حرب اليمن في فصلها الأخير مؤشرات ودلائل

> صلاح السقلدي

> أصبحَ من المؤكد أن الحلف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية باليمن والذي يخوض حرباً متعثرة في هذا البلد المنهك قد صرفَ نظره تماما عن هدفه الرئيس المُعلن من هذه الحرب ليلة 27 مارس 2015م، وهو إسقاط السلطة اليمنية بصنعاء "الحركة الحوثية وحزب الرئيس السابق صالح" واقتحام العاصمة صنعاء لاستعادة سلطة الرئيس اليمني المؤقت منصور هادي.. فبعد خمسة أعوام من حربٍ مدمرة أنهكت اليمن وجعلته بلد يقبع تحت درجة الصفر في كل المجالات، وشتى الصُعد أتت الرياح بما لا تشتهيه السفن الخليجية التائهة، فضلاً عن استنزاف خطير لإمكانيات وطاقات الدولتين "السعودية والإمارات" مالياً وماديا وعسكريا، وأخلاقيا أيضاً!.

فما يجري باليمن على الأرض، وما يدور خلف الكواليس السياسية وأمامها منذ أيام يشير بجلاء إلى أنّ هذا التحالف قد عقدَ العزم على الخروج بهدوء دون صخب من الورطة التي وجد نفسه يغوص فيها بأعماق رمال اليمن المتحركة.

فهاهي الإمارات تشحن جزءاً كبيراً من عتادها العسكري الثقيل ظهيرة يوم الأحد 6 أكتوبر الجاري في ميناء مدينة عدن جنوباً، على طريق مغادرة المدينة واليمن عموماً وجنوبه على وجه التحديد، بعد ساعات فقط من تسلم قوات العميد طارق صالح - نجل شقيق الرئيس السابق صالح - المدعوم إماراتياً لمواقع عسكرية إستراتيجية بالساحل الغربي من يدِّ ألوية عسكرية جنوبية محسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحظى هو الآخر بدعم إماراتي، وإعادة هذه الألوية إلى عدن ومحافظات مجاورة لها في ظل استمرار التوتر بين القوى العسكرية الجنوبية وقوات السلطة اليمنية المسماة بالشرعية النازحة بالرياض بعد خسارتها للعاصمة الثانية عدن!.

وهاهي السعودية من جهتها تسحب عدداً من قواتها العسكرية من محافظة شبوة الجنوبية - الغنية بالنفط - التي شهدت بالأسابيع الماضية قتالاً دامياً بين قوات السلطة اليمنية المدعومة سعودياً وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، في وقت انخرط فيه مسئولون سعوديون بالأيام الماضية بالحديث عن هدنة عسكرية مع الحركة الحوثية، وتقديم الحل السياسي عن العسكري، بحسب ولي العهد بن سلمان.

هذه الخطوات والمراجعة العسكرية وغيرها من الإجراءات التي تجري تباعاً لم تكن فقط ردة فعل مباشرة للنكسات الأخيرة التي تعرضت لها السعودية بالأيام الأخيرة - كالهجوم العسكري الضخم الذي تعرضت له شركة أرامكو، والهزيمة الماحقة التي طاولت عدة ألوية سعودية ويمنية موالية لها بجنوب المملكة - كما يعتقد البعض. صحيح أن هذه النكسات سرّعتْ من هكذا خطوات وانسحابات وجعلت صانع القرار السعودية يتخلى عن لغة الاستعلاء والتمنّع عن لغة السلام، وبدأ يستخدم مفردات تصالحية وخطاباً إعلامياً ناعماً مع الحركة الحوثية، لكن قرار سحب القوة الكبرى للدولتين قد ظهرت ملامحه تبدى بوضوح منذ قرابة عام تقريباً، وبالذات منذ بدأت الإمارات تتململ مِن رتابة الوضع على الجبهات ومِن ما تعتقده تثاقل عسكري متعمد تتّبعهُ جهات داخل السلطات اليمنية الموالية للتحالف، وتتبرم من الدعم العسكري والسياسي المالي السخي الذي تقدمه السعودية لحزب الإصلاح "إخوان اليمن" برغم تصنيف الدولتان له كحزب إرهابي، وعدائه الصريح للإمارات بالآونة الأخيرة.

ومع كل ما نراه من تراجع ومراجعات سعودية إماراتية شاملة لوضعهما باليمن، ومن انتصار عسكري وسياسي تحققهما الحركة الحوثية إلّا أنه من الضرورة بمكان الإشارة إلى أن أي انسحاب عسكري سعودي إماراتي لن يكون كاملا، فستحتفظان بأذرع عسكرية لهما، ففوق أن الدولتين ستعتمدان على ولاء القوات اليمنية المحلية التي تم تأسيسها بالسنوات الأخيرة، فأنهما سيحتفظان بقدر كافي من قواتهما للحفاظ على النفوذ السياسي والاقتصادي الذي تحققا لهما والذي تكرسانه يوماً إثر يوم وتحفظ لهما هذه القوات مجتمعة تحقيق أطماعهما على الأرض والذي بدأت "الأطماع" واضحة من محافظة المهرة شرقاً حتى الحُديدة غربا، مروراً بميناء عدن الإستراتيجي والجُزر والمضائق المنافذ البحرية والبرية الحيوية. وبالتالي فلا يمكن الجزم بأن السعودية والإمارات قد خسرتا الحرب باليمن خسارة كاملة - وإن كانتا فعلاً لم تحققا شقها العسكري، وتعثرتا بإيجاد قوة شعبية وحزبية وقبَلية واصطفاف سياسي موالي لهما - فالدوليتين ترسخان وجودهما على الأرض دون هوادة، مستغلتا حالة التمزق باليمن شمالا وجنوبا، واستفحال العصبيات والصراع الجهوية والطائفية؛ للظفر بأطماعهما برغم سمة الإخفاق الشاملة التي تتملكهما!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى