من الرياض إلى أنقرة.. الفاعلين الإقليميين المؤثرين في أزمة اليمن

> أمل مدحت عبد الحميد

> الحرب في اليمن غيرت التوازنات الإقليمية في المنطقة، بل وكشفت عن تحالفات إقليمية جديدة، إذ إن السعودية التي كانت تخشى من تزايد السلطة الإقليمية لإيران والثقة الدولية فيها كانت قد أفحمت غالبية الدول الأعضاء بالجامعة العربية ومن بينها: مصر وقطر والإمارات العربية والأردن في صراعها السياسي والعسكري، وقامت بإرسال مبعوثيها لكل من باكستان وتركيا على وجه الخصوص للتوصل لتكوين تحالف استراتيجي فوق إقليمي لمواجهة الحوثيين في اليمن والجمهورية الإيرانية، من جانب آخر لم تجن تركيا- صاحبة القوة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط- من وراء تطورات الشرق الأوسط سوى الفشل الدبلوماسي والاستراتيجي في كل من سوريا ومصر والعراق، وفي الأيام الأخيرة، تركزت سياساتها واهتماماتها الخارجية نحو التطورات اليمنية، وتقديم الدعم اللوجيستي والمخابراتي للسعودية.

فمواقف إسطنبول متماشية مع مواقف الجمهورية الإيرانية تجاه إنهاء الحرب في اليمن والداعية إلى ضرورة الحوار بين الطرفين للتوصل لحل سلمي للأزمة، فالأحداث الأخيرة في المنطقة وخاصة حرب اليمن تشير إلى أن تركيا تتعامل بالاستراتيجية المرحلية تجاه التطورات الحادثة وليس لديها أي برنامج محدد للدخول في لعبة التحالفات والائتلافات الإقليمية، أن أردوجان يسعى بدعمه للحرب ضد الحوثيين إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية بالقول إن "اليمن مرتبطة الآن بالعثمانيين"، وعلى الرغم من أن هذا الادعاء فكري وبعيد المنال إلا أنه يُظهر طموحات حكومة العدالة والتنمية ورؤيتها لتطورات العالم الإسلامي وفي ظل هذا الادعاء ونتيجة لفشل سياساته الإقليمية في المنطقة في أعقاب تطورات الربيع العربي، فإن أردوغان كان قد سعى من أجل تكوين تحالف استراتيجي بينه وبين الدول العربية والمملكة العربية السعودية للقيام برد فعل تجاه الصراع الداخلي اليمني، وذلك بعيدا عن اللجوء لاستخدام سياسة الجانب الأوحد والصديق وبالتالي يتمكن من استمرار تقديم دعمه المالي والفكري بعد حل الأزمة اليمنية، في المقابل أعربت تركيا عن نقدها للجبهة المعارضة للمملكة العربية السعودية، أي الجمهورية الإيرانية والحوثيين في اليمن، حيث تبنى أردوجان موقفا معاديا لإيران في اليمن واتهامها بأنها تسعى للسيطرة على العراق بعد انسحاب داعش منها، وأنه من الضروري أن تتوقف إيران عن تدخلاتها في كل من سوريا والعراق، إن السياسة التركية تجاه التطورات اليمنية تنبئ عن تغير في موقع الحلفاء الإقليميين لهذه الدولة والتي اتضح من وجهة نظر إيران أنها تسعى لحلف استراتيجي مع الدول العربية بمنطقة الخليج.

فيما يخص المواقف التركية لدعم التحالف السعودي والمواجهة مع محور إيران فمن هنا طرح خبراء بقضايا الشرق الأوسط بعدين، البعد الأول: البعد النفسي لسياسة أردوجان، فقد اتهم أردوجان- الذي يعتبر إيران السبب في فشله في سوريا والعراق- إيران بعصبية التدخل الواسع لدعم الجماعات الشيعية في اليمن ضد حكومة هادي، وقد قال أردوجان في أحد تصريحاته التي تعكس اتجاه المضاد لإيران "إن إيران تسعى فعليا للسيطرة على المنطقة وإن استراتيجيتها الإقليمية قد أزعجت الكثير من دول المنطقة ومن بينها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول منطقة الخليج، وهذا الأمر لا يمكن تقبله بالكاد وينبغي علي إيران أن تسحب كافة قواتها من العراق واليمن وسوريا"، فإن الضرر النفسي من سيطرة ونفوذ إيران جعل الاستراتيجية التركية تتماشى خطوة بخطوة مع استراتيجيات دول منطقة الخليج، البعد الثاني: سعى أردوجان من أجل الحصول على دعم مالي لحزب العدالة والتنمية، فالاقتصاد التركي في الشهور الأخيرة يشهد حالة من الهبوط خاصة في ظل عدم الاستقرار في المنطقة والاضطرابات الداخلية، وفي ظل هذه الظروف فإن رأس المال الخليجي من الممكن أن يقوم بدور محوري في توفير الاحتياجات المالية التركية، وهو ما سيؤدي إلى استقرار أسواق المال بهذه الدولة من الناحية السياسية في ظل إقامة تحالف استراتيجي مع المحور السعودي فإن أردوجان يأمل في أن يغير ملك السعودية من سياساته تجاه الإخوان المسلمين وفي النهاية سيتمكن عبر هذا الدعم من أن يستأنف تدخله مرة ثانية في القضية السورية.

الفترة السابقة شهدت تصعيدا جديدا علي الساحة الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية في ظل اتساع مساحة الخلافات حول التعامل مع الأزمات الإقليمية المتعددة، بدءا من سوريا مرورا بالعراق ولبنان وفلسطين وانتهاء باليمن، فعاصفة الحزم التي شنها التحالف الإقليمي بقيادة المملكة العربية السعودية ضد مواقع الحوثيين وحلفائهم في اليمن، تتمثل في أنها ساهمت في تحديد مسارات الصراعات وخريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة، خاصة في ظل تطلع قوى إقليمية جديدة إلى دعم حضورها الإقليمي في المنطقة والتحول إلى أرقام مهمة في أزماتها وانشغال الولايات المتحدة بالانسحاب من مناطق الأزمات والصعود الصيني واتجاه روسيا إلى إعادة صياغة سياستها إزاء التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، أن قرار مجلس الأمن الذي أصدره لالتزام الصمت حيال عاصفة الحزم والذي يشمل على المشروع العربي لحظر تسليح حركة "أنصار الله" اليمنية وفرض عقوبات على الحوثي ونجل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، لم يؤثر سلبا على حل الأزمة فقط وإنما من شأنها زيادة التوتر في اليمن، ولكن بصدد قرار مجلس الأمن تعددت توجهات مختلف القوى الرئيسية في العالم، فكانت الصين ترفض الحل العسكري وتدعم تسوية الصراع في اليمن، فرنسا كانت تطرح الضغط على العناصر المعرقلة للتفاوض في اليمن، من ناحية أخرى كانت إيران والدول الإسلامية تسعى وراء الوصول لتسوية سياسية لوقف الحرب وكانت تدعو تركيا وباكستان للإحجام عن الانضمام إلى التحالف العربي ضد اليمن، فمن ناحية أخرى فإن الدول الإسلامية كانت تعكف عن تقييم النتائج المباشرة لعواقب الحرب في اليمن حتى تتمكن من تفعيل مشروع دبلوماسي تقبل به جماعة "أنصار الله" ويحفظ في الوقت نفسه للسعودية مصالحها، أيضا كشفت مصادر مطلعة عن سعي دول عربية بينها مصر للتعاون مع الجماعات الإسلامية الإقليمية ذات الصلة بالأزمة اليمنية وذلك بعد فشل مساعي الجزائر وعمان، وعبر توجهات الدول العربية والإسلامية تطالب السعودية بوقف القتال في اليمن والبحث عن حلول سياسية لأن مساعي المملكة لاستدراج الدول المتحالفة معها إلى الائتلاف العربي باءت بالفشل ولذا تطالب الدول العربية بالبحث عن حلول للخروج من المستنقع اليمني لأن السعودية لن تستطيع الاستمرار في الحرب دون تركيا ومصر وباكستان واستمرار الحرب لن يكون في صالحها.

إن المستجدات التي حدثت على الساحة اليمنية دفعت المملكة العربية السعودية إلى إعادة النظر في الدور التي تلعبه سواء الدور الإقليمي أو الدور العربي- القومي، فبصدد أهم الثوابت الخارجية السعودية تتحرك على ثلاثة مستويات: المستوى الدولي باعتبار أن المملكة العربية السعودية "قوة نفطية"، المستوى الإقليمي وهو لعب دور الموازن الإقليمي مع بقية اللاعبين الإقليميين الآخرين، المستوى العربي- مستوي شبه الجزيرة العربية، وهو أن تتمتع المملكة العربية السعودية بقدرة نوعية وتحظى بقبول رسمي وغير رسمي من جانب بقية أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي واليمن، ومن هنا يتضح أن المملكة حريصة دوما على حفظ وحماية "نفوذها"، وأنها لهذا السبب ترى أن أي تحرك من جانب أي دولة يكون هدفه الحد من هذا النفوذ بمثابة تحدٍ وربما تهديد لها، ومن هنا نتطرق إلى الرؤية السعودية للتطورات اليمنية وهو بدافع حفظ النفوذ السعودي وإعمال الحيطة والحذر من جانب آخر، فاليمن تمثل تحديات للسعودية من عدة نواحي، أولا: النظام الجمهوري اليمنى والبناء الاجتماعي اليمنى: فإن السلوك السعودي لا يسمح بوجود أي قوة أخرى إقليمية عربية يكون من شأنها التأثير على النفوذ والمكانة السعودية، ثانيا: وحدة اليمن: التي تمت في عقد التسعينات خلقت منافسا كبيرا للسعودية وبالتالي ظهور وميلاد جمهورية يمنية في ستينات القرن العشرين كان سببا مباشرا لظهور وخلق أجواء عدم الثقة في التعامل مع المملكة السعودية، ثالثا: الحدود الجنوبية الغربية السعودية مع اليمن المتمركزة في محافظات نجران وجازان وعسير، وتعتبر هذه الأراضي سببا للصراع والنزاع الثنائي السعودي اليمني الذي تحول لدرجة وقوع معارك حربية بين الطرفين، فترسيم الحدود بين السعودية واليمن كانت بصدد اتفاقية الطائف المُوقعة عام 1934 حيث نجحت السعودية في كسب صف نائب علي عبدالله صالح بأن يغض بصره عن المطالبة بالمحافظات الثلاث في مقابل المساعدات الاقتصادية السعودية، أيضا هذه المناطق الحدودية بمثابة مناطق اضطرابات أمنية ودائمة فضلا عن كونها مصدرا لعمليات تهريب السلع والبضائع والبشر أيضا، فكانت السعودية لديها مخاوف حقيقية مرتبطة بهذه الأراضي على صعيد الاضطرابات الأمنية والاقتصادية، رابعا: تنظيم القاعدة: فتعتبر اليمن هي واحدة من القواعد المهمة لأعضاء وكذلك لأنشطة تنظيم القاعدة في منطقة الشرق الأوسط، مع ضعف وعجز الحكومة اليمنية في حل المشكلات الاقتصادية والأمنية ومواجهة عناصر تنظيم القاعدة خاصة مع ازدياد نشاط التنظيم في الفترات الأخيرة، باتت المملكة متخوفة من العودة إلى حالة التفجيرات أو تتحول حدودها مع اليمن إلى ملاذ آمن لزيادة ونمو ومن ثم تصدير نشاط بل ونموذج تنظيم القاعدة إلى داخل كل الجزيرة العربية، خامسا: استكمال الهلال الشيعي: من أكبر مخاوف المملكة هو أن تصبح اليمن بمثابة جزء آخر مكمل لدوائر التنافس الإيراني السعودي في منطقة الجزيرة العربية، فمن وجهة نظر المسئولين السعوديين أن التحركات الأخيرة في اليمن تحمل في داخلها مقدرات حقيقية من شأنها أن تستكمل جزءا آخر من الهلال الشيعي إلذي صار يحيط بها.

"من دراسة نشرتها الباحثة في المركز الجزائري للدراسات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى