ماذا وراء تصدير الجماعات المتطرفة إلى الجنوب؟

> المواقف السياسية عرضة للتغيير حسب مقتضيات لحظتها الراهنة، بينما المواقف العقائدية ليست كذلك، لأن السياسي متغير لكن العقائدي ثابت!.

فشلت الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب، وأنتجت حرب صيف العام 1994م ليعلن النظام الحاكم جنوبا على إثرها فك ارتباطه الوحدوي بالشمال، انتهت حرب 1994م، حرب "الردة والانفصال" كما أسمتها صنعاء بهزيمة الجنوب الذي عاش بعدها تحت ظرف احتلال سُمي شكليا بالوحدة اليمنية، الظرف الذي وصفه نائب الرئيس اليمني الحالي: علي محسن الأحمر، في خطاب شهير له إبان الثورة الشبابية مطلع العام 2011م بالقول:

لقد حكم علي عبدالله صالح الشمال بالاستبداد والجنوب بالاستعمار!.

من أثار حرب اجتياح الشمال للجنوب في 7 يوليو 1994م المدمرة تركها مناطق جنوبية بعينها ساحة للفكر العقائدي يمرح فيها ويسرح، بينما كانت باقي محافظات الجنوب ساحة للفكر الوطني الجنوبي.

على ذكرنا سيرة الثبات العقائدي والتغير السياسي في البدء، من المفترض أن تتسم الساحة المتروكة جنوباً للفكر العقائدي بثبات موقفها العقائدي من الحرب الشمالية الأخيرة على الجنوب، خصوصاً وأنها جاءت معلنة من قِبل جماعة الحوثيين الطائفية بعقيدتها الصدامية مع عقيدة الجنوبيين وبالأخص من هم في مناطق الساحة المتروكة للفكر العقائدي!.. لكن ما الذي حدث؟!

حدث العكس تماما، لقد دخلت ميليشيا جماعة الحوثيين الطائفية ببرد وسلام إلى مناطق ساحة الفكر العقائدي جنوبا، وهو الفكر الذي عُرف بتطرفه، في نفس وقت انتفاض مناطق ساحة الفكر الوطني جنوبا، انتفض الجوار العربي ليتدخل عسكرياً بإعلانه عن ما سمي حينها بـ "التحالف العربي" وإطلاقه عملية عاصفة الحزم، ثم بعد أن حققت مناطق الفكر الوطني أول انتصار لها على ميليشيا الحوثيين، اتسعت رقعة الانتصار الجنوبي لتشمل العاصمة الجنوبية عدن.

رؤية الانتفاضة الجنوبية والعربية معا أربكت المشهد في مناطق الساحة العقائدية جنوباً، لقد بدا الارتباك واضحاً في التدخل المرتبك لعناصر التنظيمات الإرهابية أخيراً لدحر ميليشيا الحوثيين، التدخل الذي يُراد له أن يأتي تحت الرايات السوداء للتنظيم، لتحل سيطرة التنظيم بديلاً من سيطرة الحوثيين، وتعود ذات المناطق الجنوبية كما كانت ساحة للفكر العقائدي المتطرف.. بينما الذي حدث هو أن عناصر تنظيم القاعدة اختلطت بعناصر المقاومة المحلية وبحاضنتها الشعبية الجنوبية في مهمة دحر الميليشيا الحوثية تحت راية الدولة الجنوبية، ونكست راياتها السوداء انتصاراً لعقيدتها الدينية التي بدت لهذه العناصر أنها تعرضت للتلاعب السياسي الشمالي طوال الفترة الماضية!.

بإمكاننا وصف ما حدث في مناطق الفكر العقائدي بين عناصر تنظيم القاعدة الجنوبية وقيادات اللعبة السياسية الشمالية بالمنعطف التاريخي الذي أعلن قطع الحبل السري الواصل بينهما وأنهى علاقتهما ببعض.. يُعلل هذا بسبب ارتباك المشهد الشمالي عموما الذي ألقى بظلاله فأربك الفكرة العقدية لعناصر تنظيم القاعدة خصوصا ودفعها لإعلان تمردها الجنوبي عن مركز قرارها الشمالي، وعلى إثر تمردها تم التخلص منها عبر تمكين الطيران الأمريكي المسير من تصفيتها!.

لقد مثلت لحظة الانكشاف الشمالي الكبير لحقيقة اللعبة السياسية التي أديرت على ساحة مناطق الفكر العقائدي جنوباً منذ حرب الاجتياح الشمالي في صيف 1994م وإلى يومنا هذا، بداية الفترة الزمنية المؤقتة لخروج تلك المناطق عن السيطرة التي شهدت زخما وطنيا جنوبيا توزع على كل جبهات القتال ضد الحوثيين (لكن ينبغي الإشارة إلى أن آثار الفكر العقائدي التي انطبعت في الذاكرة الجمعية كان ما زال يعبر عنها الانخراط في قتال الحوثيين على أساس عقائدي في جبهات خارج السياق الوطني الجنوبي، فتوزعت تضحيات طابور طويل من النشء والشباب في كل مكان وذهبت هباءً منثورا)، لكن سرعان ما انقضت هذه الفترة، فبعد أن التقط الشمال أنفاسه ورتب أوراقه هاهو اليوم يعود جنوبا عبر بوابة الحكومة الشرعية وذريعة السيادة الوطنية وشماعة الاحتلال الإماراتي إلى ذات المناطق لالتقاط بعض عناصر الفكر العقائدي المتطرفة وينجح في تجنيدها ضد التواجد العسكري الإماراتي وقوات الأحزمة الأمنية وألوية المقاومة والنخب الجنوبية (ففي الفترة الأخيرة سمعنا بعض من هذه العناصر الإرهابية المتطرفة تجتر الفتوى العقائدية التي تجيز قتال هذه القوات وتحل قتل منتسبيها).

كيف استطاع الشمال الخروج من وعكته السياسية وفضيحة انكشاف علاقته بالتنظيمات الإرهابية في هذه المناطق سابقاً؟!

إجابة هذا السؤال في اعتقادي أنها لا تكمن في الإقرار بدهاء الشمال، فليس ثمة دهاء في تكرار الأسلوب والوسيلة؛ بل اعتقد أن ثمة تورط أوصله إلى نقطة اللاعودة!.

كما قولنا: ليس ثمة دهاء في تكرار الأسلوب والوسيلة يأخذنا إلى أن ثمة غباءً جنوبياً لا يأخذ العبرة والعظة من تجارب سابقيه من عناصر التطرف والإرهاب!.

نستنتج مما سبق أيضا:

- أن الفكر العقائدي المتطرف في تلك المناطق جنوباً ما هو إلا صناعة سياسية شمالية للتلاعب بالجنوب أولاً والإقليم ثانياً والعالم ثالثا، صناعة سياسية شمالية تلبس الفكر العقائدي وتنزعه عنها كما تنزع ملابسها الصيفية بحلول الشتاء والشتوية بحلول الصيف!.

- كما أن عملية تحويل الفكر العقائدي من الثابت إلى المتغير هي الدليل القاطع على أن الشمال لا يعنيه الفكر العقائدي في شيء بقدر ما يعنيه الهدف السياسي منه، فهو قادر على اعتناق الفكر الطائفي للجماعة الحوثية والتعاطي معها في سبيل تحقق السيطرة السياسية الشمالية على الجنوب!.

- هل يفهم التحالف العربي هذا؟!

نعم يفهم التحالف العربي هذا.

- هل يفهم المجتمع الدولي هذا؟!

نعم يفهم المجتمع الدولي هذا.

لكن هل يفهم بعض الجنوبيين هذا؟!

ما زلت أشك في ذلك!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى