تزايد لحوادث السرقة بعدن والمواطنون يعيدون الأمر لضعف الأجهزة الأمنية

> تقرير/ سليم المعمري

> محقق في البحث الجنائي: النزوح والفقر والفراغ لدى الشباب أهم أسباب الجريمة
 كثرت في الفترة الأخيرة حوادث السرقة في مدن العاصمة عدن، وخصوصاً في الأسواق المزدحمة. ويُعد الأطفال والنساء وكبار السن أبرز الضحايا لهذا الظاهرة التي باتت تؤرق الجميع لاسيما بعد أن لجأ الكثير من السرق لاستخدام الدراجات النارية، والسلاح إذا ما حاول الضحية استعادة ما سُرق منه.

وحمّل المواطنون الجهات المعنية انتشار الظاهرة وتزايد أعداد السرق؛ لعدم قيامها بواجبها لينالوا جزاءهم العادل ويكونوا عبرة لغيرهم ممن تسول له نفسه بنشل حقوق الآخرين.


وقال د. هاني بن محمد القاسمي، أستاذ مشارك في القانون الجنائي المعاصر بكلية الحقوق جامعة عدن: "السرقة بوجه عام تُعد من الجرائم التي تتكرر في جميع أنحاء العالم، مع اختلاف أشكال ارتكابها هنا أم هناك، لاختلاف حداثة الوسائل المرتكبة فيها ولا يكاد يخلو مجتمع في العالم من نوع أو آخر من الجرائم، وتمثل السرقة أحد أهم الهموم التي يعاني منها".

وأوضح في تصريحه لـ«الأيام» أن الأسباب والدوافع وراء جرائم السرقة كثيرة ومتنوعة وتؤدي في النهاية إلى هذا السلوك غير السوي، الذي يقوم فيه الشخص بالاستيلاء على أموال وممتلكات الآخرين التي لا حق له فيها.

استخدام لغايات إرهابية
وأكد القاسمي أن ما يحدث اليوم من جرائم مستحدثة كسرقة الجوالات وتزوير عقود البيع والوكالات هي وليدة الأحداث الحالية التي تمر بها البلاد، لافتاً إلى أن انتشار سرقة الجوالات يشكل خطرًا كبيرًا على أصحابها، كأن يستخدم الجوال المسروق لغايات إرهابية، باسم مالكه الحقيقي، الأمر الذي يورطه في هذه الأعمال من غير ذنب لهُ فيها.

وأضاف: "هناك العديد من الشكاوى متعلقة بمكالمات ورسائل وتس آب، وفيس بوك، جرت من جوالات قد تكون مسروقة.. ولهذا فسرقة الجوال حقيقةً تُعد جريمة يعاقب عليها قانون الجرائم والعقوبات النافذ".


وفي إشارة له حول الأرقام الحقيقية المسجلة عن سرقة الجوالات، أكد د. القاسمي بأن الأرقام الحقيقية قد تكون أكبر من تلك المسجلة في السجلات العدلية؛ وأرجع السبب في ذلك إلى الفوضى الحاصلة، وقلة التبليغ عن السرقات من قِبل المتضررين؛ لعدم ثقتهم من الوصول إلى نتيجة معينة في هذا الشأن، مضيفاً: "ولهذا من الضرورة اتخاذ إجراءات سريعة ورادعة للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، التي تؤثر على عدد كبير من المواطنين، باعتبار أن الجوال من الممكن أن يقود صاحبه إلى السجن، في حال تم استخدامه من شخص آخر ارتكب جريمة أو أنه شرع في ارتكابها".

وأشار إلى أن سرقة الجوالات تحدث بطرق مختلفة منها بأن تكون النساء شريكات في عمليات السرقة، وأحياناً يتم سرقتها من قِبل شباب وصغار السن الذين لم يبلغوا السن القانوني.


ويوضح أن سبب تزايد قضايا السرقة بين المراهقين يعود إلى انشغال الآباء بتوفير متطلبات الحياة المادية، وتخليهم لقاء ذلك عن دورهم التربوي، الذي يعني متابعتهم لأبنائهم، لافتًا إلى أن المراهق الذي يتورط في جريمة سرقة هو شخص لم يجد من يوجهه ويقوّم سلوكه عند استحواذه مثلاً على ممتلكات غيره من أقرانه، وعليه يتنامى سلوكه معه، فيتحول إلى عادة مجرّمة، تنتهي به في الأخير إلى خلف القضبان أو في إحدى دور الرعاية الاجتماعية.

أسباب عديدة
من جهته، أشار المحامي مياس عباس الأعجم إلى أن "من أسباب انتشار هذه الظاهرة، يعود بعضها للتربية والمحيط الأسري، ومنها ما هو متعلق بحياة السارق الاجتماعية، كالظروف الصعبة والنزوح هروباً من الحرب في مناطق الاشتباكات أو الهروب من ممارسات الميليشيات إلى عدن ومناطق والمحافظات الأخرى".


وأكد أن هذه الأسباب ساهمت بشكل غير مباشر بانتشار هذه الظاهرة؛ نتيجة لحالة العوز التي يعانيها بعض ضعيفي الإيمان والتربية.
وأضاف لـ«الأيام»: "وسواء أكان السارق ممّن أجبرتهم الحرب لارتكاب هذه الجريمة أو كان متمرساً فيها أو من السرق المتواجدين في عدن فإن الهواتف النقالة (الجوالات) من الفئات سهلة السرقة؛ لكونها خفيفة الوزن غالية الثمن عن غيرها من المنقولات الأخرى كالشنط وغيرها، ومع زيادة مستخدمي الهواتف تجد سارقي الهواتف يتفننون بطرق سرقاتهم لها، وفي العادة يكون أبرز الضحايا فيها من النساء والأطفال وبعض الرجال في الأسواق المزدحمة، ومع أن القانون يتعامل مع هذه الجريمة باعتبارها سرقة غير "حدية"؛ وذلك لأن أغلبها تقع في الأماكن العامة، وحدد لها عقوبة تعزيرية بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، وتصل عقوبتها السجن لمدة عشر سنوات إذا ارتكبت باستخدام القوة أو بالإكراه أو عرضت حياة المجني عليه أو صحته للخطرة، كما اعتمد القانون عقوبة الشروع بالسرقة مدة سنة وتصل حد خمس سنوات، ومهما كانت طبيعة العقوبة إلا أنه تقل بنظري وقائع الضبط والقبض للسارق؛ كونه في غالب الأحيان لا يعلم المسروق من سرق هاتفه، وفي غالب الأوقات يفضل البعض التفاوض مع السارق بالاتصال لرقم الهاتف المسروق ومراشاته لإعادة الهاتف، والبعض يفوض أمره إلى الله، ومؤخراً تعلم البعض استخدام وسائل حماية هاتفه النقال ببرامج الحماية والتتبع التي تنشرها كثير من شركات الاتصالات والمواقع المتخصصة، إلا أنه لم يسجل أنه تم إعادة هاتف نقال مسروق باستخدام هذه التقنية حتى الآن؛ بل يجد السارق وسائله الخاصة ببيع الهاتف أو فك شفرته لدى صاحب محل بيع جوالات أو مهندس، وتتزايد المشكلة تعقيداً في أن أغلب محلات بيع الجوالات المنتشرة في البلاد، نتيجة لعدم التزامها بقواعد الشراء للهواتف فأغلبهم يسعى للربح فقط، وهنا القانون يعاقب صاحب المحل الذي يقوم ببيع جوالات مسروقة أو يحتفظ بها، بالمصادرة كتخفيف عليه وبالعقوبة مدة سنة حبس لو حازها وهو يعلم أنها غير مملوكة لشخص الذي باعها له، ولكن في جميع الأحوال يساهم باعة الجوالات في انتشار هذه الظاهرة، فلو التزم كل صاحب محل بالتأكد من شخص بائع التلفون وبيان عنوانه (أقلها أخذ صورة من بطاقته الشخصية) خصوصاً أن سارق الجوال لا يفصح أثناء بيعه للجوال المسروق أن هذا الجوال ليس مملوك له".

وتابع بالقول: "ومع أن العقوبة واضحة لكل من السارق وصاحب المحل الذي يشتري منه الجوال أو المحل الذي يفتح تشفير أمان الجوال المسروق إلا أن عملية التتبع والملاحقة غير مجدية في غالب الأوقات.. وتجد البعض ممن سُرقت جوالاتهم يكتفي بالتبليغ عن هاتفه المسروق لحماية نفسه فيما إذا استخدم رقم شريحته في جرائم أو جنايات يعاقب عليها القانون".

ونصح المحامي مياس عباس الأعجم، خلال حديثه لـ«الأيام»، باتباع نظام تتبع ومراقبة لأصحاب المحلات من قِبل الأمن؛ بحيث يلزمون رفع تقرير أسبوعي عن بيانات الجوالات التي تم شراؤها من الأفراد، والتي يمكن عبرها تتبع الأشخاص الذين يكثر ترددهم لبيع الجوالات والذين قد يكونون ممن هم مطلوبين بسرقة الجوالات، مؤكداً بأن هذه هي أفضل طريقة للحد فقط من انتشار هذه الظاهرة، إلى جانب الوسائل والأساليب الخاصة بالأمن لتتبع سَرَق الجوالات.

عشرات البلاغات
من جهته، أوضح العقيد فارع يحيى صالح، وهو محقق في قسم التحقيقات بالبحث الجنائي في عدن، أن ظاهرة سرقة الجوالات بالمدينة بواسطة الدراجة النارية وغيرها انتشرت بشكل كبير في الأسواق المزدحمة كالشيخ عثمان والقاهرة والأسواق القريبة لها.


وتابع قائلا: "هذه الظاهرة منتشرة منذ فترة ليست بالقريبة، وقد تلقينا العشرات من البلاغات عنها، وتم ضبط كثير من المتهمين في كثير من المناطق وفي مقدمتها القاهرة، والتي تم فيها ضبط متهمين وهم في تلبس وسينالون جزاءهم القانوني، كما تم قبل أسبوع ضبط شبكة كاملة تقوم بالنشل وسرقة الجوالات في الأسواق من قِبل أمن شرطة القاهرة".

وأعاد صالح الأسباب وراء انتشار السرقة إلى التسول والنزوح والفقر والحاجة والفراغ لدى الشباب.

الحل باستعادة الاتصالات لعدن
وكيل نيابة الأمن والبحث في عدن، القاضي أنيس ناصر علي، أرجع الظاهرة بشكل عام سواءً كانت فيما يتعلق بالجوالات أو المنازل والسيارات أو النشل بالشوارع والأسواق إلى تفشي الفقر في المجتمع الذي يعتمد على الراتب في تسيير حياته، والذي هو الآخر، كما قال، لا يُصرف بانتظام للموظفين أكانوا مدنيين أم عسكريين فضلاً عن حرمانهم من الحصول على حقوقهم المشروعة كالعلاوات المستحقة والدرجات التي يحصلون عليها دون أثر مالي.

وتابع تصريحه لـ«الأيام» قائلاً: "أيضاً من الأسباب، انتشار عادات وسلوكيات لدى غالبية الشباب كالتعاطي اليومي للقات ومؤثرات عقلية أخرى تجعلهم فريسة سهلة للوقوع في براثن جريمة السرقة؛ بل إنها أصبحت تقترن بالإكراه (السرقة بإكراه) باستخدام القوة والسلاح والبلطجة، وكل ذلك لضعف الوازع الديني والأخلاقي للأسف، وعند ضبط مرتكبي جرائم السرقة يتم حجزهم وجمع الاستدلالات بالواقعة وإحالة ملفاتهم للنيابات المختصة".


وأوضح وكيل نيابة البحث الجنائي بعدن بأن أهم أمر يمكن أن يوصله للجوال المسروق هو أن يحتفظ صاحبه بالرقم المتسلسل الخاص به، وعلى إثره تتخاطب النيابة العامة مع شركات الاتصالات لتتبع الرقم المتسلسل عند استخدامه، ومن ثم موافاتنا بالأمر حينها يتم التتبع من قِبلنا لنتمكن من الوصول إليه وتتخذ الإجراءات القانونية بشأنه وفقاً للقانون.

وقال: "وبالنسبة لنا كوكيل نيابة الأمن والبحث بعدن فإننا من وجدنا عنده ذلك الجوال يكون هو المتهم بسرقته ما لم يثبت عكس ذلك، وفي كل الحالات نعيد الجوال لصاحبه، وإن كان من وجدنا جوال الضحية لديه حسن النية واشتراه من شخص يعود لذلك الشخص بما دفعه أمام المحكمة بعد تقديمه كمتهم، ونود من هنا وعبّر "الأيام" أن ننوه ونبيّن لمعضلة كبيرة تواجهنا منذ انقلاب جماعة الحوثي وسيطرتها على المرافق والمؤسسات العامة ولكون وزارة الاتصالات ومؤسستها للأسف الشديد ما تزال مرتبطة بالمركز الرئيس وهو أمانة صنعاء، فإن مساعينا للوصول للجرائم عبر التتبع واستخدام الجوالات تنصدم بأن مكاتب شركات الاتصالات بعدن هي جسد بلا روح، فكل المراسلات تحال لصنعاء ومن هناك يتم التحكم بالأمور وغالباً تمر أشهر دون الحصول على المطلوب"، مضيفاً: " وقد تحدثت بشكل مباشر مع مدير مؤسسة الاتصالات بعدن بهذا الخصوص وبعد ذلك مع وزير الاتصالات م. لطفي باشريف وشرح لنا بأن لديهم مشروع وتصور كامل لحل ذلك ولازلنا ننتظر، إذ أن عدن كعاصمة يجب أن تسعى الحكومة بتمكينها من إدارة مؤسسات ومرافق الدولة".

وواصل: "نريد بأن تقوم وزارة الاتصالات بدورها بجعل مركز الشركات العاملة بالاتصالات بالعاصمة عدن؛ لأننا بذلك نؤكد أننا سنتمكن من ضبط غالبية بل وجميع قضايا سرقات الجوال كما أن من المعضلات والصعوبات التي نواجهها أن تتم السرقة بعدن ويتم التصرف بالمسروق (الجوال) بمحافظات ومناطق خارج نطاق السيطرة الفعلية للدولة كأن تكون بمناطق تسيطر عليها جماعة الحوثي ويعلم الجميع أن تلك المناطق تدار بأدوات وعقليات معادية ورافضة إلا لما يأتيهم من جماعتهم وسلطتهم، وأما فيما يتعلق بالبلاغات الخاصة بفقدان وسرقات الجوالات فإن هناك توجيه لجميع أقسام الشرطة وبالمكان الذي فقد فيه الجوال أو تمت سرقته لعمل بلاغ وعمل استمارة بذلك ورفعها لمكتب رئيس نيابة استئناف عدن للتخاطب منهم لشركات الاتصالات إلا أننا نؤكد للكل بأن سرقات الجوالات وللأسف تتم بشكل يومي بجميع مديريات عدن"، متمنياً من الجميع عدم التساهل مع مرتكبي هذه الجرائم تحت أي ذريعة.

مشاهد متكررة
وعلّق المحامي نزيه عبدالملك على هذه الظاهرة التي باتت منتشرة في المدينة بالقول: "أصبحت مشاهد هذا النوع من السرقات تتكرر كل يوم بعدن وبشكل ملفت وبأساليب متعددة، خصوصاً في أماكن الزحام، والمؤسف أن الكثير من الضحايا يلجؤون للشرطة ولكنها لم تتوصل بشأن قضاياهم إلى أي شيء يذكر، وهذا ما شجع اللصوص بالاستمرار وسرقة كل شيء يقع تحت أيديهم كحقائب النساء اليدوية وغيرها".

فيما أعاد الناشط الحقوقي، شوقي عمر السقاف، أبرز الأسباب وراء انتشار السرقة إلى ضعف الوازع الديني، والفراغ لدى الشباب، والفقر وغياب التوعية بهذا الخصوص، مطالباً الحكومة باستثمار المساعدات الدولية في خلق مشاريع بنظام التعاونيات للشباب وغيرها من الأمور التي من شأنها أن تحد من هذه الظاهرة.

وأكد الشاب نبيه الصبيحي لـ«الأيام» بأن سرقة الجوالات تُعد من الحالات التي تحدث بكثرة في المدن وخاصة في مدينة عدن.
فيما أوضح المواطن أمين حمادة أن أساليب السرقة متعددة؛ ولكن أبرزها النشل بواسطة الدراجات النارية أو باستخدام السلاح.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى