عائدة.. نموذج لكفاح المرأة العدنية

> تقرير/ وئام نجيب

> تعيل أسرتها بطباخة بعض الأكلات العدنية الخفيفة
"ما يهمني هو أن ينام أطفالي شبعانين" عبارة قالتها المواطنة عائدة، إحدى أبناء العاصمة عدن، بينما كانت تشير بيدها إلى المقلى الذي تحضر فيه بعض الأكلات العدنية المعروفة كـ(المدربش، والسبموسة، والباجية، والكاتليس، والبطاط الحُمر والكاري).
وتعتمد عائدة (ثلاثينية العمر) على ما تتحصل عليه من بيع هذه الأكلات كمصدر دخل رئيس لها ولأفراد أسرتها منذ سنين طويلة.

وتزايدت مؤخراً الأسر والعوائل العدنية التي باتت تعتمد على مشاريع صغيرة خاصة بها؛ لتحسين ظروفها المادية والمعيشية المتدهورة.
وتخلى الكثيرون من سكان المدينة، نتيجة الغلاء الذي طال جميع مناحي الحياة، عن العديد من الحاجات الضرورية، بعد أن تخلوا تماماً عن الثانوية منها.

عمل يومي
تقول عائدة، وهي تروي قصة كفاحها لـ«الأيام»: "اعتدت على الاستيقاظ مبكراً بشكل يومي عند السادسة والنصف صباحاً منذ 13 عاما لتحضير هذه الوجبات بواسطة الشولة الأرضية والمقلاية والأواني البسيطة الخاصة، وأستمر في العمل حتى الساعة الثالثة عصراً، فيما يقوم ولدي البالغ من العمر عشر سنوات بأخذ ما يتم تجهيزه والبدء بالبيع على سكان منطقتي في شعب العيدروس بمديرية صيرة (كريتر)، ويستمر بالبيع حتى يأتي وقت دوامه المدرسي، حيث تقوم ابنتي بإنابته في عملية البيع، وإذ ما اقترب وقت ذهابها إلى المدرسة هي الأخرى أواصل أنا عملية البيع حتى يعودان من المدرسة ليواصلا البيع، ومع هذا نصادف بعض الأحيان ضعفا في حركة البيع، فأضطر للتجول بالأكلات حول المنازل القريبة من المقبرة والحفيرة، وما تأتي الساعة الثامنة مساءً إلا وقد أنهكنا التعب والإرهاق، ولكننا نتحمل كل هذا في سبيل العيش، وسرعان ما نتوجه إلى النوم للاستعداد ليوم جديد".
الابنة وهي تعد رقائق السمبوسة
الابنة وهي تعد رقائق السمبوسة

وتضيف: "لا نعرف أي إجازات أو عطل، بل إنني لا أتوقف عن العمل حتى في حالات الولادة، حيث أمكث في البيت سوى أسبوع واحد فقط، لعدم وجود مصدر دخل آخر لنا غير العشرة الآلاف التي نتحصل عليها من أختي، ومع هذا نقول الحمد لله فقد اعتاد سكان منطقتنا على الشراء منا منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وهو ما مكنا من الاستمرار ودفع إيجار المنزل وتوفير بعض المتطلبات الضرورية للمنزل فقط".
المطبخ الذي تطهو به "عائدة" نظيفاً كما يبدو
المطبخ الذي تطهو به "عائدة" نظيفاً كما يبدو

الافتقار للأشياء الأساسية
وتشير عائدة إلى أنها لجأت إلى عمل رقائق السمبوسة وطباختها في منزلها بواسطة أدوات فرد العجينة (التختة والبيلم) بمساعدة ابنتها ذات 13 ربيعاً؛ لعدم مقدرتها على شرائها من السوق، مؤكدة في السياق خلو بيتها من غالبية الأساسيات الهامة.
وواصلت سرد قصة معاناتها لـ«الأيام» بالقول: "نحن في بداية فصل الشتاء والمنزل يخلو من الستائر، وظروفنا المعيشية صعبة إذ يعمل زوجي في (الحمالة) ويتفاوت ما يجنيه في اليوم الواحد ما بين 1500 ريال إلى 2000 ريال فقط، ثم أقوم بجمع مبلغه مع ما يعود علينا من بيع السمبوسة وغيرها من الأكلات ونشتري كميات بسيطة من الدقيق والزيت والبطاط، لتحضير وجبة اليوم القادم، وجزء منها نخصصه لدفع إيجار المنزل والمقدر بـ 35 ألف ريال، ونحمد الله بأن مالك المنزل يأخذ الإيجار منا بالتقسيط في حال تعثرنا في السداد كاملاً، أما عن وجباتنا فنتناول في اليوم الواحد وجبة والعشاء نأكل أي شيء، وبالنسبة إلى وجبة الغداء فلا أطهيه أبداً؛ بسبب انشغالي في إعداد الأكلات، وكثيراً ما يتغدى أولادي في منزل أهلي القريب منا"، مضيفة: "لدي ثلاث بنات وولد واحد، وهو مصاب بمرض السل، وقد حاولت معالجته ولكن سرعان ما يعود له، لكون مرضه وراثيا".

تقاسم البؤس والشقاء
وتتابع: "حالياً يقاسمني أولادي الشقاء والبؤس ويتعبون كثيراً، ولكن لا نقول إلا الحمد لله على كل حال، وأنا اخترت هذه المهنة ليكونا قريبين مني، وأنا فخورة بذاتي فلم أمد يدي لأحد وأعمل بشرف، وبرغم مما أعانيه أوصلت أبنائي للمدارس وهم متفوقون في دراستهم، وسوف أوصلهم إلى أعلى المراتب بإذن الله".
وأشارت عائدة في حديثها لـ«الأيام» إلى أن المقلاة التي تطهي فيها صغيرة ومنخفضة ولا تفي بالغرض، وهو ما يضاعف جهدها، فضلاً عن النقص في الأواني والمعدات اللازمة.. مناشدة فاعلي الخير والأيادي البيضاء والجمعيات الخيرية دعمها بتوفير مستلزمات الأكلات كالدقيق والزيت والبطاط، وتوفير أواني مناسبة وكبيرة لتتمكن من تطوير مشروعها.

وازدادت الأوضاع المادية والمعيشة بؤساً لدى غالبية أبناء المدينة منذ اندلاع الحرب عام 2015م، وما نتج عنها من تدهور في العملة وعدم انتظام صرف المرتبات لا سيما في السلكين المدني والعسكري وارتفاع سعر المواد الغذائية والاستهلاكية بشكل كبير جداً.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى