الحديدة.. غياب فواكه كثيرة عن الأسواق في عز موسمها

> تقرير/ خاص:

> كانت أسواق بيع الخضروات والفواكه بمحافظة الحديدة تشهد كل عام خلال فصل الصيف ازدحاماً كبيراً من البائعين والمشتريين لاسيما فيما يتعلق بثمرة شجرة المانجو، والتي يمتد موسمها إلى أواخر شهر سبتمبر الجاري، فضلاً عن تسويقه إلى الكثير من أسواق المحافظات الأخرى وعدد من الدول الخليجية.
ويشكل السهل التهامي الموطن الأول في البلاد لملكة الفاكهة (المانجو) التي تتكيف على طول سهول تهامة من الحديدة إلى حجة بكافة أنواعها: كمانجو السوداني، وقلب الثور، والسمكة، والتيمور.. وغيرها الكثير.
مواطنون: الحوثيون أجبرونا على ترك مزارعنا وحولها كمخابئ لمعداتهم العسكرية
مواطنون: الحوثيون أجبرونا على ترك مزارعنا وحولها كمخابئ لمعداتهم العسكرية

وبحسب تقارير زراعية، بلغت كمية الصادرات اليمنية من المانجو منتصف العام 2014 أكثر من 30 ألف طن؛ منها 28 ألفا و831 طناً صدّر من منفذ حرض الحدودي، فيما تتم تصدير الكمية المتبقية جواً عبر مطار صنعاء الدولي، وكانت المانجو اليمنية تغذي الأسواق السعودية بنسبة تتجاوز الـ 70 %.
وتقدر الهيئة العامة للتنمية الزراعية والريفية عدد أشجار المانجو المزروعة في البلاد بـ "مليونين و17 ألف شجرة"، نصف العدد يزرع في محافظتي حجة والحديدة.

أسواق بلا فواكه 
هذا العام يغيب المانجو في أسواق الحديدة والسبب واضح هو الحرب التي أحرقت شجرتها بشتى وسائلها.
مطلع يوليو قبل الماضي أقبلت الحديدة على معركة لم يكتب لها أن تحسم حتى اليوم، حيث بدأت بدمار أريافها وإحراق مزارعها وتوقفت عند أطراف المدينة، ونثر قذائف الموات على المواطنين وسط المدينة.

حينها تحولت المزارع إلى مساحات منها محروقة وأخرى مهجورة جراء الدمار الذي تلقته مع بدء المعركة.
يقول سكان الجراحي، والتي هي من أهم مناطق زراعة المانجو في الحافظة، إن مزارعهم دمرت بعد أن اتخذها الحوثيون ملاذاً لدبابتهم التي كانوا يحشرونها بين الأشجار تحصناً من ضرب الطيران الذي استطاع الوصول إليها وتدميرها وإحراق أشجار المانجو وما فيها من أسلحة ودبابات ومدافع، وباتت رماداً يصعب عليهم زراعتها وإصلاحها خصوصاً بعد تدني ظروفهم المعيشية.
 

تحويل المزارع لمواقع عسكرية
محمد محسن خسر مزرعته بالكامل، والتي كان يجني منها في كل موسم أطنين من المانجو يتم تصديرهما للأسواق المحلية ودول الجوار.
أحرقت مزرعة محسن من أول شرارة للحرب، خصوصاً أن مزرعته ممتدة على أطراف مدينة الجراحي.

وبحسب حديث محسن لـ "لأيام" فقد أجبره الحوثيون وغيره الكثير من ملاك المزارع المجاورة على مغادرة مزارعهم وأخرجوهم بالقوة قبل أن يدخلوا معداتهم وأسلحتهم إليها وإلى المنازل الموجودة بداخلها.
ترك محسن مزرعته مكتظة بالمانجو وغادرها مجبراً مع العديد من المزارعين الذين خسروا الكثير منذ سنوات في زراعتها والاعتناء بها.

فيما المزارع التي سلمت من ضرب الطيران وأدخنة المدافع والدبابات وإقدام مسلحي الانقلابيين، زرعت بالألغام وأصبحت غابة يسكنها الموت والخوف.

حرمان
في كل موسم جني كانت فاكهة المانجو تزين البوفيهات بحبال ترتص بها ثمارها، وتستمر حتى في غير الموسم على خلاف هذا العام التي استبدلها أصحاب الوفيات بفواكه أخرى.
وأوضح سكان في المدينة أن غياب هذه الفاكهة شكل فراغاً في الأسواق وحرموا من الاستمتاع بأكلها والتي كان يصل سعر الكيلو الواحد منها إلى مائة ريال وكانت في متناول الجميع.

تقول حسناء سالم، وهي إحدى سكان الحديدة: "إنه مع بداية شهر مايو من كل عام تتكدس المانجو في الأسواق ويتم بيعها بواسطة ملاك المزارع بأسعار رخيصة عدا النوع الفاخر منها، والتي تواجدت في الأسواق بعد ثورة 11 فبراير الشبابية 2011م، نتيجة لتوقف تصديرها إلى الخارج كمانجو قلب الثور والتيمور".
وتضيف: "كنا في هذا الموسم نشتري كمية ونقوم بعصرها في دبب كبيرة ونضعها في الثلاجات.. ما كنا نحتاج للعصائر المصنعة، وحالياً لا مانجو في الأسواق ولا كهرباء في المنازل لنتمكن من تشغل الأجهزة لعصرها إذا ما حصلنا عليها".

وفي المناطق التي لم تصلها الدبابات وأدخنتها وقصف الطيران وسلمت من الألغام تعرضت للإهمال نتيجة لتدني دخل الكثير من الأسر المزارعة في بعض الأودية والسهول وعجزهم عن سقيها والاعتناء بها خصوصا مع انعدام المشتقات النفطية وارتفاع أسعار المبيدات التي تحتاجها المزارع وعدم صيانة المضخات والمولدات التي تستخدم لجر مياه الأودية على خراطيم اتجاه مزارع المانجو المترامية في الأودية خصوصا وادي سردود ووادي سهام".

المواطنة دولة قائد واحدة من أبناء المدينة ممن اضطروا لبيع مزارعهم بعد عجزها عن زراعتها والاعتناء بها.
تقول في حديثها لـ "الأيام": "صحيح مزرعتي سلمت من الحرب لكن ما قدرت أوفر الديزل للمولد لأجل استخراج الماء وأسقيها.. ولما رأيت المانجو يتساقط بسبب الجفاف وماتت أشجار كثيرة قررت أبيعها".

اكتفت دولة بمزرعة صغيرة استطاعت أن تحافظ عليها وتهتم بها، وكثير من أبناء هذه المناطق أجبروا إلى استبدال الزراعة هذه الفاكهة بمحاصيل أخرى كالخضروات التي تحتاج جهد وتكلفة أقل مقارنة بالمانجو.
 
معاناة كبيرة
ياسين الفقيه أحد أبناء المحافظة المغتربين في المملكة العربية السعودية ترك مزرعته لأسرة تهتم بها منذ 12 عام، مقابل تقاسم ما تنتجه فيما بينهم، ونتيجة للوضع وجدت هذه الأسرة المزارعة معاناة كبيرة ولم تستطع الحفاظ عليها وتخلت عن مسؤوليتها.
يقول الفقيه في حديثه لـ "الأيام": "غادرت المنطقة والمزرعة في خير، ومع تدهور الوضع وعجز من سلمته المزرعة عن الاستمرار بها تواصل بي وأخبرني عن عدم مقدرته عن مواصلة عمله وطلب مني العودة قبل أن تنتهي المزرعة بالكامل نتيجة لصعوبة توفير الديزل وارتفاع أسعاره وأخرى من الأمور"، مضيفاً: "عدت للوطن وبسبب الوضع الذي وصلت إليه المزرعة أجبرت على بيعها والعودة إلى خارج الوطن".

ليست فاكهة المانجو الوحيدة غير المتواجدة في الأسواق هذا العام؛ بل هناك فواكه وخضروات تواجدها بات نادراً، وإن تواجدت بأسعار جنونية وفي قلب مواسمها.
كما تحولت مزارع النخيل الكثيفة في مناطق السويق والمدمن والناصري والمجيليس والجاح الأعلى والأسفل، بالإضافة إلى مناطق الدريهمي والجراحي على الساحل الغربي إلى ساحة معارك عنيفة بين الحوثيين والقوات الحكومية.
البلح (الرطب) الفاكهة التي تواجدت بشكل ضئيل في الأسواق هذا العام بعد أن كانت تغرق الأسواق كل موسم وبأسعار رخيصة، حيث كان يصل الكيلو الواحد إلى 400 ريال فقط.
كان أغلب سكان الساحل الغربي يعتمدون على زراعة النخيل، حيث يزرعون مليونين ومائتي ألف شجرة نخيل في مناطق الساحل، بحسب آخر إحصائية صادرة عن هيئة تطوير تهامة (حكومية) في عام 2014م.

ويبلغ الإنتاج السنوي التقديري للنخيل في سهل تهامة ما يقارب 35 ألف طن من البلح تقريبا، وفق الهيئة.
يقول حميد زبيدي وهو من سكان المدينة: "ذهبت إلى السوق لأشتري بلح فوجدت مائة حبة بألف ريال، وأحيانا لا أجده نهائياً".

تضرر
المساحات الزراعية في ساحل تهامة والتي كانت ترفد الأسواق في عموم محافظات البلاد هي الأخرى تضررت بشكل كبير تارة بسبب الحرب وتارة أخرى نتيجة الإهمال والرعاية الزراعية.
البامية من أكثر الخضروات التي ارتفع سعرها بشكل غير مسبوق، وبحسب باعة، فقد وصل سعر السلة إلى 25 ألف ريال، الأمر الذي جعل كثير من سكان الحديدة يتخلون عنها رغم أنها من أكثر الخضروات أفضلية، والتي تعتبر شيئاً أساسياً في مكونات وجبة الغذاء بسبب توفرها ورخصها قبل الحرب.

أم سلمة تشكي عدم قدرتها على شراء البامية التي كانت تعتبر أرخص أنواع الخضروات في أسواق الحديدة، وتضيف: "ما كان في بيت من بيوت سكان الحديدة يتخلى عن خصار (إدام) البامية، أما الآن لا نستطيع نشتريها ولو مرة في الأسبوع".
وفي المقابل، وجد موزعو الخضروات صعوبة في تحميلها للمدينة بسبب بعد المسافة وقطع الطرق المؤدية إلى المدينة عدا طريق واحد فقط، فضلاً عما تكلفه مادة الديزل لنقل الخضروات من المزارع إلى الأسواق من تلك الطريق.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى