ما وراء إحلال القوات السعودية في مواقع نظيرتها الإماراتية بعدن؟

> مرتضى الشاذلي

>
منعطف جديد تأخذه التطورات في محافظات جنوب اليمن، ففي عدن، تحديدًا، تستلم قوات سعودية مطار عدن من نظيرتها الإماراتية، ويتزامن ذلك مع مفاوضات تجري في جدة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على قوات تتلقى منها التمويل والتسليح والتوجيه والإرشاد.

ومع غياب الرؤية حول قوام القوات الإماراتية التي ستنسحب أو ستبقى في عدن، وما إذا كانت تحركات اليوم تعني إعادة انتشار داخل اليمن، تتبادر الأسئلة المُلحة حول احتمالات تمهيد هذه العملية لترتيبات أشمل لحل الأزمة اليمنية في ضوء التطورات الإقليمية الراهنة.

انسحاب أم إعادة تموضع؟
هذا التساؤل يفرضه تأكيد مصادر يمنية إحلال قوات سعودية محل القوات الإماراتية شريكة الرياض في التحالف العربي في مناطق إستراتيجية في عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، في خطوة يبدو أنها لتمهيد الطريق أمام اتفاق لإنهاء الأزمة بين الحكومة اليمنية المدعومة من الرياض والمجلس الانتقالي الجنوبي.

وتحدثت هذه المصادر على أكثر من جانب، فقد أفاد مسؤول يمني أن القوات السعودية تسلمت إدارة وحماية مطار عدن الدولي كاملاً من القوات الإماراتية العاملة ضمن قوات التحالف العربي، والتي بدأت الانسحاب من عدة مناطق مهمة بالمدينة الجنوبية والعاصمة المؤقتة للبلاد، وأوضح أن هناك ترتيبات لإعادة انتشار قوات سعودية في عدن لتكون بديلاً للقوات الإماراتية الموجودة فيها.

بحسب المصدر العسكري، فإن القوات السعودية ستنتشر في بعض المواقع الهامة بمحافظة عدن، مثل قصر معاشيق الرئاسي في حي كريتر بالمحافظة ومطار عدن وميناء الزيت التابع لمصفاة عدن وبعض القواعد العسكرية مثل قاعدة العند الجوية في لحج.

مصدر عسكري يمني آخر تحدت لوكالة "الأناضول" عن خطط الانتشار السعودية، وقال إنها بدأت منذ مساء الأحد، بنشر المزيد من القوات بعدد من المواقع الإستراتيجية في عدن، وأضاف أن الانتشار يأتي في إطار جهود لإنهاء النزاع القائم على السلطة بين الحكومة الشرعية وقوات المجلس الانتقالي المدعوم إمارتيًا.

وبحسب المصدر العسكري، فإن القوات السعودية ستنتشر في بعض المواقع الهامة بمحافظة عدن، مثل قصر معاشيق الرئاسي في حي كريتر بالمحافظة ومطار عدن وميناء الزيت التابع لمصفاة عدن وبعض القواعد العسكرية مثل قاعدة العند الجوية في لحج، لكن دون تقدير حجم القوات السعودية المنتشرة بعد استكمال عملية سحب الإمارات قواتها من عدن.

في السياق نفسه، تحدثت مصادر يمنية محلية في محافظة عدن لوكالة الأنباء الفرنسية عن تسليم بعض المواقع إلى قوات من السودان، الدولة العضو في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن منذ مارس 2015، ضمن ما أسمتها تفاهمات للإشراف على الوضع الأمني في عدن، بدلاً من القوات الإماراتية التي ظلت تضطلع بذلك لنحو 4 أعوام.

وفي إشارة إلى بدء عملية الإحلال، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين يمنيين أن السعودية نشرت الأسبوع الماضي المزيد من القوات، وأن قائدًا سعوديًا تسلم رسميًا المهام في المدينة الأسبوع الماضي، ما يسمح له بالإشراف على الأمن في المدينة وضواحيها.
المصادر قالت إن الإمارات أخلت بعض المواقع العسكرية من الآليات والمعدات العسكرية، ونقلت من المطار آخر تجهيزاتها من مولد كهربائي وأجهزة أخرى، إلى متن سفينة بميناء الزيت تمهيدًا لمغادرة المدينة، بعد إجلائها الخميس الماضي، 200 جندي من قواتها و60 دبابة و10 مدافع ذاتية الحركة من قاعدتها في مديرية البريقة غرب عدن. 

في الوقت الذي يعمل فيه التحالف على إنهاء صراع على السلطة بين الحكومة اليمنية والانفصاليين في المدينة، من المتوقع أيضًا أن يشهد مقر التحالف العربي بمدينة البريقة غربي عدن، عملية استلام وتسليم بين القوات السعودية والإماراتية.

وتؤكد هذه التصريحات الأنباء المتداولة الأسبوع الماضي عن سحب الإمارات بعض قواتها من مدينة عدن، فقد أكد مسؤولان لقناة "الجزيرة" أن رتلاً إماراتيًا من المركبات العسكرية صعد إلى ظهر سفينة عسكرية في ميناء البريقة النفطي قرب مصفاة عدن، وأن السفينة غادرت الميناء.

وفي الوقت الذي يعمل فيه التحالف على إنهاء صراع على السلطة بين الحكومة اليمنية والانفصاليين في المدينة، من المتوقع أيضًا أن يشهد مقر التحالف العربي بمدينة البريقة غربي عدن، عملية استلام وتسليم بين القوات السعودية والإماراتية، والتي كانت تشرف على الملف الأمني والعسكري في المدينة الساحلية.

الخطوة الأولى في اتفاق جدة
تأتي هذه التطورات وسط توقعات بقرب التوقيع على الاتفاق السياسي بجدة بين الحكومة اليمنية المدعومة سعوديًا والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا، وبحضور المبعوث الأممي مارتن جريفيثس وممثلين للدول الراعية، في حين لا يزال المشهد ضبابيًا حول مصير الوضع اليمني جنوبًا، ولا تزال عدن بيد "الغرباء".

وخلال الأيام الماضية، تلاحقت الأنباء حول مسودة اتفاق جدة الذي ترعاه السعودية لحل الأزمة بين الشرعية والمجلس الانتقالي، وتبدو أبرز مضامينها محصورة في بنود أمنية وعسكرية وسياسية وضمانات.

وتقضي مسودة الاتفاق بتشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفةً بين الشمال والجنوب واستيعاب المجلس المدعوم إماراتيًا ومكونات جنوبية أخرى في مؤسسات الدولة بحصوله على عدد من الحقائب الوزارية السيادية، بالإضافة إلى تعيين لرئيس حكومة جديد، وإشراك المجلس في المجالس المحلية والرقابة عليها ومفاوضات الحل السياسي الشامل.

وبحسب المسودة نفسها التي نشرتها "الجزيرة" سيتم دمج مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية (الألوية والنخب العسكرية والحزام الأمني) في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وتشرف السعودية على هيكلة قوات الأمن وإنشاء قوة أمنية محايدة لتشرف على الانتقال، كما تنص على تشكيل السعودية فريقًا سياسيًا في عدن للإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق.

ينخفض سقف التوقعات بنجاح هذا الاتفاق، خصوصًا أن عدن لا تزال بعيدة المنال عن الشرعية.
وفي إطار ما أسمته البند الأول من الاتفاق، قالت صحيفة "عكاظ" السعودية إن القوات السعودية تولت الملف الأمني بشكل كامل في عدن، وستتسلم ميناء عدن وبقية المؤسسات السيادية خلال "الساعات القادمة"، كما جرى الاتفاق -حسب الصحيفة- على أن تورد كافة المحافظات اليمنية إيراداتها إلى البنك المركزي في عدن.

ويؤكد ما نقلته الصحيفة السعودية حول اتفاق جدة أن الشرعية باتت تصارع كل الأطراف بمن فيهم الحلفاء أنفسهم، وهو ما يعني أن ثمة غائبا يحضر بقوة هنا، وهو عبدربه منصور هادي الرئيس اليمني الذي يعارض بل يرفض المجلس الانتقالي، والذي عبَّر عن خذلانه ممن أسلمه أمور بقائه ومصير الشرعية التي يمثلها.

مع ذلك، ينخفض سقف التوقعات بنجاح هذا الاتفاق، خصوصًا أن عدن لا تزال بعيدة المنال عن الشرعية، وعن الأمن الذي تنشده منذ طرد جماعة الحوثي، فهل سينتهي مطاف الانتقالي برفع علم الجمهورية فوق المؤسسات والإدارات الحكومية والعمل تحت لافتة الشرعية أم أنه سيضع رجلاً مع الشرعية وأخرى مع الانفصال؟

حين تتبدل الأدوار في جنوب اليمن
إلى جانب التحركات السعودية الإماراتية، تتسارع التطورات في جنوب اليمن، فقد وصل 6 وزراء الحكومة إلى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت قادمين من السعودية، وسط توقعات عن عودة رئيس الوزراء إلى المكلا، في إطار ترتيبات تُجرى لاستئناف الحكومة أعمالها من المناطق المحررة.

وفي حين اعتبرت بعض الأنباء المتداولة أن السعودية تطمس آخر معالم الإمارات في عدن، دافعت أخرى بقولها إن انسحاب الإمارات ينسف المزاعم التي روجت أن لها أجندة خاصة في اليمن، إذ تؤكد هذه الخطوة تنسيقها الكامل مع السعودية في إطار التحالف لمواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، بحسب ما ذكر موقع "إرم نيوز" الإماراتي.

وفيما يتعلق برؤية اليمنيين -سواء في الحكومة الشرعية والقوى السياسية- لعملية إحلال القوات السعودية في مواقع القوات الإماراتية في عدن، أكدت عدد من القوى الجنوبية اليمنية رفضها لما اعتبرته "إعادة تبادل الأدوار بين الرياض وأبوظبي"، وهددت القوى الجنوبية بمواجهة هذه التحركات.

الشرعية تمضي عزلتها دون سلطة أو قرار أو أرض
وعبَّرت العديد من القوى الجنوبية رفضها لما وصفته بـ "انتهاك وسلب إرادة شعب الجنوب، وأنه ليس من حق الفصائل الموقعة على اتفاق جدة تمثيل أبناء المحافظات الجنوبية، كما رفضت أي "تواجد أجنبي في محافظات الجنوب وكل مشاريع وتحركات تحالف العدوان على الأرض"، التي جاءت ترجمة لاتفاق جدة وما نتج عنه من تفاهمات غير معلنة بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي.

بحسب مراقبين، فإن ما تضمنته المسودة -إن صحت- يشير إلى أنها حجَّمت المجلس الانتقالي ونقلته من مربع حق تقرير مصير دولة إلى الاكتفاء بمكسب بعض الوزارات في حكومة هادي، لكن ما تقوله شواهد اللحظة اليمنية يمضي عكس ذلك تمامًا، فقوات المجلس الانتقالي تستلهم خطواتها من تجربة نظيرتها في صنعاء، ولا ينحصر ذلك في الانقلاب وممارسة الضغوط على الشرعية بل في ممارسة الانتقالي لملاحقة وتصفية خصومه ومعارضيه في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرته.

في المقابل، تمضي الحكومة الشرعية عزلتها الحقيقية دون سلطة أو قرار أو أرض، فهي منذ خروجها إلى الرياض ظل قرارها مرهونا للمزاج السعودي، ما يعني أن ستخضع في كل مفاوضاتها لتسوية عرجاء تفضي في كل الأحوال لتآكل شرعيتها وتلاشي فكرة استعادة الدولة.

ويذهب العديد من اليمنيين إلى أن ما يحصل هو "مؤامرة" سعودية إماراتية لتمكين القوات الانفصالية التابعة لبعض القوى الجنوبية من عدن وبعض المناطق، ليتسنى لهم فصل الجنوب عن الشمال، ولكن بصورة دراماتيكية لا تُظهر أن للرياض دور في ذلك خاصة، وأنها تدعي أنها دخلت الحرب على اليمن من أجل إعادة الشرعية والحفاظ على وحدة البلاد، وهذا ما يتنافى مع أهدافها وخططها في اليمن.

وينظر متابعون لهذه الخطوة على أنها السبيل لتقوية نفوذ السعودية والإمارات في جنوب اليمن عبر ما أسموها بخطة إعادة التموضع علنًا، وفي باطنها تقاسم للثروات والجغرافيا، وفي ظل تغييب حوار جدة لملفات مهمة أبرزها القضية الجنوبية والضمانات الخاصة بالحفاظ على الوحدة اليمنية تحضر التخوفات من أن يمهد الأمر لمشروع تجزئة وتقسيم البلاد.

من جهة أخرى، ربما قررت السعودية توحيد القوات وراء هادي قبل الرد على عرض من جماعة الحوثي بوقف استهداف السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة إذا أوقف التحالف الضربات الجوية على اليمن، وهو العرض الذي اعتبرته إيران "إيجابيًا".

هل تراجع نفوذ أبوظبي لصالح الرياض؟
في عدن، يُراد للسعودية أن تتأقلم، فثمة تغييرات دراماتيكية وُصفت بـ "القاسية" تركتها وحيدة في باحتها الجنوبية، فالإماراتيون المنسحبون من اليمن تدريجيًا ذهبوا أبعد من ذلك حين فتحوا قنوات اتصال مع إيران، وبهذا تنأى أبوظبي عن ساحة ملتهبة كانت فيها شريكًا للرياض، ما يطرح علامات استفهام عديدة عن مألات الأزمة اليمنية.

على أن الاستدارة الإماراتية التي تبدو سلسة وغير متعثرة ربما لا تكون على الشاكلة نفسها بالنسبة للسعوديين الساعين لبدء حوار مع إيران، فثمة تركة ثقيلة ينبغي التعامل معها للخروج بما يصفه كثيرون بـ "ماء الوجه على الأرض".

ثمة ترتيبات جديدة في اليمن ربما يكون من ضمنها العودة إلى الوراء وتأمين الحدود وطلب الحماية من الأمريكيين لإرسال آلاف الجنود للدفاع عن الأراضي السعودية فيما لو هُددت بتكرار سيناريو أرامكو مجددًا.
يُضاف إلى هذا أن الرياض وكما يبدو فإنها تتحرك لملء الفراغ الذي خلَّفه الحليف الإماراتي بعيدًا عن المظلة الدولية، وإذا تأكد هذا فإنه يعني أنها تريد إغلاق الملف اليمني بأسرع ما يمكن للتفرغ لملفات أخرى، وهنا يبدو السؤال الأكثر إلحاحا: هل يمثل هذا بداية الانسحاب المتدرج؟

ربما، فالرياض التي ضُربت في مقتلٍ بقصف الحوثيين لمنشآت أرامكو النفطية تجد نفسها وحيدة بعد الانعطافة الإماراتية باتجاه إيران بعيدًا عن حليفتها السعودية التي قاسمتها المواقف النارية والتحركات الميدانية ضد ما تصفانه بـ "تهديدات" إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة، ومنهم الحوثيون.

يتزامن هذا مع ما يُوصف بـ "الفتور" الأمريكي لخوض حرب بالوكالة مع طهران بالنيابة عن الرياض، وهو ما دفع السعودية، بحسب محللين، لمراجعة الحسابات ومحاولة التأقلم مع واقع لا تستطيع المملكة السيطرة عليه تمامًا.

هنا لا بد من تراجع وتنويع الخيارات، وهو ما يؤكد مناصرو السعودية أنه يجري على قدم وساق، وتشير إليه زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأولى للرياض منذ 12 عامًا، وربما وجد خلالها الطرفان طريقًا من قناتي السلاح والنفط.

علاوة على ذلك، ربما كانت إيران حاضرة بقوة في الاجتماع، ومن المرجح بحسب الصحفي ألكسندر براتيرسكي في مقال بصحيفة "غازيتا" الروسية أن تكون قضية التواجد العسكري الإيراني داخل سوريا من المواضيع التي طُرحت على طاولة المحادثات بين السعوديين وبوتين الذي أشار في بيانه إلى الحاجة إلى مغادرة القوات الأجنبية جميعا دون استثناء.

وكما في سوريا، ثمة ترتيبات جديدة في اليمن ربما يكون من ضمنها العودة إلى الوراء وتأمين الحدود وطلب الحماية من الأمريكيين لإرسال آلاف الجنود للدفاع عن الأراضي السعودية فيما لو هُددت بتكرار سيناريو أرامكو مجددًا.

"نون بوست"​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى