الإصلاح يبدأ من الخدمة المدنية!

> قد لا نتصور الفساد الكبير الموجود في أروقة الخدمة المدنية وسجلاتها وقواعد بياناتها إلا حين نكتشف حجم الخسائر المالية الباهظة التي تتكبدها الخزينة العامة للدولة وتدفع كمرتبات لأصحاب الازدواج الوظيفي.

والغريب في الأمر أن وزارة الخدمة المدنية والتأمينات تتخذ بين الفينة والأخرى بعض القرارات الصائبة والضرورية لمعالجة ظاهرة الازدواج الوظيفي وغيرها من الاختلالات، لكنها بالأخير تذهب أدراج الرياح ولا نعلم ما الأسباب التي تحول دون تنفيذها، وكان آخر تلك القرارات تعميم وزير الخدمة المدنية رقم "2" لعام 2019م المؤرخ بتاريخ 16/06/2019م والقاضي بإضافة الرقم الوطني المثبت في البطاقة الشخصية في كافة المعاملات الرسمية لمعالجة ظاهرة الازدواج الوظيفي!.

وإذا أردنا بالفعل أن نمضي قدماً في الإصلاحات ومحاربة الفساد وإرساء دعائم دولة النظام والقانون؛ فلابد لنا من إصلاحات جذرية ومعالجة مختلف الاختلالات في دهاليز الخدمة المدنية، فالإصلاح الحقيقي يبدأ من سجلات الخدمة المدنية ولنا في نيجيريا خير شاهد؛ فعندما فاز محمد بخارى مرشح المعارضة النيجيرية في الانتخابات الرئاسية في مارس 2015م كانت ظروف بلاده صعبة وتشبه إلى حد كبير ظروف بلادنا، وكانت تحتل المرتبة 136 في مؤشر الفساد العالمي، فما كان منه إلا أن اتخذ جملة من القرارات الإصلاحية كان في مقدمتها توجيهاته الصارمة للحكومة في ديسمبر 2015م بإطلاق "النظام الموحد للمعلومات الشخصية والمالية" للموظفين، وربط المرتبات بالبيانات الشخصية "بيومتريك" بحساب بنكي واحد للموظف، فاكتشفوا حينها ما يقارب من 24 ألف وظيفة وهمية مدفوعة المرتبات، وقد وفر هذا القرار المبالغ المالية التي كانت تدفع كمرتبات وساهم في حل مشكلة البطالة.

وأما في بلادنا فالأعداد هائلة جداً جداً وأنا على يقين تام أنه لو وجدت النية الصادقة وتم إصلاح وغربلة سجلات الخدمة المدنية لتجاوزنا العقبات وحللنا مشكلة البطالة التي تعصف بالبلاد، فنحن لا نعاني من الازدواج الوظيفي فحسب؛ بل إن هناك الكثير من الأسماء الوهمية والمنقطعين وحتى أن نسبة كبيرة من المغتربين العاملين في الخارج لديهم وظائف وتدفع لهم المالية مرتبات شهرية وكأنهم مداومون ويؤدون أعمالهم وينجزونها، وهذا يعد مخالفة واضحة للمادة 123 من تشريعات الخدمة المدنية والتي تنص صراحة: "يعتبر الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل لمدة عشرين يوماً متصلة بدون عذر مقبول"!.

وهنا أقولها بكل أسف إنه من غير المعقول أن يستمر حرمان خريجي الجامعات والمعاهد - وبالأخص المبرزين منهم - من التوظيف في حين تدفع الدولة مرتبات شهرية لمن لا يستحقها؟!.. وللعلم أن من يتسلم تلك المرتبات بدون جهد أو تعب ولا يؤدي عمله فإنه واقعٌ لا محالة بالحرام ومن غُذّي بالسحت فالنار أولى به، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى