السعودية وعقدة الجنوب

> بروس رايدل

>
شكّل استيلاء الجنوبيين على عدن الأسبوع الماضي هزيمةً نكراء للحملة السعودية لإعادة تنصيب الرئيس عبد ربه منصور هادي. فقد خسرت حكومة هادي العاصمة والميناء الأكبر في الجنوب، وتمّ القضاء على قبضته المتهلهلة أصلاً على الحكم. وتشكّل الهزيمة السعودية أيضاً نافذةً على تاريخ المملكة المعقّد مع الجنوبيين وحركة الاستقلال في عدن.

كانت عدن مستعمرة بريطانية مهمّة في القرن التاسع عشر على الطريق البحرية الأساسية من إنكلترا إلى الهند التي كانت أهمّ منطقة في الإمبراطورية البريطانية حتى العام 1947. وشكّلت عدن، في ذروتها، واحداً من الموانئ الأكثر ازدحاماً في العالم.
وفي العام 1968، طردت حركةٌ قومية عربية بقيادة الماركسيين وبدعم من الاتحاد السوفياتي البريطانيين خارج البلاد. فغدت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الدولة الشيوعية الوحيدة في العالم العربي. وضمّت هذه الجمهورية عدنَ أيضاً وإمارات جنوب اليمن السابقة التي حكمها البريطانيون بشكل غير مباشر كمحميات.

وبالنسبة إلى السعوديين، جسّدت عدن أسوأ كوابيسهم: دولة شيوعية عند حدودهم الجنوبية متحالفة مع الاتحاد السوفياتي وطوال عقدين، دعم السعوديون كلّ مخطّط ضدّ الجنوبيين مهما كان هذا المخطط جنونياً.
وفي العام 1989، كان أسامة بن لادن قد خرج لتوّه من انتصار المجاهدين في أفغانستان ضد الروس واقترح على القيادة السعودية أن يقود حملة جهاد لتحرير الجنوب من الشيوعيين. فرفض تركي بن فيصل، رئيس المخابرات السعودية، آنذاك، طلبه بلباقة بحجّة أنّ الجنوب في طور الانهيار من تلقاء نفسه.

وفي العام 1990، اندمج الجنوب مع جاره الأكبر سكاناً في الشمال تحت قيادة الرئيس علي عبد الله صالح لتأسيس دولة يمن موحّدة. فكان النظام الشيوعي في حالة إفلاس وحليفه السوفياتي منهاراً.
وكانت الوحدة ضرورية لكنّها شكّلت حبّة سمّ للكثير من الجنوبيين. فقد مال صالح نحو العراق في الأزمة الكويتية التي نشبت في وقت لاحق من العام 1990م، فطرد السعوديون مليون عامل يمنيّ من المملكة لمعاقبته.

وبعد تحرير الكويت، بدأ السعوديون بالبحث عن حلفاء للإطاحة بصالح فلجؤوا إلى الجنوبيين. وخطّط السعوديون لتمرّد القادة الانفصاليين الجنوبيين، من بينهم الشيوعيون السابقون، بغية خلع صالح في العام 1994.
وموّلت الرياض سرّاً التمرّد واشترت أسلحة للمتمرّدين من السوق السوداء من أوروبا الشرقية. وكان وزير الدفاع آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز وابنه الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة في واشنطن، على رأس المخطّطين.

وفشل المخطط فشلاً ذريعاً. فقد سيطر المتمرّدون لفترة وجيزة على عدن قبل أن يُطلق صالح هجوماً معاكساً شرساً. فانهارت الخطط السعودية في غضون أسابيع، وقُمع التمرّد، وأعيد توحيد اليمن تحت حكم صالح، وواجه سلطان بن عبد العزيز الإذلال، وتخلّى السعوديون عن الانفصاليين.
وعندما وصل الربيع العربي إلى شواطئ اليمن في العام 2011م، انضمّ الجنوبيون إلى حملة إسقاط صالح، وانضمت الرياض إلى الحملة أيضاً لكنّ مرشّحها المفضّل كان هادي، الذي كان واحداً من الجنوبيين الذين خدموا في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وخضع لتدريبات لسنوات في الاتحاد السوفياتي.

ودعم خطة انقلاب فاشلة في العام 1986 ضدّ نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهرب إلى الشمال. وفي العام 1994، بقي موالياً لصالح وكوفئ بتعيينه وزيراً للدفاع ثمّ نائباً للرئيس، ورأى فيه السعوديون بديلاً آمناً لصالح.
عوضاً عن ذلك، كان هادي كارثة، فقد طرد الحوثيون حكومته من صنعاء في مطلع العام 2015، مما أطلق شرارة التدخّل السعودي والحرب التي ولّدت الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم. وفقد هادي الآن سيطرته على عدن وولّد الانفصاليون حرباً أهلية ضمن الحرب الأهلية مع دعم المملكة العربية السعودية الخاسرين باستمرار.

وقد وجد الجنوبيون راعياً جديداً، ألا وهو الإمارات العربية المتحدة التي بنت قوّتهم على مدى السنوات الثلاث الماضية. لذا وزّع التحالف الذي يحارب الحوثيين الشيعة الزيود ولاءاته بين عدوّين لدودين. ويشكّل الفشل في التنسيق وإدارة التحالف دليلاً على عدم الكفاءة الشديد الذي يشوب الحملة العسكرية بقيادة السعودية.
ورغماً من قرون الخبرة التي تتحلّى بها المملكة العربية السعودية في التعامل مع اليمن منذ نشوء الدولة السعودية في أربعينيات القرن الثامن عشر، طغى على المملكة تاريخٌ طويل من النكسات في اليمن.

فغالباً ما أحبطت تعقيدات المجتمع اليمني وسياساته السعوديين، ويرجّح أن تواجه المملكة المزيد من الإحباطات في المستقبل.
* باحث كبير في السياسة الخارجية بمركز بروكنجز - مشروع الاستخبارات.
"معهد بروكينغز"​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى