حرب اليمن.. المعطيات والنتائج

> سعيد النخعي

> من يقرأ الواقع السياسي لليمن وفقا للمعطيات السياسية والعسكرية على الأرض، قراءة متوازنة ومحايدة، بعيدًا عن الخطاب الإعلامي القائم على التحذير والتبشير والتخوين والتخوين المضاد، وكيف تحول الصراع من صراع مع الحوثيين إلى صراع في إطار منظومة التحالف نفسها، وتحوّل الهدف الذي جاء التحالف من أجله إلى قضية مؤجلة، بعد تقديم كل طرف من الأطراف الإقليمية والمحلية معركته الخاصة على المعركة العامة.

ما أدّى إلى توقف كل الجبهات التي ظلت مشتعلة مع الحوثيين شمالًا، ليتحوَّل مسار الصراع السياسي والعسكري جنوبًا، نتيجة لاحتدام صراع النفوذ بين الأطراف المحلية والإقليمية، ما زاد المشهد تعقيدًا، في بلد ظل الثابت الوحيد فيه هو الصراع منذ الأزل.

وجد التحالف نفسه فجأة أمام تركة ثقيلة من التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عكست ظلالها على كل الصعد العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإنسانية، داخليًا وخارجيًا، ما ضاعف من تبعات الحرب في ظل حالة من الاستقطاب الإقليمي، والترقب الحذر للمجتمع الدولي. ووجدت المملكة العربية السعودية نفسها تقود تحالفًا أشبه بتوليفة من المواد الخطرة، كلما حاولت جمعها انفجرت؛ لتعود بعد انشطارها إلى أصلها الذي كانت عليه.

انطلقت العاصفة قبل ما يقرب من خمسة أعوام، في تحالف ضَمَّ أكثر من عشر دول، معلنة حربًا شاملة على امتداد رقعة الأرض اليمنية، لينتهي بثلاث دول فقط، يتكون قوام القوات المحاربة على الأرض من أفراد القوى المحلية، في حين اقتصر دور دول التحالف على الدعم اللوجستي والغطاء الجوي، مع تدخل محدود لقواتها في مناطق بعيدة عن نقاط التماس، اقتصر دورها على الإشراف وتوجيه مسار الحرب، ولم تختبر قواتها في أي معركة حقيقية على الأرض.

فاقم طولَ أمد الصراع وإلقاء ظلاله على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، تصاعد بدأ معه كل طرف من الأطراف المحلية بمراجعة حساباته نظير ما قدمه من فاتورة مُكْلِفة من الضحايا والمواقف، وبدأت هذه القوى تحت تأثير الضغط الشعبي لقواعدها، في ظل حالة من عدم الثقة في ما بينها، كلما اقترب التحالف من إحكام قبضته على رقبة الحوثي، أو كاد يكبح جماح مشروعه؛ وما معركة السيطرة على ميناء الحديدة عنَّا ببعيد. ومع كل تقدم للتحالف كان هناك سؤال ملح يؤرق كل طرف من الأطراف المحلية، ما هو الدور المستقبلي الذي ينتظره؟ وأين سيكون موقعه من الإعراب؟ إذا ما نجح التحالف في إعراب جملة اليمن الصعبة.

استبَّد خوف هذه القوى من بعضها، نتيجة للعداء المستحكم في ما بينها؛ ما خلق حالة من الشك والريبة لديها تجاه التحالف نفسه، شك انعكس على أدائها السياسي والعسكري، نجمت عنه إعادة تموضع كل منها، من خلال نسج تحالفات جديدة تقوم على مبدأ تقديم الخاص على العام، ليشرع كل طرف في تنفيذ أهدافه تحت سقف شعار عودة الشرعية الذي يعد بمثابة العقد الكاثوليكي الذي يربطها جميعًا بدول التحالف، ويربط دول التحالف بها.

مع بدء إعادة التموضع للقوى المحلية حتَّم على كل منها أن تذهب منفردة لنسج تحالفات جديدة مع التحالف، كدول هذه المرة وليس منظومة، على حساب الهدف الذي قام عليها التحالف الذي بات في نظر الجميع مستهلكًا. عند هذه النقطة تَقَسَّمَ المُقَسَّمُ، وإن شئت قل: قُسِّمَ المُقَّسَّمُ؛ فلا مشاحة في الاصطلاح هنا، بقدر ما تهمنا متابعة المعطيات وما ستقودنا إليه من النتائج.

خرج المؤتمر الشعبي العام من عباءة الحوثي موحدًا متماسكًا، تماسكا لم يدم سوى ثلاثة أيام فقط، انتهى بمقتل علي عبدالله صالح إلى كيانات متعددة، ليجد نفسه موزعًا على خمس عواصم، الرياض، أبوظبي، صنعاء، عدن والقاهرة، وانقسم الحراك الجنوبي إلى عدة مكونات سياسية حتى أن المتابع لعملية تناسخها وتناسلها يعجز عن حفظ أسمائها، وبقي حراك باعوم، الوحيد الذي يغرد خارج فضاء التحالف، تحاصره تهم التشكيك بالولاء لإيران حتى تكاد تخنقه، رغم مسيرة زعيمه وصلابة مواقفه. واحتفظ التجمع اليمني للإصلاح بتماسكه، وظل الحزب الوحيد ضمن توليفة التحالف الذي لم يطله التقسيم، نتيجة لبنائه التنظيمي المحكم، وبراعته في إدارة المتناقضات الإقليمية، وفقًا لقاعدة اعطني بعضًا مما عندك أعطك بعضًا مما عندي. براغماتية الإصلاح جعلت منه قوة سياسية مُشْرَعة الأبواب، متعددة النوافد، بعكس بقية القوى السياسية الأخرى، التي تشطَّرت، ويممَّ كل فصيل منها وجهه شطر قبلة واحدة، وجمع بيضه في سلة واحدة فقط، ما جعل مهمته في التحليق متعذرة في فضاء ملبد بغيوم التناقض، بعد أن طحنته رحى الصراع الداخلي، والاستقطابات الإقليمية. وهذا كله أوصل الرياض إلى قناعة تامة بفشل خيار الحرب، وصعوبة الاستمرار في الصراع بصف مهلهل، لذا سارعت إلى فتح مسارات تفاوضية بوساطة عمانية بين الرياض وصنعاء، وأخرى كويتية لتقريب وجهات النظر بين الرياض والدوحة، لتختصر الطريق على نفسها، ووضع القوى المتصارعة أمام الأمر الواقع، مقابل التزام الحوثيين بقبول جملة من الشروط، في مقدمتها منطقة منزوعة السلاح بمسافة أربعين كيلومترا في العمق اليمني، وحكم ذاتي للجنوب، في إطار دولة اتحادية من إقليمين، أو أكثر يكون فيها الجنوب إقليمًا مستقلًا ليبقى فصل الجنوب سيفًا مسلطًا على رقبة الحوثيين وبقية قوى الشمال في حال إخلالها ببنود الاتفاق، أو حاولت التنصل عنه مستقبلا.

"القدس العربي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى