قصة قصيدة «عدن العنقاء» للراحل فريد بركات

> الفنان نجيب سعيد ثابت

>
نجيب سعيد ثابت
نجيب سعيد ثابت
فريد بركات، الأديب والشاعر الكبير، الذي غنى كبار فنانينا من أشعاره، منذ أوائل الستينات، وحتى التسعينات، على رأسهم الفنانون الكبار أحمد قاسم، محمد مرشد ناجي، سالم بامهدف، محمد عبده زيدي.
جمعتني به جلسات جميلة في معهد الفنون الجميلة بمكتب مدير المعهد وعازف العود العالمي جميل غان، الذي غنيت من ألحانه أول أغنيتين لي في إذاعة وتلفزيون عدن عام 74م، واشتهرت هاتان الأغنيتان شهرة واسعة في تلك الفترة، وهما:
«خصامك زاد» من كلمات أحمد الجابري، و«كلام أحلى من السكر»، الأولى من كلمات المذيع والشاعر عبد الرحمن ثابت.

كان أديبنا وشاعرنا الكبير فريد بركات له زيارات كثيرة لمكتب جميل غانم، وكنت سعيد الحظ حين كنت أتواجد مع هاتين الشخصيتين الكبيرتين. وكنت في أغلب الأحيان أغني بعض ألحان جميل غانم، ومنها «خصامك زاد»، وبعض من أغاني الفنان الكبير إسكندر ثابت، يرحمه الله، وكان الحظ أن الأستاذ فريد ينصت إلى أدائي بإعجاب، وكنت أحس بذلك، وسأظل أحمل ذكريات هذه الجلسات الحميمة ما حييت ولن أنساها أبدا.

ذات يوم من عام 77م أو 78م، كما أعتقد، بعد سهرة كانت في منزل الأستاذ جميل غانم بحافون في المعلا، وبعد اﻻنتهاء من السهرة أخبرني الأستاذ فريد بأنه سيتوجه في طريقه إلى المنصورة وسيأخذني معه إن لم يكن لدي مانع، وبالطبع سعدت جدا لدعوته لي لمرافقته، وقلت في نفسي إنني سأرافقه وانتهزتها فرصة لأستمع إلى حديثه الجميل، ونصائحه المتوقعة ربما لفنان حديث العهد مثلي.

وفي الطريق البحري شغل الشاعر فريد بركات أغنية «اشتقت لك»، وأخبرني أنها أغنية جديدة من كلماته، ولم تذع من قِبل، وأرسلها له الموسيقار أحمد قاسم من مصر، ومن يومها أعجبت بهذه الأغنية التي كان لي شرف سماعها قبل أن تذاع من إذاعة وتلفزيون عدن آنذاك، ولقد كنت في تلك اللحظات وأنا مع قامة كبيرة مثل فريد بركات، أشعر بسعادة كبيرة، حيث تبادلنا الحديث عن جمال لحن وأداء أغنية «اشتقت لك» لأحمد قاسم، وعن أمور كثيرة تتعلق بالفن والفنانين.

«كتابة أغنية لي»
أذكر أن فريد بركات كان قد وعدني بكتابة كلمات أغنية مهداة منه للأستاذ جميل غانم، ليقوم بتلحينها وأتشرف أنا بغنائها، غير أن ذلك لم يحدث مع الأسف، ولم تساعد الظروف لميلاد هذه الأغنية، خاصة بعد تقديم جميل غانم استقالته من عمله كمدير عام لمعهد الفنون الجميلة في عام 78م، حيث سافر بعدها إلى دولة الإمارات، منتدبا من قِبل وزارة الثقافة والإعلام بعدن، خلال الفترة من عام 80 حتى 85 بطلب من وزير الإعلام والثقافة الإماراتيين للاستفادة من خبراته بمجال الموسيقى.

تطورت هذه العلاقة مع الأستاذ فريد بركات بجلساتنا بمعية شعراء وأدباء وكتاب، منهم القرشي عبدالرحيم سلام، وعبد الرحمن إبراهيم، وسعيد عولقي، وحسين السيد.. وغيرهم.
وتعمقت علاقتي بالأستاذ فريد بركات بعد تعيينه عام 90م وكيلا لفرع وزارة الثقافة بعدن، وبدرجة وزير، بعد الوحدة، حيث كنت أحد الكوادر المرتبطة به، لأني كنت مسئولا عن إدارة الفرقة الموسيقية والإنشاد التي كانت تحت إدارة مدير عام إدارة الثقافة بعدن، حسين محمد حسين، ومن بعده جاء محمد الشامي، وكنت في أغلب الأوقات أشاركه مكتبه، وخاصة عند التحضير للاحتفالات والفعاليات الفنية التي كانت تقام حينذاك.

إن الفترة التي تولى فيها الأستاذ فريد بركات، مسؤولية إدارة مكتب فرع وزارة الثقافة بعدن، كانت هي الأفضل ولم يأتي أحد بعده وإلى اليوم لملء الفراغ الذي تركه، وذلك لما تميز به من مستوى وإمكانيات ثقافية وأدبية، ومقدرة وخبرة عملية وإدارية بمجال الثقافة، وتأتي النوازل بعد ذلك بإعلان الحرب على مدينة عدن عام 94م، ومن هنا بدأ العد التنازلي لهذه المدينة بعد أن كانت منارا للثقافة والفن في كل الجزيرة العربية، وذرة المدن، أصبحت عرة المدن وإلى يومنا هذا عدن وناسها يعانون المزيد من القهر الإنساني والدمار الثقافي والتراجع الفني والمهني وفي كافة المناحي والاتجاهات.

قصيدة العنقاء عدن
بعد الحرب على عدن عام 94م كتب فريد بركات قصيدة عدن العنقاء، وتم نشرها في بعض الصحف حتى وصلت إلى أعلى قمة في هرم الدولة، وحورب صاحبها كثيرا لمواقفه في عدم الرضوخ للضغوطات، من كبار المتنفذين في رأس الدولة، ولم يستسلم أو يلين وظل شامخا معتدا بنفسه وشخصيته، هكذا عهدنا وعرفنا هذا الإنسان أوﻻ، ثم الفنان والشاعر المبدع الصلب.. وقضى يرحمه الله، وهو رافعا رأسه في عنان السماء.

سأذكر لكم كيف وصلت إلى يدي قصيدة العنقاء التي كتبها أفريد بركات وقمت بتلحينها وغنائها قبل الحرب التي شنت ظلما، على عدن. هذه القصيدة كانت مهداة للفنان الكبير أبو علي المرشدي من قِبل شاعرنا بركات.. وفي يوم من الأيام وقد كنا في منتدى «اليابلي» في جلسة قات قبل وفاة أبو علي، يرحمه الله، بسنوات سلمني أبو علي مخطوطة بخط فريد بركات وهي قصيدة مهداة للمرشدي هذه المخطوطة لا زلت محتفظا بها ومحافظا عليها إلى يومنا هذا؛ بل وأعتبرها مخطوطة هامة جدا.. وهي قصيدة العنقاء ويقصد بها مدينته عدن.

وبعد قراءتي للقصيدة أخبرت أبو علي تلفونيا وقلت له: القصيدة مهداة لك حبيبي يأبا علي، وبخط الأستاذ فريد. رد عليّ: أنا اخترتك تلحنها، وأنت جدير بتلحينها، وأنا متأكد أنك ستبدع باللحن لأني أعرف أنك تحب القصائد وتحب عدن..
هذه الكلمات قالها لي بالنص أبو علي واعتبرتها نشانا على صدري من قامة كبيرة مثل أستاذنا المرشدي.. وأكد لي أنه نسق ذلك مع الأستاذ فريد ولم يمانع.

شعرت بإطراء من حبيبي وأبي الروحي المرشدي على موقفه هذا تجاهي والثقة الكبيرة التي أولاني إياها، وكنت سعيدا جدا بذلك..
لم أتواصل مع الأستاذ فريد إلا بعد أن أكملت تلحين القصيدة عدن العنقاء.. وحين أكملت تلحينها اتصلت على الأستاذ فريد تلفونيا وأخبرته بأنني أريد إسماعه لحن أغنية عدن العنقاء، وبعد ذلك بحثنا مع بعض كيفية إرسالها له، أي إرسال تسجيل اللحن، ثم أعطاني رقمه بالواتساب وأرسلتها له.

بعد أيام بعث لي رسالة إس إم إس، وكان ممنونا من اللحن والأداء، بشكل ما كنت أتوقعه منه بهذه الحماسة والإعجاب الكبيرين، وكنت سعيدا بكلماته التي أطرى بها شخصي وباللحن والأداء، وأردف في نهاية كلمات الرسالة أنه كان متوقعا أنني سأكون جديرا بها.
ويؤكد كلامي أن عائلته أم (ابنته) تعرف إعجابه باللحن والأداء، حتى لا أكون قد بالغت بذلك، ومن بعض المقربين من أستاذنا فريد بركات.

تسجيل أغنية العنقاء
ثم سجلتها بالعود فقط في أستيديو بيت الفن للأستاذ الفنان فؤاد شرحبي، وهو قد طبع لي مشكورا مجموعة سيديهات على حسابه، ووزعتها على شخصيات مهمة كثيرة، وأرسلت بدوري للأستاذ فريد بركات مجموعة لا باس بها لكي يقوم بتوزيعها لأصدقائه.
كما أنني قمت بإنزالها في اليوتيوب في بداية المناوشات والتحرشات بعدن وأهلها من قِبل عصابات صنعاء، الذي كان متزامنا مع جلسات أيام مؤتمر الحوار وإلى بعد المؤتمر.

تحقيق الحلم
تعرفوا؟! لقد تحقق حلمي الذي كنت أحلم به منذ بداية الثمانينات، بأن ألحن وأغني من كلمات شاعر كبير مثل فريد بركات، وفعلا تحقق حلمي، وكم أنا فخور بأنني قمت بالتلحين لشاعر كبير مثل فريد بركات، وكان الفضل يعود إلى أبي الروحي الموسيقار محمد مرشد ناجي.
أدعو الله أن يسكنك الجنة شاعرنا وحبيبنا أ. فريد بركات وأن يلهم أسرتك الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى