الانفصالية الشمالية في مقررات التعليم

> كتب/ د. أحمد باحارثة

> - مغالطات وتناقضات تاريخية واضحة في مناهجنا الدراسية
- المنهج يعرض الحركة الوطنية بالشمال ويخل بها في الجنوب
- مقرر التاريخ دليل على الانفصالية الشمالية بالنزعة الإمامية

في أتون الأحداث الأخيرة المتحركة في جنوب البلاد يشن إعلام الشرعية هجمة كيدية على مساعي إعادة ترتيب البيت الجنوبي، مصوراً لها بالخطوات الانفصالية، وينسى أن الانفصال قد بدأ في صنعاء، حيث جرى تكريس الشرخ الثقافي والوطني عبر الأطر المعنية بمعالجتها كمضامين المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية، بما يطول الحديث عنه، لكن أكتفي هنا بتناول كيفية معالجة مقرر كتاب التاريخ للصف التاسع في جزئيه الأول والثاني مع بداية العام الدراسي الجديد.

ففي الجزء الأول من ذلك الكتاب في الوحدة الثالثة منه، تناول المقرر الحكم العثماني الأول والثاني ووضع اليمن حينها، وفي حديثه عن مقاومة اليمنيين للحكم العثماني بدأ شاملاً لكل اليمن تحت أربعة عناوين:
1 - مقاومة السواحل 2 - غارات السهول الجنوبية 3 - العرقلة والإبادة في المناطق الوسطى 4 - مقاومة الهضبة الجبلية.

لكن ذلك المؤلف كان شديد التحمس لـ (الدولة القاسمية)، الأمر الذي أوقعه في مغالطات وتناقضات تاريخية واضحة، فإنه برغم حديثه السابق عن تعدد جهات المقاومة من رؤساء القبائل وأمراء بني طاهر وأئمة الزيدية، إذ نراه بعد ذلك يقول: "وتمكن الإمام المؤيد من الاستيلاء على صنعاء وكوكبان وثلا وإب، وتمكن أخوه إسماعيل من الاستيلاء على تعز ويافع وعدن ولحج وأبين وحضرموت، وواصل الإمام محمد بن القاسم تعقب العثمانيين حتى تم إخراجهم من اليمن".

فهذه العبارة الطنانة تصور هؤلاء الأئمة وكأنهم أبطال التحرير وحدهم من غرب اليمن حتى شرقها، وأن إسماعيل قد استولى على حضرموت بعد أن طرد بني عثمان منها، وهذه مغالطة مكشوفة، لأن بني كثير كانوا هم المسيطرون حينها على حضرموت، وقد غزاها إسماعيل بعد رحيل العثمانيين بربع قرن، وعبر المقرر عن الوحدة اليمنية في عهد القاسميين بصورة الاستيلاء والضم.

كما أوقعه ذلك في تناقض آخر، حيث يقول: "عادت المعارك بين الجانبين (الأئمة والعثمانيين) بزعامة الإمام المؤيد بن القاسم، مما أدى في الأخير إلى طرد الأتراك من اليمن عام 1635م، وبهذا كانت اليمن أول ولاية عربية تتخلص من الحكم العثماني، وتحققت للدولة القاسمية الظروف المناسبة لتوحيد اليمن، فيما بعد لعقود من الزمن". فاعترف هنا أن (الوحدة) تمت بعد انسحاب العثمانيين بمدة زمنية.

وتحت هذا الكلام عاد المؤلف ليقول: "ظل النفوذ العثماني ضعيفاً نتيجة لتفاقم المقاومة اليمنية بقيادة الإمامة، واقتصر تواجده على المناطق الساحلية كالحديدة والمخا وعدن والشحر، أما بقية مناطق اليمن فقد ظلت في حالة عدم استقرار ومقاومة دائمة للعثمانيين".
فكيف يقرر المؤلف تفرد الأئمة الزيديين بالمقاومة ثم يعلن اليمن ولاية عربية مستقلة، ثم يعود ويتحدث عن بقية مناطق اليمن والمناطق الساحلية، فما حدود تلك الولاية العربية التي تحررت وأطلق عليها المؤلف اسم اليمن بصورة تعميمية شطرية؟، علماً أن المؤلف قد وقع مرة أخرى في نفس الخطأ ولم يستدرك إلا في آخر لحظة بالتقويس، وذلك عند حديثه عن اندحار الحكم العثماني في اليمن من شمال اليمن على هذا النحو: "كانت اليمن أول ولاية عربية من الولايات العثمانية في الوطن العربي تحقق استقلالها عن السيادة العثمانية، وإنهائها الحكم العثماني الأول قبل مجيء القوى الأوروبية الاستعمارية، وكان اليمن (في الشمال منه) من البلدان العربية القليلة التي لم يتمكن الاستعمار من دخولها في فترة عنفوانه وشموله كافة أقطار الوطن العربي".

فهل هناك أشأم على الوحدة الثقافية والوطنية من هذه العبارة التي تفاخر بالانفصالية، إذ كيف نفاخر على بلدان وأقطار بعدم دخول الاستعمار! لأن بلادنا (في الشمال منه) لم يطرقه المستعمر الأوروبي وإنما فقط غزا واحتل جنوبه وشرقه وغربه؟! علماً أن الإنجليز قد احتلوا مدينة الحديدة ثم سلموها لحليفهم الإدريسي، كما احتلوا جزيرة كمران والمخا، وبهذا يثبت المقرر أنه ليس انفصالياً فقط، وإنما هو أيضاً إمامي النزعة والهوى.

وإذا كان حديث المؤلف عن مقاومة اليمنيين للحكم العثماني الأول قد اتسم بالشمول على رغم تناقضه في آخر الأمر، فإن حديثه عن مقاومتهم للحكم العثماني الثاني قد اقتصر على الشمال فقط تحت عنوانين: 1 - ثورة عام في صنعاء 2 - معركة شهارة.
ثم وضع عنواناً مبهماً هو (انتشار الانتفاضات في كل اليمن) ولم يحدثنا عن شيء من تلك الانتفاضات ومواقعها أو أمثلة منها. وللعلم أضيف أن بعض أمراء حضرموت قد قاوموا محاولات العثمانيين دخول المنطقة أيضاً، وفات المقرر معرفتها.

وحديث المقرر عن فترة الحكم العثماني الثاني لليمن (1872 - 1918) كان انفصالياً جهوياً تماماً، حيث يتحدث عن الشمال باسم اليمن كلها، وبدأ باستعراض وضع اليمن عشيّة وصول العثمانيين إلى البلاد بقوله: "دب الضعف في حكم أئمة صنعاء نتيجةً لتنافس الأئمة على الإمامة منذ بداية القرن الثامن عشر، مما شجع القبائل وسلاطين السواحل على التمرد على سلطة الدولة المركزية".

ثم تناول حالة الشد والجذب بين العثمانيين والأئمة في الشمال حتى عام 1918م، ثم قال بصورة تعميمية: "وبهذا انتهى الحكم العثماني لليمن، وبدأت اليمن عهداً آخراً مع نظام الأئمة". هكذا يتحدث المؤلف عن الأجزاء المحدودة التي يحكمها الأئمة وكأنها كل اليمن! فماذا عن من وصفهم المؤلف بـ (سلاطين السواحل)، كيف تعاملوا مع العثمانيين؟! علماً بأن المؤلف نفسه قد فصّل ذلك أثناء حديثه عن الحكم العثماني الأول تحت أربعة عناوين:
1 - قبول سلطان الشحر 2 - رفض سلطان عدن 3 - السيطرة على عدن 4 - السيطرة على صنعاء.

فلم يفعل مثل ذلك في الغزو العثماني الثاني، ولم يتطرق المؤلف لا من بعيد ولا من قريب لغزو الأتراك لسلطنة العبادلة بلحج واحتلال مركزها الحوطة ووصولهم إلى تخوم عدن، ولم يذكر محاولتهم غزو حضرموت واختلاف أمرائها حيالها ما بين مُرحبٍ ومعارض وتمكّن المعارضين من دحر الغُزاة في معركة بحرية مشهورة. فهل كان هذا يخدم الوحدة الوطنية والثقافية في المقرر أم هو تجهيل للجيل؟

وكان المقرر في عرضه لمقاومة الاستعمار الأوروبي في العصر الحديث بدأ شاملاً لكل اليمن عبر أربعة عناوين:
1 - المقاومة في سقطرى 2 - المقاومة في عدن 3 - المقاومة في الشحر 4 - المقاومة في المخا.

لكن بانتقالنا للجزء الثاني من كتاب التاريخ للصف التاسع من مراحل التعليم الأساسي نجد عودة النفس الانفصالي في تناول (الحركة الوطنية والثورة اليمنية) وهو عنوان الوحدة السادسة بالكتاب، فتحت عنوان أسباب تطور الحركة الوطنية اليمنية قبل 1962م، نجد الحديث منصباً على المنطقة الشمالية بصورة محضة على رغم تعدد العوامل إلى عشرة كاملة. ثم استعرض المؤلف أربع حركات نضالية قامت في اليمن ما بين (1948 - 1961) هي: حركة 48م في صنعاء، وحركة 55م في تعز، والحركة العمالية 56م في عدن، والحركة الفدائية 61م في الحديدة.

فنلاحظ أن تلك الحركات شملت الشمال والوسط والجنوب والغرب وأغفل ذكر حركة نضالية من الشرق ضد المستعمر وسلاطينه لإكمال الصورة بشمول الحركة لكل اليمن وتحقق لها صفة الوطنية. علماً أن المؤلف تحت عنوان تطور أشكال مقاومة الاستعمار نحو العنف مع الاستعمار ذكر "مقاومة الهجرة الأجنبية الوافدة من دول الكومنولث من هنود وغيرهم والتي أخذت كل الوظائف محل اليمنيين"، فتحت هذا البند تأتي حركة القصر أواخر عام من أجل تعيين حاكم وطني بديلاً من الحاكم الهندي الأجنبي في مدينة المكلا، أما حركة الفلاحين بسيئون فكان من الممكن أن تأتي ضمن ما وصفه المقرر بـ "الانتفاضات والتمردات الشعبية والعمالية".

وعموماً نجد في المقرر وضوحاً في عرض الحركة الوطنية بالشمال، وابتسار وإخلال في عرضها بالجنوب، وغياب كامل لعرض الحركة الوطنية في حضرموت. فهل كان هذا يخدم وحدة الهوية الوطنية والثقافية لليمن في مقررات التدريس والمؤسسة التعليمية؟ فضلاً عما كان يعتمل من شق للصف الوطني انطلاقاً من صنعاء وليس من عدن في المؤسسات الأخرى، وربما نعرض لها في مقالات أخرى.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى