اللعبة السياسية في إدارة الحكم

> الثورة هي دورات متعاقبة من المراحل، تسلم وظيفة كل دورة إلى أخرى وبكل عناصرها، فالمقاتلون من أجل الاستقلال الوطني الذين يتكيفون مع واقع لغة السلاح في ميادين النضال، ينتهي دورهم عند هذا الحد ويمكن أن يشكل منهم بعد الاستقلال منظمة تعنى بالمحاربين القدامى، وتعطى لهم امتيازاتهم المادية والمعنوية ومرتبات نهاية الخدمة.

لكن إذا ظل المقاتلون يحملون السلاح، ويسيطرون على إدارة الدولة بعد الاستقلال، فإن ثقافة ولعنة السلاح تظل ملازمة لهم، يمارسون فيها تفوقهم الميادين بالسلاح، فتدخل الدورة في اختلال، حيث يتوقع منهم الدخول في صراعات لا تحمد عقباها.

والسياسيون الذين يديرون العمل السياسي بتعاضدهم مع المقاتلين، يظلون يحملون راية الصراعات السياسية، حتى وهم على رأس إدارة الدولة، فلا ينفكوا عن الحديث عن مؤامرات داخلية وخارجية، فيذهبون في اتجاهات متطرفة، حيث ينال السياسي من المقاتل وينال المقاتل من السياسي ويصبحون ضحية ثقافتهم الصراعية.

فقد تسلم المقاتلون السلطة في الجنوب بعد الاستقلال، لكنهم ظلوا يحملون فكر السلاح، فدخلوا في انقسامات عميقة، لم يستطيعوا حلها، وانتهت بمعارك جمعت بين شعب تجمعه صلات الدم، ويحملون نفس المبادئ السياسية رغم اختلافاتهم الاقتصادية، فذهبوا ضحية انقساماتهم.

ويتذكر الجنوبيون الغلطة التي وقع فيها السياسيون في الجنوب حين أدخلوا عناصر من أحزاب انتهازية، ليشارك الجنوبيون امتيازات السلطة ودخلوا في صراعات النفوذ، فكان كل حزب يريد سحق الحزب الآخر، ويحل محله، فسقط الجميع في معارك النفوذ، وانتهى أمر نظامهم السياسي.

والسياسي عندما يتفرد بالسلطة، فأثار الصراعات في ذهنه، يطبقه مع ما يوصفون بالإخوة الأعداء في إطار الحزب الواحد، ولا مانع أن ينقل السياسي صراعاته مع إخوته للانتقام منهم فيوصلهم إلى بلاد آخر توصف بأنها وحدوية وهي تتشدق بها، فيقعون جميعا تحت طائلة أخطر أعدائهم الذي لم يزل يكن لهم الكراهية، ويتمنى أن تكون معهم رقبة واحدة ليقوم بجزها بضربة واحدة من سيفه.

أما وقد حكم السياسيون البلاد، وانتهى بهم المقام إلى الفشل في تجربتهم السياسية والتنموية، وفشل مثلهم المقاتلون في إدامة حكمهم، وانتهى أمرهم بحمامات من الدماء، حيث لعبت سيكولوجية القتال دورا في التمهيد لحمامات الدم التي نصبوها ضد بعضهم.

وبعد ذلك، فإن الوجهة الأخيرة للبلاد، ومسك ختامها أن تسلم سدة الحكم إلى رجال الفكر والثقافة والإدارة والاقتصاد، وبمعنى آخر تشكل حكومة يديرها أكفاء تكنو قراط حكومة مؤهلات كي تلحق بلادنا بركب العالم المتطور وذات الهوية المدنية.

ومن ميزة حكومة التكنو قراط، أنها تؤمن إيماناً مطلقا بمبدأ التداول السلمي للسلطة والالتزام بالدستور وحكم القانون وانتخابات حرة ونزيهة، ينتخب فيها الشعب ممثليه المؤهلة لتكون لسانه في البرلمان.

وبدون حكومة تكنو قراط ستظل الصراعات الظاهرة والمتسترة عنوانا طاغياً على الحياة المدنية في البلاد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى