الفنان بدوي الزبير.. الرحيل إلى القلوب

> فؤاد باضاوي

> حلق في فضاءات الإبداع طيفا ونسيما باردا هب من مدينة التجارة العالية شبام حضرموت، فوضع بصمة لن تمحيها السنين من ميادين الأصالة والطرب الأصيل في مختلف ألوان الغناء اليمني والدان الحضرمي خاصة، وكان وما زال فارساً رهانه الرابح..
بكته القلوب قبل العيون يوم رحيله في العام 2004م.. إنه الفنان أحمد يسلم زبير الشهير باسم «بدوي الزبير» الذي شنف الآذان وخفقت له القلوب، وتفرد فنانا وشاعرا وملحنا ومهندسا ونجارا.. أجاد رقصة الزربادي صعبة المراس، أجاد العزف على آلتي الكمان والناي إلى جانب تميزه في العزف على آلة العود، فكانت أغنياته التي كتب كلماتها خالدة في قاموس الغناء ومنها أغنيات: «أهوال»، «من يعلم اليوم سري»، «وداعا يا سماوات المحبة»، و «كفى يا دهر».. وغيرها كثير.

لحن لفارس الكلمة الحبيب الراحل حسين المحضار، كثير من الأغنيات بينها: «ليلة معك في تريم»، «لأجلك أنت عشقت الغيل» و «خطفت قلبي لأنك ما تخاف»، كما تفنن في أداء أغنيات شاعر الدان الراحل حداد بن حسن الكاف، وأبدع في أغنيات ثنائي الوادي الشاعر الراحل عبد القادر الكاف، وملحن الروائع المبدع الممتع حسن باحشوان.. فكان تكامل الثلاثي الكبير في أجود أغنياته، أطلقوا عليه عدة ألقاب منها جوهرة الطرب، راعي المحبة ومطرب الأجيال.

تسارعت خطوات حياته فكان نسيما دائم الأسفار بين مختلف مدن حضرموت ودول الخليج وليبيا والولايات المتحدة الأمريكية ينثر رحيق عبيره هنا وهناك.. تسمعه وهو يتعملق في أداء أغنية «يشوقني برق»، كأنه عصفور يغرد بين أغصان الشجر، ويأتي غناء الدان الحضرمي عنده في المقام الأول، وكان أفضل من يغني أغاني الدان ويجيد تفاصيلها.. اعتبر أنموذجا للفنان والمطرب الحقيقي وحالة خاصة مرت على تاريخ الطرب والأصالة الحضرمية، وستنتظر حضرموت طويلا لتنجب (بدوي زبير) آخر لأن أبوصالح فنان بمواصفات خاصة وخاصة جدا.

ما زال عشاق الطرب إلى اليوم يتحسرون على رحيل هذا الموهوب الذي قالها: «وداعا يا سماوات المحبة وداعا.. بعد نكران الأحبة وداعا».. ودعنا مسرعا كما أتانا مسرعا، فلم نرتوي بعد من نهر إبداعه الكبير، ولم يكمل ذائقتنا الفنية بعد وأهوال تأتيك من حيث لا تدري.. رسم للدان الحضرمي خطا بيانيا جديد ومنحه كامل اهتمامه، وأظهر ألحانا انتثرت في الساحة الفنية وغناها مجددا بصوته العذب وأدائه المميز وروحه المرحة.. ينتزع الآهات من بين الضلوع وهو يتسلق سلم الموسيقى بتروي ونغمات متناسقة تقشعر لها الأبدان، وآه ما أجملك وأروعك أيها الفارس الخالد في القلوب!

أبوصالح كان مبدعا بمواصفات إنسانية نفتقدها في هذا الزمان الرديء.. بسط نفوذه على الساحة الفنية بموهبته الكبيرة، فكان سفيرا فوق العادة للوادي ولمدينته وموطن عشقه وكنانه شبام العالية المدينة الجميلة.. وكان صوته يصدح عاليا فوق ناطحات السحاب الحضرمية، فيتردد صداه في ربوع الوادي الخصيب ليحرك الوجدان والأشجان، ويتغلغل داخل الروح يزلزل المشاعر ليعلن عن صاحبه أنه ابن الزبير بدوي المتعة والأنغام الساحرة، رجل الإنسانية والمقام العالي، راعي المحبة والألحان البديعة الخالدة.

رحل بدوي ورحلت معه الأنغام الجميلة.. رحل جوهرة الطرب عن دنيانا ولم ترحل إبداعاته التي خلدتها الذاكرة للأجيال القادمة لتستمتع بكل جميل صنعه وصبغه في قلوب عشاقه ومحبيه في حضرموت وخارجها.
سنذكرك ونتذكرك كثيرا وطويلا، وسنظل نردد على الدوام روائعك ونستمع لصوتك كلما اشتقنا للطرب الأصيل والصوت الجميل، ونتحسر على زمن مضى كنت فيه التاج والصولجان وراعي المحبة والوفاء والأصالة.. تغشاك رحمة رب العرش العظيم وغفرانه يا حبيب كل القلوب.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى