ميناء عدن.. هل هناك ضوء في نهاية النفق؟

>
د. مروان عبدالمولى
د. مروان عبدالمولى
الممرات والموانئ البحرية الإستراتيجية للدول الصغيرة والنامية دائماً ما تسيل لعاب الدول الصديقة والحلفاء الإقليميين والدوليين، وفي منطقتنا العربية هناك تقسيم إقليمي واضح في سوق تحالفات الموانئ، ويمكن القول إن موانئ بعض دول المنطقة تطورت تاريخياً من الصفر وتعتمد بشكل رئيسي على الموقع الجغرافي لميناء معين كثفت فيه حجم الاستثمارات، وطورت بنيته التحتية وحدّثت شبكته الإلكترونية وآليات الحركة والنقل، وبفضل هذا التحديث استطاع هذا الميناء نقل الدولة من وضع الدول النامية إلى دولة متحضرة قوية اقتصادياً، لكن المؤسف أن بعض من هذه الدول لا تزال تنظر إلى ميناء عدن وموقعه الجغرافي الإستراتيجي كتهديد اقتصادي كبير لها وعلى حركة موانئها، ولهذا تخلق المعوقات بشكل واضح أمام حركة الميناء ذي الصيت العالمي. والسؤال هو إلى متى ستستمر هذه المعوقات في وجه نشاط وتحديث ميناء عدن ولصالح من؟ ولماذا يراد لميناء عدن أن يظل اسماً دون حركة؟

يتمتع الجنوب بموقع جغرافي بحري إستراتيجي مذهل مما يخلق ظروفاً موضوعية لجذب تدفقات كبيرة من الاستثمارات والبضائع عبر البحر، فضلاً عن إمكانيات موقع ميناء عدن الطبيعي لاستقبال السفن بمختلف الأحجام.. لكن يظل الجنوب الجزء الوحيد في المنطقة حتى بعد الوحدة الذي لم يتم فيه تحفيز قطاع الاستثمارات وبالذات في الموانئ، بالمقابل تعمل كل الدول الواقعة على البحر الأحمر والقرن الأفريقي في المنطقة المطلة على رأس مضيق باب المندب من الساحل الأفريقي وعُمان في بحر العرب وحتى الخليج العربي على تطوير وتحديث موانئها، لإدراك هذه الدول وإيمانها بأن سياسة التطوير والاستثمار في البنية التحتية للموانئ هي من أهم الطرق الآمنة والسريعة للتنمية الاقتصادية.

الجمهورية اليمنية دولة فاشلة في جذب الاستثمار بكل أشكاله، وبطيئة الحركة التطويرية في مجالات عدة إلا الحركة والاستثمار في الحروب والتخلف فهي في المركز الأول بلا منافس. في الجنوب قبل الوحدة كانت عجلة الاستثمارات الاقتصادية المفتوحة متوقفة منذ الاستقلال عن بريطانيا، مع أن الاستثمار في القطاع الجيوساحلي فقط كان كفيلاً بأن يجعل الجنوب مزدهراً وفي مصاف الدول المتقدمة ولكن ما العمل في دولة كانت تمنع قواعد نظام الاقتصاد الحر وتحد من معايير جذب الاستثمارات العامة وتفضل ميناء جبل حديد الصغير ومخازن الجبل على ميناء عدن الاقتصادي الكبير ومستودعاته الضخمة، حينها كان الجنوب ولا يزال يملك منافذ بحرية تتمتع بدرجة عالية من الربحية وذات أهمية إستراتيجية تحسدنا وتتقاتل عليها دول إقليمية وعظمى حتى يومنا هذا.

بعد الوحدة تم إيقاف الاستثمارات في الجنوب بشكل عام ودفن النشاط التجاري القليل المنظم الذي كانت تشرف عليه الدولة الجنوبية وانتقلت الاستثمارات إلى رحمة التجارة العشوائية والفوضى، كما طرحت فكرة الاستثمارات الجيوساحلية (قطاع الموانئ) من قبل عفاش وحاشيته ولكن بطريقة اللصوص وليس باسم الدولة، فباع ميناء عدن وأغلب المنافذ والموانئ البحرية وخاصة الجنوبية وتقاسم البقية مع المهربين وأبقى على ميناء الحديدة ذي % 70 من إيرادات الدولة تحت سيطرته بسبب نشاط الميناء الغامض مع قوى عظمى كشفتها الحرب الأخيرة في اليمن التي لازالت تتصارع عليه حتى الآن وتحمي وريث عفاش المتمثل بالحوثي من السقوط والهزيمة حتى لا تضيع من أيديهم الدجاجة التي تبيض ذهباً، المسماة بميناء الحديدة.

لا أحد يعلم ما هي إستراتيجية التحالف والشرعية من التأخير في فتح باب الاستثمار والتشغيل لميناء عدن "الراقد دائما"؟ ولماذا يتم ترتيب وتحديث موانئ تصدير النفط والغاز في رضوم وبلحاف ويهمل ميناء عدن؟ ولماذا لا تبدأ مناقشة الحاجة إلى تحديث البنية التحتية للموانئ كافة في الجنوب وبشكل متوازٍ وإمكانية توفير الحوافز للمستثمرين في بناء الموانئ وتشغيلها وتطويرها وباستخدام آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟.. إذ تتميز المشاريع الاستثمارية في البنى التحتية للموانئ كقاعدة عامة بنهضة تنموية مترابطة في قطاعات مختلفة مع الطرق والطاقة والشركات والفنادق والسياحة.. إلخ.

الاستثمارات الجيوساحلية في الموانئ البحرية للجنوب والشريط الساحلي من المهرة حتى باب المندب يجب أن تكون موضوع نقاش متكرر بين الخبراء والمسؤولين الجنوبيين وقطاع الأعمال لبحث العوامل التي تعيق التدفقات الاستثمارية والنقدية إلى هذا القطاع الإستراتيجي بالرغم من أن مناخ الاستثمار في الموانئ البحرية الجنوبية اليوم محفوف بالمخاطر، إلى حد ما، بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والحرب في الشمال، ومع ذلك لا تزال البنية التحتية للموانئ منطقة جاذبة للاستثمار.. وحالياً هناك شركات عالمية ترغب في الاستثمار في ميناء عدن.

قطاع الاستثمار في ميناء عدن في الوقت الحاضر يواجه عددا من "المعوقات المتعمدة" التي لا تسمح بالاستفادة الكاملة من تشغيله أو إنشاء مجال استثماري مريح فيه، فالميناء شبه مجمد وبحاجة إلى إصلاحات عاجلة في مجال التوسع والتجارة البحرية والعلاقات العقارية والتحديث التقني والإلكتروني، وتحسين النموذج التنظيمي لأداء الميناء من أجل نهضة مدينة عدن التي تمتلك ثالث موقع بحري على مستوى العالم، وتعيش يومنا هذا على المساعدات وإهمال متعمد للخدمات العامة وبسبب ذلك تحولت عدن إلى أكبر مكب مفتوح في العالم للنفايات تحاصرها المجاري من كل مكان، أما ميناؤها فمازالت تتقاسمه الفئران والغربان وثعابين الفساد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى