تراث وآثار وتاريخ عدن.. إلى أين؟!

> جسار فاروق مكاوي *

> قلّما توجد دولة في العالم الحر أو شعب من شعوب العالم لا يبرز عدم اهتمامه بتاريخ وآثار وتراث بلده وما تحويه من معالم تجسّدت واقعا على الأرض وأعطت ملمحا عن حياة وتاريخ الحضارات السابقة.

ومن أجل ذلك، كان لِزاما وواجبا على كل دولة محترمة أن تعمل على تعزيز هذا التاريخ وحفظه وصونه من الاندثار والضياع من خلال محاربة جرائم تهريب الآثار أو جرائم السرقة والاتجار بها. ومما لا شك أن القوانين الخاصة بالآثار بحاجة دائمة إلى تطويرها ومتابعة الجريمة وتطوُّر أساليبها، مما يستدعي إصدار تشريعات جديدة تواكب هذه القضايا وتراعي أمن وسلامة كل الآثار والمعالم والمواقع التي تحويه. عدن إحدى مدن العالم التي تحوي حضارة عتيقة جذورها ضاربة في تاريخ عريق.. يجب علينا كمجتمع مدني أن نحافظ عليه من الهدم والضياع، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال عمل جاد وحقيقي من قِبل سلطات الدولة وتعزيز ذلك بشرطة خاصة بالآثار ووجوب التفكير بإنشاء وزارة مستقلة بالآثار واستصدار تشريعات متطورة ورادعة وليست مجرد نصوص قانونية تفرض غرامات مالية على مرتكبيها. على الرغم من أن أحكام قانون الآثار النافذ الحالي يشير إلى إمكانية الأخذ بأي نص آخر في أي قانون يعاقب ويجرم هذه الأعمال ويشدد عقوبتها.

ومما لا شك فيه أن الشراكة المجتمعية أمر مطلوب لتعزيز هذه القضية المهمة بالتنسيق وفقا للقانون مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف بعدن كجهة مختصة بحماية المعالم والمواقع الأثرية والتراث، وعدم تداخل السلطات وإنما تعزيز التعاون والتنسيق مع السلطات المحلية وفقا لقانون السلطة المحلية الحالي، وإعداد وتطوير البنى التحتية في هذا المجال بشكل جاد ودون تراخٍ، لأن أي تراخٍ يؤدي إلى بطء، والبطء يؤدي إلى فراغ، وبالتالي الضياع والاندثار.

كما يتطلب الأمر العمل على الإعداد والتأهيل لكوادر العمل كاملا لتعزيز قدراتهم وتنشيط دور الهيئة العامة للآثار والمتاحف في عدن وما تحتاج إليه من أجل رفع جاهزيتها.. وهناك جهود تبذل من قبل الهيئة في هذا الشأن، وكما يوضح قانون الآثار أن التراخيص الخاصة للعمل في هذا المجال يصدر فقط من قِبل الهيئة وموافقتها وفقا لما تحدده الهيئة وحدها.


اليوم معالم عدن الأثرية تتعرض للطمس والضياع وتغيير طبيعتها التي صممت من أجلها لخدمة مجتمع عدن ولا زالت صهاريج عدن إحدى أهم هذه الأمثلة التي أضحت عرضة لأعمال البسط واستحداث أعمال البناء وجرف التربة وتغيير طبيعة هذا المعْلَم، ولم يقتصر الأمر على هذا النحو، بل تعدّاه ليصل إلى متحف الصهاريج الذي بني عام 1930 وتحويل المتحف إلى مسكن وحتى الحديقة لم تسلم من أعمال البسط والبناء. الأمر مريع جدا ويحتاج إلى وقفة جادة جنبا إلى جنب مع الهيئة العامة للآثار وقيادتها وموظفيها لتعزيز دورها وقدراتها. المعلم يجب أن يعود إلى جهة الاختصاص وتحت إشرافها، كما إن هناك معالم ومواقع أخرى طالتها أعمال البسط والهدم ولازال الوعي بذلك منعدما للأسف حتى على مستويات مختلفة من مسؤولي الدولة أنفسهم أو المنتسبين لها.

المسألة تتعاظم، ومن الواجب التصدّي لها دون انحياز إلا للقانون والمصلحة العليا لأبناء هذه المدينة بالذات التي تحتضن كل هذا التاريخ والحضارة والتراث الذي تحمله وهو شيء مهم للأجيال لتتعلمه ومعرفتها به. وهو رافد سياحي حقيقي يجب أن يعزز ويتم الحفاظ عليه، ولتستغل موارده في بناء متحف حقيقي لمدينة عدن الحبيبة ويتم تأمينه بكل وسائل التقنيات الحديثة.

القضايا متعددة، وتحتاج إلى رؤية.. وأجزم أننا جميعا كمجتمع عدني يجب تحقيقها وهو موجود في طموح أبناء عدن ومحبيها.. قيل: من لا تاريخ له لا وجود له. ونحن نملك هذا التاريخ الحقيقي وعلينا الحفاظ عليه.

القانون هو إلزام للجميع دون استثناءات فالجميع متساوون أمام القضاء، وتخصيص شرطة للآثار مهم وتأهيلهم معرفيا ومعدات خاصة بأعمال الترميم والتنقيب.

لقد حاولت من خلال هذا المقال إبراز غيض من فيض من المعوقات والسلبيات والمظاهر المخالفة للقانون وعيوب التداخل وعدم التنسيق بين مختلف الجهات.. وعلينا أن نؤكد على قضية مهمة وهي أن وجود دولة بمؤسساتها أمر ملّح ومطلوب حتى تتمكن من العمل ولو في الحدود والإمكانيات المطلوبة في ظل ظروف معقدة.

في الأخير أوّجه التحية لكل من يعمل بشكل جاد، ونأمل أن يعود نشاط الهيئة العامة للآثار والمتاحف في عدن كجهة حكومية مختصة في الشأن الآثاري والتراث والتنقيب وتطوير الأداء والتنسيق مع الجميع وفقا للقانون وأحكامه.

* المستشار القانوني في ديوان الهيئة العامة للآثار والمتاحف - عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى