رجال في ذاكرة التاريخ.. 1- فريد محمد بركات.. عقود من الإبداع خرج منها خالي الوفاض 2- زكي محمد بركات.. أدب.. شعر.. سياسة.. خرج منها شهيداً

> نجيب محمد يابلي

> الرقم 3 في أسرة بركات
عرف الوسط الاجتماعي أسرة بركات من خلال بيتين في حافة الأصنج في الشيخ عثمان: بيت محسن بركات وأولاده عبده ومحمد وعلوي، 2- بيت أحمد بركات وأولاده محمد وعلوي وعيدروس وابنة واحدة متزوجة من محسن بركات.

محمد أحمد بركات عرفه الوسط الاجتماعي والثقافي والإعلامي، وكان - رحمه الله - كاتبا مرموقاً في الصحافة المحلية باللغتين العربية والإنجليزية، ويتكرر الرقم "3" بإنجابه زكي وفريد ونجاة، ويتكرر مرة أخرى بعمالقة اللغة الإنجليزية في الإعلام، وهم: 1 - محمد علي باشراحيل رئيس تحرير الـ "Recorder"، ومحمد علي لقمان رئيس تحرير "Aden Chronicle"، ومحمد أحمد بركات المسؤول عن نشرة وكالة "رويتر"، ويحسب لبركات بصماته في إعداد الخطاب التاريخي الذي ألقاه رائد النهضة محمد علي لقمان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

القائل بركات.. السامع علي ناصر.. الشارح مخشف
في إحدى زياراته لجدة، الميناء السعودي، كان المستقبلون في صفوف، وكل واحد يعرف نفسه للرئيس علي ناصر محمد، وعندما صافح بركات الرئيس علي ناصر عرف نفسه: "أنا من أودعت لدنك صورتي وصوتي"، ولم يفهمها الرئيس ناصر، وهنا تدخل الزميل محمد مخشف وأوضح: :"الأستاذ يقصد أن صورته هي نجله زكي بركات، وصوته فريد بركات"، وهي حقيقة نعرفها نحن سكان حافة الأصنج.

الأستاذ محمد أحمد بركات تفرغ بعد ذلك لإصدار نشرة عن وكالة أنباء الجنوب العربي، وكانت النشرة نصيرة للملكيين، وكان رحمه الله ليبراليا في سلوكه وتناولاته، وأثبتت التجربة صدقية طروحاته لأن التورية هي التي أضاعت البلاد والعباد حتى يومنا هذا.

مارس محمد بركات نشاطه الإعلامي عبر الصحف ووكالات الأنباء وخاصة الأجنبية، وأصدر في منفاه الاختياري جدة مجلة "نوافذ" الفكرية والسياسية حتى وفاته هناك.

1 - فريد محمد بركات
الميلاد والنشأة
فريد محمد أحمد بركات، ثاني أنجال محمد بركات، من مواليد المكلا عام 1946م، ونشأ في كنف والدته الميسورة الحال، وكنت ترى ذلك في مستوى معيشة فريد بركات ومشترواته، ودرس مرحلتي الابتدائية والمتوسطة في المكلا، وغادرها بعد ذلك إلى عدن عام 1961م، والتحق بثانوية خورمكسر، ويفيد أ. أبوبكر قرشي (شقيق الراحلين د. عبدالله علي قرشي، ود. أحمد علي قرشي): "زاملت فريد بركات في سنة أولى ثانوي، وبعد شهرين، وبحكم تقدمه علينا بسنوات، صعد إلى ثانية ثانوي مع محمد باناجه، وبعد عام غادر عدن إلى قاهرة المعز، وأكمل الثانوية والتحق بجامعة القاهرة مع نصر ناصر، وفاروق ناصر، وأحمد علي قرشي، وفضل حسن، وعفيف السيد عبدالله، وأحمد عمر حيد، ومحمد سعيد ملهي، وعبدالله علي محمد سعد، ورحم الله الموتى منهم وأطال أعمار بقيتهم.

فريد بركات وبريق أبي القاسم الشابي
عاد فريد بركات من القاهرة عام 1968م مع كوكبة لامعة من الخريجين سبق وإن ذكرناها، ومارس الكتابة والشعر والوظيفة، ودخل سريعا دائرة الضوء كما دخلها من قبله أبو القاسم الشابي، حيث شغل عدداً من الوظائف القيادية في مرفقي الإعلام والثقافة.

فريد بركات كان أول رئيس تحرير لمجلة الثقافة الجديدة التي تأسست عام 1970م، ثم وكيلاً لوزارة الثقافة، فنائباً لوزير الثقافة، فمديراً عاماً لتلفزيون عدن، فنائبا لرئيس لجنة الدولة للإعلام لشؤون الإذاعة والتلفزيون واختتم، مشواره العملي مع السلطة في اليمن الديمقراطية عام 1986م، وكان رئيساً لتحرير مجلة "قضايا العصر"، خيمت على عدن ظلال سوداء قاتمة سببتها أحداث 13 يناير 1986م، وحوكم فريد بركات مع عشرات وعشرات، وكان نصيبه ميسراً على عكس آخرين؛ حيث قضى في السجن عامين ونصف العام، وظل ملازما لبيته حتى قيام دولة الوحدة الموتورة.

فريد بركات غارق في الكتابة والكتب والدواء
عرفتُ فريد بركات منذ العام 1961م بعد قدومه من المكلا ليقيم في بيت الأسرة في حافة الأصنج (A/3) في الشيخ عثمان، وكانت الجدة كريمة (جدتهم لأبيهم) هي كبيرة الأسرة وترعى الجميع (زكي + فريد + نجاة)، وكان لها موارد ثابتة من أولادها الثلاثة، محمد الصحفي المشهور + علوي (المحاسب العام لعدن "Accountant General" (الخزانة العامة المعروفة قبل الاستقلال Treasury) أرقى نظام محاسبي في عموم الجزيرة والخليج ولا ينظر لها حتى اليوم + عيدروس، كادر قيادي في مكتب رئيس الوزراء.

فريد عاش في مناخ ثقافي فعن يمينه والده محمد بركات، وعن شماله شقيقه الأكبر زكي بركات، والكل مشهود لهم بالقراءة والكتابة والخط الأنيق.. ارتبط فريد بالكتابة في الصحف والمجلات المحلية والعربية إلى مدن، وكنا لا نرى فريد بركات إلا حاملاً كتابا أو مجلة أو صحيفة ودواء، وكان رحمه الله صاحب رقم قياسي في شراء الصحف والمجلات والكتاب والدواء، كان فريد بركات حساساً إلى حد الوسوسة، فإذا عطس بالقرب منهم غادر المكان إلى أقرب صيدلية لشراء دواء يحتاط به لمواجهة الموقف الناجم عن العطسة، وفي اعتقادي أن مكتبة فريد بركات بالغة الضخامة.

فريد بركات ونكبة الوحدة والمرض والموت
المفارقات العجيبة تسود حياة الإنسان العربي، وفي مقدمتهم أديبنا وشاعرنا وحبيبنا فريد بركات، فقد عانى الرجل تقلبات الأحداث منذ أحداث يناير 1986 رابط في بيته، وبعد حرب صيف 1994م رابط في بيته، وقاوم أمراضه لربع قرن، فبعد الوحدة النكبة عيّن وكيلاً لوزارة الثقافة والسياسة، وبعد سقوط الجنوب سقطت الوحدة يوم السابع من يوليو 1994م، وأخرجت شهادة وفاتها في هذا اليوم، والذي شهد أيضا مرابطة فريد بركات في بيته، ونشط في ظهوره في المجتمع وخاصة في المنتديات: منتدى "الأيام"، ومنتدى بدر ناجي.. وغيرهما، نشط في الحضور الثقافي والإبداعي.

رفد فريد بركات مخزون الأغنية المحلية بعدد من الكلمات الغنائية العذبة منها: "اشتقت لك أشتي أشوفك" لأحمد قاسم، و "صبوحة خطبها نصيب" للمجموعة، و "حمام الشوق" وغناها أحمد قاسم مع فتحية الصغيرة.
يحتفظ بمخطوطات (9) دواوين تنتظر من يخرجها إلى المطبعة مع كل أعماله في الصحف والمجلات، وهي كثيرة.

فريد بركات في مواجهة كوكتيل أمراض
عانى فريد بركات واقعاً سياسيا وصحياً مريراً، فقد كابد أمراضا عدة؛ منها السكر، والمعدة، والقلب، وكابدها وهو في الظل حتى وفاته يوم السبت، 18 مايو 2019م، عن 73 عاماً، وخلق وراءه إرثا نثرياً وشعرياً كبيراً ومحيطاً من المحبين، وأربعة أولاد، الذكور منهم واحد وهو "نورس" جعله الله خير خلف لخير سلف.

فريد بركات وكوكبة الأوفياء
فور وفاة حبيبنا فريد بركات سارع عدد من الأوفياء بالكتابة عنه، وفي مقدمتهم الرئيس الوفي علي ناصر محمد، بكتابة موضوعه الموسوم "مات شاعر صبوحة خطبها صيب"، و د. ياسين سعيد نعمان ود. علي عبدالكريم "في رثاء الفرادة والحداثة.. الراحل فريد بركات"، وعبدالباري طاهر "فريد المعرفة والنبل"، وأحمد عمر حسين "لك الرحمة والسكينة أيها المفكر والأديب المترفع".

كما تلقت الأسرة المواساة بالبرقيات أو الحضور، وفي مقدمتهم فخامة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، ودولة رئيس الوزراء د. معين عبدالملك، واللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي، وفضل محمد الجعدي الأمين العام المساعد عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي.. والقائمة طويلة.

2 - زكي محمد بركات
الولادة والنشأة
زكي محمد أحمد بركات من مواليد الشيخ عثمان - عدن، في بيت أسرة بركات في حافة الأصنج، في كنف جدته لأبيه "كريمة"، وسبق ذكرها في سيرة شقيقه الأصغر فريد، وشقيقاته الصغرى نجاة، وعشنا في حافة واحدة، وكان زكي مع أقرانه في السن من أبناء الشيخ عثمان: طه أحمد غانم، علي محمد الأسود، أحمد محمد قعطبي (أبو لؤي)، محمود عبدالله عراسي (أبوعبدالله)، عبدالله شرف سعيد، وحسن أحمد عون.

تلقى زكي بركات دراسته مع أقرانه الذين سبق ذكرهم، والتحق في سلك التعليم مدرساً في المدرسة الابتدائية الغربية في الشيخ عثمان، ثم غادر بعد ذلك إلى العراق، والتحق بجامعة بغداد، وحصل منها على البكالوريوس في اللغة العربية، أما الماجستير فقد حصل عليها من القاهرة، وكانت أطروحتها عن الأدب اليمني المعاصر، ومحورها الشاعر محمد محمود الزبيري.

زكي بركات في الاتحاد والشعوب الديمقراطي
التحق زكي بركات بحزب الاتحاد العشب الديمقراطي، ومقره في شارع القاضي بكريتر، وكان أمينه العام الراحل الكبير عبدالله عبدالرزاق باذيب، ومن أعضائه البارزين: علي عبدالرزاق باذيب، وأحمد سعيد باخبيرة، وصالح حسن محمد، وشيخ سميح محمد، وأبوبكر عبدالرزاق باذيب، وأحمد إبراهيم أبكر، ومحمود نجاشي، وحسن أحمد السلامي.

زكي بركات في التنظيم السياسي الموحد
عقد المؤتمر التوحيدي للفصائل الثلاث: التنظيم السياسي الجبهة القومية، وحزب الطليعة الشعبية، واتحاد الشعبي الديمقراطي، في الفترة بين 11 و13 أكتوبر 1975، وكان زكي بركات مع من ذكرنا من أعضاء حزبه أعضاء في اللجنة المركزية للتنظيم الموحد، كما أصبح زكي بركات عضو اللجنة المركزية في المؤتمر التأسيسي للحزب الاشتراكي اليمني YSP في أكتوبر 1978م، وذابت الجبهة القومية (حركة القوميين العرب عكست تأثيرها على قيام الجبهة القومية)، وحزب الطليعة الشعبية (الذي انسلخ من حزب البعث العربي الاشتراكي)، واتحاد الشعب الديمقراطي (الماركسي الاتجاه) داخل الحزب الاشتراكي اليمني.

زكي بركات ومشوار خصب مع الصحيفة والكتاب
نشط زكي بركات نثراً وشعراً، ونشرت له الصحف والمجلات المحلية والعربية عشرات المقالات والقصائد، ونشر له كتاب "في سبيل الوعي العلمي" عام 1980م، من إحدى دور النشر في بيروت، ونشر له كتاب سبق وأن تطرقنا له وكان موضوع رسالته لنيل درجة الماجستير من القاهرة، وديوان "آخر المطاف" ومن قصائده: "آخر المطاف"، و "الرمز والتابوت"، و "ليست هذه آخر الكلمات".

الشهيد زكي بركات
نشرت "الأيام" موضوع "كم زكي سوف ننسى؟ كم زكي سوف نذكر؟ كم عدن سوف نبكي"، وكاتبه د. مسعود عمشوش، في عددها الصادر يوم 8 مايو 2005م، وردت فيه عدة إفادات بأن زكي بركات تمسك بمبدئي الصدق والصراحة، وأن كتاباته تناولت الأوضاع الاجتماعية والسياسية بعين فاحصة وناقدة، بأسلوب قوي ورصين سعى من خلاله إلى فضح الاتجاهات الفئوية والتآمرية، وبوضوح مبدئي لا يهادن.
وفي نهاية موضوعه أورد عمشوش مقطعا من مقال كتبه سعدي يوسف، صديق زكي بركات في لندن بتاريخ 24 يونيو 2004م، وعنوان الموضوع "كم عدن سوف ننسى؟"، أورد سعدي يوسف مناظر موحشة من أحداث 13 يناير 1986 وأنهاه: "ظل الجبل البركاني يتفجر، كم زكي سوف ننسى؟ كم زكي سوف نذكر؟ كم عدن سوف نبكي؟".

ماذا نحن فاعلون لأعمال البركاتيين زكي وفريد؟
رحل فريد بركات في مايو 2019م، ورحل شقيقة الأكبر زكي بركات في مارس 1986م، وخلفا وراءهما أعمالاً نثرية وشعرية بديعة، إما منشورة في صحف ومجلات أو لا تزال مخطوطة، فإذا أحلناها إلى المطبعة نكون بذلك قد أعدنا الاعتبار لهما عامة، ولعدن خاصة، وسندخل التاريخ بعد ذلك من أوسع أبوابه.
فهل نحن فاعلون أم سنظل على غينا؟!.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى