قصة قصيرة: حالة

> نجوى إسماعيل سيد

> إنَّها فعلة شَنْعاء، وجريمة لا تُغتَفر، حتَّى الفراش لا أستطيع إعفاءه من المسؤوليَّة.
 لَم يتكرَّر المشهد مرَّة، بل أكثر من مرَّة، حتَّى تعدَّد، ومع كثرة المرَّات، لا أستطيع أن أُحصِيَها، منظر الدّود وهو يتَقافز من خارج يده المَجْبورة، ورائحة عفونة تُزكِم أنوفَنا، وهو يتوسَّط الفصل، وزجر الأستاذ له بأن يبتعد بمقعده في مؤخرة الفصل؛ حتَّى لا تصل رائحةُ يده المتعفِّنة إليه.

 صورةٌ لا أستطيع تصوّرَها أو تصديقَ أنَّها قد تَحْدث في مدرسة بها ناظر، ومدير، ومُشْرِف، وأساتذة، ومختص اجتماعي، أو حتَّى تلاميذ يَبْكون من أجله!
وكيف كنت واحدًا مِن منهم؟
ما زلت كما أنا طِفْل في الصفِّ الخامس الابتدائي، وكأنَّه لَم يَمْض ثلاثون عامًا.
 نفس السّكون، ونفس السلبيَّة، وحالة من التسليم وعدم قدرة على التَّغيير، دائمًا هناك مَجْموعة من التبريرات، والغريب أنَّها -ورغم مُضيِّ السنين- لَم تتغيَّر، وإن اختلفَت الأشكال. (الأستاذ هيعمل حاجة)، (مامته هتوديه للدكتور)، (عمّه شافه ومش هيسكت).

المدرسة واسعة، في مدينة نائية تَجْمع فئاتٍ مختلفةً، وعلى الرغم من تبايُنِهم فهي تَجْمعهم.
وعندما يتكرَّر حضورُه، ويزداد الدّود، ويسقط اللَّحم الميت المتعفِّن على أرض الفصل، تأكَّدت أنه يتيم، وليس له أهل.
 لِمَاذا لَم آخُذْه إلى أبي طبيب هذه المدينة النائية؟
 سؤال يتردَّد داخلي الآن.
 الأستاذ هدَّده بأنَّه قد يموت، ويتسمَّم كلّ جسده إنْ ظلَّ على هذه الحال.

 ومِن ساعتها لَم أرَه في المدرسة، ولَم أُكلِّف نفسي عناء البحث عنه في أيِّ مكان، أو حتَّى تكوين مجموعةٍ من تلاميذ الفصل لزيارته والسؤال عنه.
 والآن أتساءل: كيف كنت بينهم؟
 والحقيقة أنِّي كنت واحدًا منهم، ولَم أختلف عنهم.

ورغم مضيِّ ثلاثين عامًا، ما زلت في الصَّف الخامس الابتدائي؛ نفس السّكون، ونفس السلبيَّة، وحالة من التَّسليم، وفيض ضَخْم من الحزن والشَّجن، ونفس التَّبْريرات، وإن اختلفَتْ صُوَرها.
 والقصة حدَثَت، وما زالت تَحْدث، وأنا واحد منهم.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى