مهرجان الوفاء العدني

> د . محمد فيصل باحميش

>
د. محمد باحميش
د. محمد باحميش
* ضبطتُ إحداثيات المكان ، على مقياس الوفاء الإسماعيلي ، فقادتني إلى مكان وقفت فيه مشدوهاً ، إذ رأيتُ رجالات العمل الأكاديمي ، ورجالات الصحافة والإعلام ، والسياسة ، ورجالات الأمن المجتمعي بمختلف انتماءاتهم وخلفياتهم الأيدلوجية، فقلتُ : لعلك أخطأت الهدف وتاهَ سهم إحداثياتك بعيداً! فبقيتُ أحدق في جنبات القاعة إلى أن وقعت عيني على بنار التأبين الإسماعيلي، فأدركت عندها أنني أصبت كبد الحقيقة وبأنني أمام هامة وطنية سامقة استطاعت أن تعيد اللحمة العدنية وتذيب فوارق الانتماءات الجليدية.

* في مهرجان تقاطعت فيه المتناقضات ، إذ اختلطت فيه دموع الألم بابتسامات الفرح ، وامتزجت فيه أهازيج الاحتفاء ، بتراتيل الخشوع والندم ، والتقت فيه عراقة التاريخ بعبق الحاضر ، ففيه تاهت أفكار من تحدث وخانته قدراته الكلامية والتعبيرية ، فأمام العدل الإسماعيلي قد تمنعت الكلمات عن الخروج ، وأبت الأحرف أن تتشكل في قنوات النطق ، فقد خشاه المهاجم بالأمس، وها هي قواميس اللغة ومفرداتها تخشاه اليوم وتعلن عصيانها وتأبى التشكل والانصهار.

* إذا كانت الفراشات تتقاطر على مصدر النيران ، لإنهاء حياتها ظناً منها بأنها مصدر الإلهام ، وسبيل النجاة ، فإن نُخب المجتمع بكافة أطيافه ومشاربه قد تقاطرت من كل حدب وصوب على مصدر الإلهام الاسماعيلي لتتزود من قاموسه مفردات التحدي والإصرار وترتشف من معينه الزلال معاني القوة والمثابرة والتمرد على ثقافة الانكسار.

* كشف هذا المهرجان التأبيني عن تغيير في قواعد ضرب الأمثال ، وآليات إسقاطه! فإذا أردت أن تتحدث عن الحب ، وترسم مساراته القيمية وعلاقاته الغرامية فلا داعي بأن تستعرض تجربة (روميو وجوليت) ، أو (قيس وليلى) ، وإنما يكفيك فقط أن تفتش في إرشيف حفل تأبين الأسطورة (عادل) وتلتقط ما أردت من صور الحب والعشق والوفاء العدني لهذه الشخصية، فتلك المشاهد تصلح أن تترجم إلى رواية رومانسية بعنوان (عادل والحب العدني).

* بحكم الحدود الزمانية والمكانية التي منعتني من مشاهدة السحر الإسماعيلي وهو يتجسد كعصا موسى ليلقف العقول ويسلبها قوامها ، إلا أن هذا المهرجان قد أبان تلك الأسرار الجمالية لذلك المعدن النفيس، فهو لم يكن لاعباً استثنائياً غير في موازين الحركة الرياضية، بل أماط اللثام عن رياضي إنسان ، تخطت إنسانيته الحدود المتعارف عليها ، ليرسم أجمل اللوحات الفنية الإنسانية ، في معاني الوصل والتواصل التي غرد بها خارج سرب الأقران.

* نم يا عادل قرير العين في قبرك ، فإن كان رجال الدولة قد تنكروا لأدوارك الوطنية ، وغضوا الطرف عن إنجازاتك الإبداعية فإن الله قد أبدلك حب الجماهير العدنية فهي لن تتوقف عن التغني بتاريخك ، ولن تكف ألسنتها عن الاستمتاع ، في سرد سيرتك ، فإن مالت القلوب عن قبلتك فآثارك الإيجابية سترشدهم إليك وتدلهم على عبق ماضيك وحاضرك.

* أخيراً كنت أتمنى أن تحظى بتلك اللحظات الحميمة ، وبتلك المقطوعة التكريمية الخالدة، وأنت لا زلت تتنفس هواء الإبداع ، وتستنشق عبير التألق والتميز ، حتى تستمتع بذلك العشق العدني وتقف على قيمتك الجمالية فيه ، وتستمع إلى العبارة الأجمل (أفنى عمره في خدمة الوطن) ، فهل يا ترى ستخرج هذه العبارة من قاموس الأموات إلى قاموس الأحياء أم أنها ستظل كذلك؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى