغلاء في متطلبات الزواج، بل بات على من يفكر منهم في إتمام مراسم زواجه أن يبدأ أولاً بتوفير ميزانية كبيرة للوفاء بمطالب أهل العروس، الأمر الذي يرهق كاهل المقبلين على الزواج ويضعهم مرغمين للاستدانة والغرق فيه”، لافتاً إلى أن “هذه الظاهرة جديدة لم تكن معهودة من قبل كما أن التمسك بمثل هذه العادات الدخيلة له نتائج سيئة على المجتمع، وعلى الجهات المسئولة القيام بالتوعية الدينية والاجتماعية اللازمة تجاهها”.

وأضاف المهندس أحمد ربيع: “في الوقت الذي يطالب فيه المجتمع بالتخفيف من أعباء تكاليف الزواج ظهرت هذه المغالاة لتثقل كاهل الخاطب ممّا قد يؤدي إلى تأخير موعد الزفاف لأشهر طويلة لاسيما على أصحاب الدخل المحدود، والذين لا يقدرون على مُجاراة المبالغ الكبيرة التي تنفق ببذخ على حفلات الخطوبة والزواج والمهر والذهب وأغراض العروس من الملابس وغيرها، ناهيك عن حجز القاعة للاحتفال، وإذا نظرنا بموضوعية إلى ما يتم إنفاقه من أموال في هذه الأعراس فنجدها تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف؛ كونها نوعاً من التبذير المبالغ فيه”.

صعوبات كثيرة
وقال الشاب نشمي عمر في تعليقه على هذه الظاهرة السلبية: “في الوقت الذي تشجع فيه بعض الأسر أبناءها على الزواج تجد من يتشدد في المقابل بمتطلبات الزواج من بعض الأسر الأخرى، والمسألة لا تعدو كونها عملية قبول أو رفض من أهل العروس كما حددتها شريعتنا الإسلامية ولا أرى أي أسباب شرعية أو منطقية تجيز بأي حال من الأحوال ما يحدث الآن والمخالف تماماً لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه”، بل إن ما يجري في مجتمعنا أمر غريب وإلا فما معنى أن تبعثر الأموال يمينًا ويسارًا على أمور غير مجدية إطلاقا والمحصلة في النهاية ديون على عاتق الزوج لا طاقة له بها أصلا”.

وأكد المواطن صالح علي في حديثه لـ “الأيام” بأن “المغالاة في المهور وحفلات الزواج وغلاء الأسعار وارتفاع أجور السكن ما تزال من الأسباب المباشرة في تأجيل كثير من الشباب لفكرة الزواج بل والإقلاع تماماً عنها من قبل بعضهم، وهناك الكثير من الشباب الراغبين في حياة زوجية مستقرة يواجهون صعوبات في توفير فاتورة الزواج تضاف إلى ذلك تكاليف صالات الأعراس النسائية والرجالية بأجورها الخيالية ناهيك عن متطلبات الزواج من ذهب وهدايا وحفلات ما قبل وبعد العرس”.

أما الشاب فؤاد سالم، فيرى أن “المغالاة في متطلبات الزواج أصبحت لدى الكثير من الأسر شيئا مسلّما بها ولا يمكنهم لأي سبب من الأسباب التنازل أو التخلي عنها، حيث إن الدخول إلى عش الزوجية لديها مرهون بضوابط أسرية صارمة من قبل أهل العروس، فمثلاً بات من اللازم على المتقدم لخطبة فتاة أن يضع في الحسبان توفر مبلغ كبير من المال لإتمام مراسم الزواج شاملة المهر والشبكة والملابس وإيجار القاعة وغير ذلك من الكماليات”.

آراء متباينة
وتحصلت “الأيام” عن آراء متباينة من الفتيات حول الغلاء في المهور والتمسك ببعض العادات وبهذه الظاهرة السلبية في المجتمع، ففي الوقت الذي أصرت فيه الفتيات ممن هن في مقتبل العمر بالتمسك بالمهر والذهب وغيرها من المتطلبات، أبدت شابات ممن يكبرنهن سناً بالتنازل عن تلك الأمور.
فاطمة أحمد، طالبة جامعية قالت: “من حق أي فتاة أن تفرح بليلة زواجها فلبس الفستان الأبيض حلم أي فتاة، فأنا عن نفسي لا أتنازل عن حقوقي في الزواج، ولكن التواضع شيء أساسي”.

أما صديقتها سمية علي فقالت: “بنت عمرها 20 عام تقدم تنازلات خوفًا من العنوسة لماذا؟!، أنا لن أقدم أي تنازلات لا عن مهر ولا التلبيسة ولا حفلة زواج فجميعها حق من أبسط حقوقي”.
فيما ترى أميمة أن تقديم التنازلات يبدأ حينما تصل الفتاة لمرحلة العنوسة، فمثلاً كأن تبلغ عمر 40 عاما، هنا أظنها ستضطر إلى التنازل عن المهر والشبكة وحتى حفلة الزواج في سبيل الحصول على زوج”.

وأضافت سمية وهي شابة تزوجت منذ أربعة أشهر: “أنا لم أطلب مهراً ولا حفلة زفاف بل ما طلبته ولا أزال أطلبه هو علاقة مستديمة لا تقوم على المال، حيث أقمت حفلة صغيرة في البيت في حضور الأهل والمقربين وأنا سعيدة لعدم إغراق زوجي بالديون والمصاريف”.
أما السيدة أم سعيد فتعتبر أن المهر حق يعزز قيمة الفتاة ويجب أن تتمتع به، وإذا لم تتحصل عليه قبل الزواج فلن تحصل عليه بعده، كما ترفض أن تزوج ابنتها بلا مهر.

وتقول هويدا: “أنا شخصياً لا أريد مهراً ولا أحب الذهب وقليلا ما ألبسه، فلماذا أثقل كاهل زوج المستقبل بالديون، ولكن ربما أهلي يرفضون قراري وهذا للأسف للتباهي أمام الناس بأن زوج ابنتنا دفع لها مهراً وقدره كذا وكذا، وما أتمناه من الفتاة هو أن تساعد زوجها خصوصًا إذا كان في بداية حياته العملية وهذا حال الكثير من شبابنا اليوم ديون وأقساط، فلماذا لا يتم التفكير في التوفير حتى يعُمر بيتاً سعيدا”.

عادات ليست من الدين
وفي تعليقه حول هذه الظاهرة السلبية من وجهة الشريعة الإسلامية قال لـ “الأيام” الشيخ عمر عبيد: “إن الناس بجهلهم وخضوعهم لعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان وضعوا العوائق والحواجز في طريق الزواج حتى غدا صعباً وشاقاً على الكثيرين، ومن العادات التي تعوق حصول الزواج أن بعض الناس قد يخفض من مهر البنت وقد يجعله إلى أدنى مستوى لكن هناك مهرا آخر يقدم للزوجة وهو نفقات كثيرة يعجز عن تحملها الخاطب المسكين، ولو كان الأمر يقتصر على الأشياء الضرورية لقلنا حسنا ولكن المشكلة هي في الأمور التافهة وما فيها من لهو محرم ومنها هدايا الخطبة والشبكة وهدايا المواسم والمناسبات وحفلة العرس وهدايا الحفلات والمهنئين والإسراف في شراء الأقمشة والذهب والجواهر والمبالغة في الصبحية، ونفقات بيت الزوجية وغير ذلك فلا يجد الخاطب من أهل الزوجة إلا كلمة (هات) حتى يصل معهم إلى الاشتراط عليه لإحضار بعض الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان مثل: لابد من أن يكون فستان الزواج أبيض ومثل عربة الملكة وعلب الحلوى وغير ذلك ثم يختمونها بإقامة الحفلات في أرقى الأماكن وقد يصاحبها ارتكاب المعاصي من اختلاط وغيره، والسؤال هو: لماذا كل هذه التكاليف وما المقصود منها؟ هل

المقصود هو إرضاء الناس؟
فأولاً: العمل من أجل الناس هو رياء، والرياء معروف حكمه في الإسلام، ثانياً: الناس لن يرضوا مهما حصل ولابد من أن يبحثوا عن العيوب بل وقد يختلقونها لأنه ثبت أن الناس لا يعجبهم شيء أبدًا أما إذا كان القصد هو إرضاء الله فالله يكره هذا الإسراف وهذا البذخ؛ لأنه يقول: “ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” (الأنعام 141)، ويقول: “ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا” ( الإسراء 26 - 27).

فماذا يفعل الشاب المسكين صاحب الدخل المحدود والراتب المقطوع، ولم هذا كله؟ فماذا سيفعل، هل يتجه إلى الحرام فنكون قد ساهمنا في إفساده وإفساد بنات المسلمين، فلم لم نسهل له الحلال؟ إن الإسلام لم يشرع في نفقات العقد والزفاف سوى المهر للمرأة والوليمة لحفلة العرس وإكرام الضيف بما يناسب الحال، أما ما عداها من الهدايا والنفقات فهي ليست فرضا واجبًا وليست من شروط العقد والنكاح في شيء أبدا”.


نتائج سلبية
من جهته أوضح الدكتور في علم النفس والاجتماع محمد سالم بعض الآثار الاجتماعية التي يولدها ارتفاع المهر وتكاليف الزواج بالقول: “يُعد الزواج في المجتمع عملية اجتماعية حيوية بنائية هامة لاستمرار النسل وبقائه، ويعتبر المهر أحد الأركان الأساسية لعملية الزواج ومفهومه اللغوي (صداق المرأة) أي حق مالي للمرأة على الرجل الذي يتزوجها بعقد زواج صحيح وليس لأبيها ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئاً من مهرها إلا بإذنها ورضاها، قال تعالى: “وآتوا النساء صدُقاتهن نحلة”، والمهر يطيب نفس المرأة وهو دليل على الحب والصدق والرغبة والتعاون والمشاركة في الحياة الزوجية، ولكن ما نلاحظه في أيامنا هذه ارتفاع قيمة المهور وتكاليف الزواج فلا يتوقف الأمر فقط على القيمة المالية لهذا المهر بل يتعداها من مظاهر فاخرة وتكاليف زائدة ترهق الشاب المتقدم للزواج وأهله”.

وحدد سالم في تصريحه لـ “الأيام” الكثير من النتائج السلبية المرتبطة بارتفاع تكاليف الزواج بشكل عام وغلاء المهور منها: “ازدياد المشكلات الاجتماعية ضمن الأسرة بين الأب وأبنائه الراغبين بالزواج والمتكلين على الأب في تأمين التكاليف، وانصراف الشباب عن الزواج إزاء تعنت الأهل وارتفاع تكاليف الزواج وعدم قدرة الشاب على تدبير شئونه بنفسه، تخلخل النسيج الاجتماعي بسبب ازدياد مظاهر السرقة والنصب والاحتيال بين بعض الراغبين بالزواج لتأمين مستقبلهم، كساد سوق الزواج أدى الى انتشار الفواحش والزنا والأمراض النفسية والعصبية وحالات الشذوذ الجنسي، والعنوسة المزمنة المتمثلة في كثرة عدد العوانس في البيوت لها آثار اجتماعية خطيرة قد تؤدي لفكرة الانتحار بسبب حرمان الأنثى من حياة الأمومة كتربية الأطفال وتنشئة المنزل والاستقرار مع الزوج والتفكير بالمستقبل، كما أن عدم ارتباط الشاب بالزواج يؤدي لميله لحياة اللهو وغير المبالاة والسعي وراء الملذات الشخصية وقد تسوقه للانحراف”.

مكتب لخدمات الزواج
سوق رائج لخدمات الزواج، ذلك ما نستشفه من حديث مدير مكتب لخدمات الزواج محمد علي، والذي يقول: “منذ افتتاح المكتب قبل حوالي سبعة أعوام انهالت طلبات المتقدمين للزواج من الشباب والفتيات حيث بلغ إجمالي المتقدمين من الشباب ما يقارب (100) والفتيات (400) فتاة؛ بسبب المغالاة في المهور وارتفاع تكاليف الزواج”.
وأضاف في حديثه لـ “الأيام”: “نحن نقدم خدمة إنسانية واجتماعية لجمع رأسين بالحلال وكذا المساهمة في إصلاح ذات البين.. وهناك أسر يوجد فيها من أربع إلى خمس بنات وبحاجة إلى زواج، وحالياً تركيبة الإناث المسجلة لدى مكتبه هي: بنات في سن الزواج من 18 - 25 عاماً بسبة 30 %، عانسات من 30 - 40 عاماً بنسبة 30 %، والمطلقات بسنبة 30 بالمائة، وهناك تأثير كبير في العنوسة على بعضهن فمثلاً هناك حالة موظفة عمرها (40 عاماً) تملك المال ولكنها لا تملك الزوج، وأخرى بعمر (42 عاماً) تعيش في بيت والدها وبعد أن توفي أضحت تعيش مع زوجات إخوانها وهو ما يعرضها للمضايقات وغيره وقد مللت بسبب هذه المعاملة من الحياة وتريد الزواج، وهناك أيضاً حالات مماثلة لشباب تزيد أعمارهم عن (45 عاماً) أصيبوا بعقدة من الزواج لتأخرهم عنه نتيجة للظروف مالية”.

وأوضح علي عن وجود بدائل لتغطية التكاليف ومنها “إنشاء فرق من الأهل والجيران لتغطية نفقات الزواج الطرح أو المساعدة، تخفيض المهور والتكاليف، القناعة، زواج جماعي أسري، زواج جماعي عبر الجمعيات، التبني، مشروع الزواج الثاني وهو مفيد دينياً واقتصادياً وإن كان مشروعا لم يتم استيعابه في المجتمع”.”.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى