مركز استخباراتي أمريكي: جنوب اليمن يتقدم ببطء نحو الاستقلال

> «الأيام» غرفة الأخبار

> نشر موقع «ستراتفور» الأمريكي تقييمًا يرصد دلالات وتداعيات تزايد الصدع بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في اليمن. ويوضح كيف ساهم في زيادة نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، وبالتالي يدفع إلى استقلال جنوب اليمن في النهاية.
هذا التقييم جزء من سلسلة تحليلات تدعم توقعات ستراتفور للربع الأخير من عام 2019، وتهدف إلى توفير المزيد من التحليل السياقي والمتعمق للتطورات الرئيسة خلال الأشهر الثلاثة القادمة. ويخلص التقييم إلى الاستنتاجات الرئيسة التالية:

المعركة التي جرت مؤخرًا للسيطرة على عدن ستمنح المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، مزيدًا من التأثير السياسي لمتابعة هدفه المتمثل في استقلال الجنوب.
سيستمر هذا في تأجيج الصراع مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، ما يستنزف تحالف الرياض وأبوظبي في اليمن في هذه العملية (حتى مع استمرار شراكتهما في المسارح الأخرى).

سيمنح القتال أيضًا الحوثيين والجماعات الجهادية فرصة لتحقيق مكاسب محدودة في أماكن أخرى من البلاد، حيث يركز التحالف الذي تقوده السعودية على منع المجلس الانتقالي الجنوبي من الاستحواذ على المزيد من الأراضي في الجنوب.
قد تدفع مثل هذه المخاطر الأمنية الطرفين في النهاية إلى تنحية معركتهما الحالية جانبًا، رغم أن الجنوبيين سيظلون على الأرجح يستخدمون مكاسبهم للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي في مستقبل اليمن.

ويلفت "ستراتفور" إلى الصورة الكاملة المتمثلة في: الحرب التي يخوضها الائتلاف الهش في اليمن ضد حركة التمرد الحوثي منذ عام 2015، ويشرح يعاني التحالف لفترة طويلة من التمزق بسبب التحزبات، وهو ما تجسد مؤخرًا في أعمال العنف التي اندلعت بين المجلس الانتقالي الجنوبي، والحكومة اليمنية المعترف بها من الأمم المتحدة في جنوب البلاد.

واستهل التقييم بالقول: "منذ عام 2015، شهدت مدينة عدن بجنوب اليمن عدة صدامات كبرى بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي. لكن جولة القتال الأخيرة بين الشريكين المتحالفين اسميًا في المعركة ضد المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، تركت المدينة الساحلية لأول مرة تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حد كبير، ما أظهر قدرة هذه القوات الانفصالية على السيطرة على أراضي الحكومة اليمنية والاحتفاظ بها في قبضتها".

وأضاف: "أمام المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي دعمته دولة الإمارات العربية المتحدة لعدة سنوات عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، فرصة الآن لبناء مؤسسات موازية، ولديه القدرة على الحكم داخل عدن، وهو ما من شأنه أن يقربهم من تحقيق هدفهم النهائي المتمثل في استعادة استقلال جنوب اليمن. ولكن هذا الأمر سيعني سحب الموارد من المعارك الأوسع نطاقًا لقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين والجماعات الجهادية، وربما يؤدي إلى رد فعل عنيف من جنوبيين آخرين يسعون لدعم مطالبهم في مستقبل الدولة التي مزقتها الحرب".

مطاردة حلم الاستقلال
وأشار الموقع إلى أنه في الأول من أغسطس ضرب صاروخ حوثي عرضًا عسكريًا للتحالف في مدينة عدن الساحلية؛ ما أدى إلى مقتل قائد بارز في المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يصل إلى 46 شخصًا آخرين. لكن بدلًا عن الانتقام من الحوثيين، ألقى المجلس باللوم على إدارة هادي، مدعيًا أن حركة الإصلاح التابعة للإخوان المسلمين (حليف هادي الاسمي) ساعدت في الهجوم.

ومنذ ذلك الحين بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي حملة ضد حكومة هادي، كما شن داعموه الإماراتيون غارات جوية على القوات الموالية لهادي في 29 أغسطس. وبعدما انقشع غبار المعركة، كان المجلس الانتقالي قد سيطر على عدن، تاركًا إدارة هادي دون تأثير يذكر في المدينة الأكثر أهمية إستراتيجيًا في جنوب اليمن.
ومع السيطرة على عدن، حظي المجلس الانتقالي الجنوبي بأفضلية غير مسبوقة على الحكومة اليمنية، لكنه لا يزال يواجه عقبات خطيرة في السعي لتحقيق تطلعاته التي طال انتظارها لاستعادة جنوب اليمن. وأضاف الموقع أن الدبلوماسية الدولية حول اليمن لاتزال تتركز إلى حد كبير على الصراع بين هادي وحركة الحوثي.

ولم يُظهِر الداعمون الرئيسون للتحالف المناهض للحوثيين - أي الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية - أي علامات على تحول هذا التركيز، لأنهم يرون أن الجنوب والمجلس الانتقالي يلعبان في النهاية دورًا صغيرًا في ظل حكومة يمنية موحدة. في الواقع، وفي منطقة مليئة بالفعل بالنزاعات الحدودية وأشباه الدول، لا يزال احتمال حدوث تصدع في اليمن عملية صعبة من وجهة النظر العالمية.

وتابع أنه بدون السيطرة الكاملة على الجنوب، لا يزال يتعين على المجلس الانتقالي الحصول على النفوذ الميداني الذي يحتاجه لشق طريقه في هذه المحادثات الدولية. وتوسيع نفوذ المجلس لن يكون بالأمر السهل، لأنه لا يمثل جميع الشرائح الواسعة في المنطقة من الفصائل والقبائل والمواطنين. ونظرًا لتركز قوته في عدن، فإن المجلس الانتقالي لديه خلافات أيديولوجية وسياسية مع المحافظات الداخلية في جنوب اليمن، مثل حضرموت والمهرة. كما أن زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، لديه منافسون على السلطة في الجنوب.

(حرب أهلية داخل حرب أهلية - يحظى المجلس الانتقالي الجنوبي الآن بنفوذ قوي على المدن الرئيسة في جنوب اليمن، دافعًا هذه المدن نحو هدفه الطويل الأجل المتمثل في استقلال جنوب اليمن. المصدر: ستراتفور)

واعتبر الموقع أن جنوب اليمن المستقل يظل حلمًا بعيد المنال. ولكن في غضون ذلك، لا يزال بإمكان المجلس الانتقالي ممارسة سيادة الأمر الواقع من خلال السيطرة على أكبر مدينة في المنطقة. وبذلك سيبني المجلس ببطء قدرته على الحكم، ويمكنه بعد ذلك استخدام المدينة كقاعدة لتوسيع سلطته إلى مناطق جديدة تقع تحت سيطرة إدارة هادي. ويمكن للمجلس أيضًا استخدام هذا النفوذ المتمثل في السيطرة على عدن للحصول على دور أكبر في حكومة وحدة وطنية، ما يزيد من فرص أن يؤخذ على محمل الجد في إطار الدبلوماسية الدولية المتعلقة باليمن.

الانقسام السعودي الإماراتي
أوضح الموقع أن النجاح الذي حققته المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرًا في عدن، يمكن أن يُعزى جزئيًا، إلى خلاف سياسي طويل الأمد بين الإمارات والسعودية في اليمن. ورغم أن الإماراتيين والسعوديين لا يزالون متحالفين على ما يبدو في القتال ضد المتمردين الحوثيين لاستعادة سلطة هادي - المدعومة من الأمم المتحدة - على البلاد، إلا أن أبوظبي تعمل أيضًا على تحديث إستراتيجيتها الإقليمية بحيث تشمل التركيز بدرجة أقل على التهديد الحوثي في اليمن وبدرجة أكبر على تعزيز مكاسبها، من خلال وكلاء مثل المجلس الانتقالي الجنوبي. وبالتالي فإن هذا التحول ترك الرياض في وضع حرج، فبينما تستمر السعودية في الضغط على الحوثيين بشكل عام، قرر الإماراتيون - من جانب واحد على ما يبدو - تخفيض أولوية هذا الجهد لصالح الحفاظ على نفوذهم في جنوب اليمن، خاصة في المدن الساحلية الرئيسة مثل عدن.

وعلى الرغم من هذا الخلاف المتزايد، فقد سعت السعودية والإمارات إلى دعم صورة الوحدة في السياسة اليمنية، لكن تصرفات أبوظبي على الأرض تشير إلى قصة مختلفة، فبعدما هاجمت القوات الموالية لهادي دعما للمجلس الانتقالي الجنوبي في 29 أغسطس، أعلن الإماراتيون على الفور صراحة مسؤوليتهم عن الهجوم. وأظهرت هذه الخطوة أن ازدهار المجلس الانتقالي الجنوبي أكثر أهمية الآن بالنسبة لأبوظبي من إقامة حكومة يمنية شرعية وموحدة، على الأقل في ظل إدارة هادي، التي تحظى بعلاقات متوترة مع أبوظبي.

واعتبر تقييم ستراتفور أن التحول في إستراتيجية دولة الإمارات جاء نتيجة لعدة عوامل: هذا التهديد المتنامي بالانغماس في مواجهة أمريكية - إيرانية متزايدة الاحتمال، قلَّل من درجة تحمل أبوظبي للمخاطر بشكل عام في منطقة الخليج. وفي هذه الأثناء ظل الوضع العسكري مع الحوثيين في اليمن في حالة ركود إلى حد كبير منذ أن شنت دولة الإمارات هجوما عام 2018 ضد مدينة الحديدة الساحلية. ونتيجة لذلك فإن وضع قوات على الخطوط الأمامية ضد الحوثيين أسفر عن مكاسب أقل وأقل خلال العام الماضي، بينما وضع أبوظبي في مرمى المتمردين بشكل مباشر، في الوقت الذي يبني فيه الحوثيون قدراتهم على ضرب الأراضي الإماراتية. ولا يزال الحلفاء الرئيسون، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، يحاولون أيضًا صد القوات اليمنية المحلية الأخرى التي تتطلع إلى معاقبة الإمارات والسعودية لتورطهم في الحرب الأهلية في اليمن.

وهكذا، فإن مخاطر محاربة الحوثيين بفعالية تفوق الفوائد بالنسبة لأبوظبي، لكن هذا لا يعني أن الإمارات ستتخلى عن اليمن تمامًا وستخسر المكاسب التي حققتها هناك، حيث يشير دعمها المستمر للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى أنها تخطط للبقاء لبعض الوقت في المستقبل.

توسيع حرب اليمن
وذكر الموقع أن هذا التحول باتجاه الجنوب يشكل مجموعة من المخاطر الأمنية، حيث سيستفيد الحوثيون المتمركزون في الشمال من اشتداد حدة القتال بين قوات هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي للضغط من أجل مطالبهم. ومع تركيز الحكومة اليمنية والسعودية جزئيًا على التخفيف من تحدي المجلس الانتقالي في عدن، ستتاح موارد أقل لوقف هجمات الحوثيين، وستترك لهم فرصة كبيرة لدحر بعض المواقع العسكرية للتحالف.

وأضاف أن الحوثيين ليسوا هم فقط المستفيدين من هذا الأمر، حيث يعد المجلس الانتقالي عدوًا قويًا للجهاديين اليمنيين، بمن فيهم أولئك المرتبطون بتنظيمي «القاعدة والدولة». وتمامًا مثلما يحدث على الجبهة المعادية للحوثيين، فإن انشغال المجلس الانتقالي بمحاربة القوات الموالية لهادي سوف يتركها بموارد أقل لمواجهة المتطرفين. ووسط تزايد الاشتباكات الداخلية، فإن هناك فرصة لإغراء بعض اليمنيين المحبطين للانضمام إلى الجهاديين، الذين تعد رؤيتهم الإسلامية الوحشية والراديكالية للبلاد، على الأقل، بعودة بعض النظام.

واختتم التقرير بالقول: "إن المخاطر المترتبة على كل من مكاسب الحوثيين وانتعاش التطرف في اليمن قد تُجبر دولة الإمارات في نهاية المطاف على النصح بإنهاء حملة المجلس الانتقالي الحالية ضد إدارة هادي المدعومة من السعودية. ولكن مثل كل الوكلاء المحليين، فإن المجلس الانتقالي أيضًا لديه جدول أعماله الخاص. وبالتالي فإن أي اتفاق يمكن أن تقنع أبوظبي الأطراف المعنية بقبوله سيكون بمثابة علاج مؤقت فقط للتوترات بين الشمال والجنوب، حتى تسنح الفرصة التالية أمام المجلس لدفع مستقبل اليمن الموحد إلى بديل الدولتين".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى