الإرهاب وطرق تدويره.. كيف يمثل النشاط السياسي «التطرف» داخل كيان الدولة؟

> بدر قاسم محمد

> من بداهة القول إن إرهاب التنظيمات والجماعات الإسلامية المتطرفة ينقسم إلى قسمين:

1 - الإرهاب الظاهرة: وهو ما نراه عيانا من أعمال إرهابية لتنظيمات إرهابية تسعى لتحقيق فكرها العقائدي على وجهتين، خارجية مزعزعة لأمن دول بعينها تصنفها بالدول الكافرة العدوة، وداخلية تسعى من خلالها إلى إقامة دولتها الخاصة بها، وبإمكاننا وصف الوجهة الخارجية بالغزو الانتقامي الذي يهدف إلى إيصال رسالة سياسية لأنظمة وشعوب الدول المستهدفة يعلن عن تبنيها التنظيم الإرهابي والتي غالبا ما تأتي في سياق الرد، بينما بإمكاننا وصف الوجهة الداخلية بالأعمال الإرهابية الساعية لإقامة كيان دولة التنظيم.

2 - الإرهاب الفكرة: هو الفكرة النظرية التي تجيز قيام التنظيمات الإرهابية بأعمالها الإرهابية، من وجهة نظر عقائدية تعتمد على عملية إيقاظ وتثوير نصوص دينية لا تثار عادة إلا في سياق سياسي.. فعلى سبيل المثال يذهب المشرع الإسلامي إلى أن عملية تفعيل النصوص الدينية التي تجيز الحرب والجهاد من اختصاص الحاكم الوالي "ممثل السلطة السياسية"، وهذا بدوره يعيدنا إلى إعادة صياغة التعريف أعلاه للإرهاب الفكرة: هو الفكرة النظرية التي تجيز القيام بالأعمال الإرهابية من وجهة نظر عقائدية تعتمد و(تتعمد) عملية إيقاظ وتثوير نصوص دينية بعينها.

وليس العكس كما قد يفهم البعض: أن الأعمال الإرهابية عبارة عن تعمد عقائدي ثابت في كل زمان ومكان.

وعليه نستنتج من إرهاب الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة العلاقة العكسية الآتية:

- أن الإرهاب الظاهرة هو ظاهرة عقائدية بدوافع سياسية تسعى لإقامة كيان سياسي بطريقة عقائدية.

- أن الإرهاب الفكرة هو فكرة عقائدية بدوافع سياسية تسعى لإقامة كيان عقائدي بطريقة سياسية.

- أن العامل السياسي هو محرك الاثنين (الإرهاب الظاهرة والإرهاب الفكرة).

- في المحصلة النهائي يعتبر الإرهاب الفكرة كنظرية محرك الإرهاب الظاهرة كظاهرة عملية.

تحرير النص الديني
ينبغي الإشارة إلى أن سعي إرهاب التنظيمات والجماعات الإسلامية المتطرفة لتحرير النص الديني، مشرع الحرب والجهاد، من قبضة السلطة السياسية، اعتمد على لجوء هذه التنظيمات والجماعات إلى تحرير نصوص دينية أخرى وحشرها في اتجاه يكفر السلطة السياسية أو في أضعف الإيمان يحشرها في صفة النفاق والعمالة للخارج الكافر، حتى، أولا يتمكن من نزع النص الديني، مشرع الحرب والجهاد، من يدها إلى يد المفتي "مرشد التنظيم والجماعة الإرهابية"، وثانيا يُمكّن التنظيم والجماعة من إجازة الأعمال الإرهابية على الصعيد الداخلي المحلي.. هذا التنظير العقائدي وهو يحاول الالتفاف على النصوص الدينية إنما هو مثال صارخ يعبر عن مراحل نمو "الإرهاب الفكرة" إلى درجة خطيرة جدا، النمو التنظيري الذي مازال المنطق السياسي محركه الأساس وليس المنطق العقائدي.

الفرق بين مكافحة الإرهاب ومحاربته
بإقرار الأمم المتحدة إستراتيجية مكافحة الإرهاب بإجراءات عملية يأتي على رأسها إجراء النظر في العوامل والأسباب المؤدية للإرهاب بنص أممي يبدأ بالشروع في اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة العوامل والأسباب المؤدية للإرهاب.. ليلج بعد هذا في إقرار جملة الإجراءات العملية والتدابير الأمنية والعسكرية المتوافق عليها لمحاربة الإرهاب.

يمكننا إسقاط عبارة (مكافحة الإرهاب) على الإجراء الأممي الأول المتمثل في تدابير المعالجة الوقائية، بينما من اللائق إسقاط عبارة (محاربة الإرهاب) على جملة التدابير الأمنية والعسكرية المتوافق عليها.
وفق اصطلاحنا أعلاه المفرق بين: مكافحة ومحاربة الإرهاب، بإمكاننا توزيع قسمي إرهاب التنظيمات والجماعات الإسلامية المتطرفة على الاصطلاحين فـ "الإرهاب الفكرة" من اختصاص تدابير المكافحة، بينما "الإرهاب الظاهرة" من اختصاص تدابير المحاربة.

بناء على ما تقدم تعتمد تدابير مكافحة الإرهاب الفكرة على الوقوف على أسبابه الحقيقية، لذا حتى لا نتوه بالغوص بعيدا في هذا الشأن بالعودة إلى جذور الفكر العقدي التاريخية من المفيد جدا، بعد إقرارنا بوجود أفكار عقائدية متطرفة، معرفتنا أن هذه الأفكار تستحث حاليا في سياق التناول السياسي ولا تستحث في سياق التناول المجتمعي، أي أن المتناول العقائدي عندما يتناولها، يتناولها في سياق الوضع السياسي الراهن، فعملية تحريض الأفكار العقائدية المتطرفة دائما ما تأتي تحت عنوان (انظروا إلى حال الأمة الإسلامية اليوم.. بالمقارنة مع حالة من استحضار حالها من التاريخ القديم)، وهكذا يستحث الفكر المتطرف على النهوض كأداة مقاومة وخلاص لغرض السؤدد الدنيوي للتنظيم الإرهابي والخلود الأبدي لعناصره.

العلاقة بين "الظاهرة" و"الفكرة"
لطالما كان الإرهاب الظاهرة محددا ومعينا في إعلان التنظيمات والجماعات الإسلامية المتطرفة عن نفسها ومسمياتها، بينما الإرهاب الفكرة لم يكن محددا ومعينا بممارساته النظرية، لكنا نستطيع تحديده اليوم بنقطة التقائه السياسية عقائديا مع الإرهاب الظاهرة..

وبالتالي هذا يأخذنا بدوره إلى تحديد جماعات وأحزاب عقائدية بعينها تمارس العمل السياسي كي تصل إلى هدفها العقائدي، ويسعى نشاطها السياسي إلى تمثيل الفكر العقائدي المتطرف سياسيا، منها بعض جماعات وأحزاب الإسلام السياسي المتواجدة في منطقتنا العربية، فهذه الجماعات والأحزاب تتخذ من نشاطها السياسي وسيلة ناعمة للوصول إلى تمثيل فكرها العقائدي المتطرف سياسيا في كيان دولة إسلامية، لتظهر العلاقة العكسية بين وسيلتها العقائدية ووسيلة التنظيمات الإرهابية المتخذة من نشاطها العملي وسيلة عنيفة للوصول إلى تمثيل فكرها العقائدي سياسيا في كيان دولة إسلامية، أي أنه لدى جماعات وأحزاب الإسلام السياسي بداية سياسية لنهاية عملية، بينما لدى التنظيمات الإرهابية بداية عملية لنهاية سياسية.

نستنتج مما سبق أن الإرهاب الفكرة مسئولية جماعات وأحزاب الإسلام السياسي المتطرف، بينما الإرهاب الظاهرة هو مسئولية التنظيمات الإرهابية.
بالنظر إلى علاقة الإرهاب الظاهرة (التنظيمات الإرهابية) بالإرهاب الفكرة (جماعات وأحزاب الإسلام السياسي المتطرف) بإمكاننا وصف ما تفعله قناة الجزيرة القطرية عمليا بـ "السلك الإعلامي التوصيلي بين الإرهاب الفكرة والإرهاب الظاهرة"، كيف؟!

من المهم أن نلفت عنايتكم إلى أن علاقة الإرهاب الفكرة بالإرهاب الظاهرة بشكل عام، كعلاقة تحفيزية، يجب أن لا تختزل في مشهد العلاقة التلاقحي الأخير على صورة: فتوى تكفيرية وعمل إرهابي بموجبها، أو ، اللفظ الشفوي الأخير والممارسة العملية الأخيرة، إذ يجب أن نعود إلى ما قبل هذا المشهد المأساوي الأخير ونرجع بالتدريج لتتبع سيناريو وحوار "الإرهاب الفكرة" مؤلف الرواية العقدية، الذي وضعنا أمام المشهد الإرهابي الأخير، إما مشاهدين مرعوبين، أو ممثلين دور الكفار الممثل بأجسادهم قتلا وتقطيعا وذبحا، فللإرهاب الفكرة بنية تحتية تعتبر بمثابة السلك الإعلامي التوصيلي لمادة إقناع الإرهاب الظاهرة بفناء الآخر، تحقيقا للخلاص الدنيوي منه ولو استدعى الأمر فناء العنصر الإرهابي نفسه، تحقيقا للخلاصين الدنيوي من الآخر (الكافر أو الملحد أو المنافق أو المرتد) والديني للعنصر الإرهابي إلى الحياة الأبدية في الجنة بواسطة الأعمال الانتحارية.

جذور الإرهاب
إذا ما عدنا أدراجنا لتتبع جذر "الإرهاب الفكرة" فقبل أن نغوص في التاريخ بالعودة بعيدا، علينا أن نقف على تفنيد العامل المحفز حاليا بالنظر إلى كون الإرهاب الفكرة هو في الأساس فكرة عقائدية سياسية أو فكرة تناول سياسي لوضعنا الحالي في سياق مقارن مع الماضي البعيد، من وجهة نظر عقائدية تقول للإرهاب الظاهرة: أنت كنت.. (مشهد شحن عاطفي يحفز مشاعر التوق)، لتصبح خلاصة: يجب أن تكون..، لا تكلف عناء الذكر بقدر ما تستثير فضول المتلقي للتنقيب والسؤال عن إمكانية العودة إلى نقطة (أنت كنت..) وعن الوسيلة والأداة العقائدية التي بإمكانها أن تنقله إلى ماضيه العقائدي التليد، حتى بإمكان المتلقي نفسه أن يتحول إلى محرك بحث يلعب دور الإرهاب الفكرة في المشهد الأخير للعملية الإرهابية الذي يعكس العلاقة الثنائية بين الإرهاب الفكرة والإرهاب الظاهرة (الفتوى التكفيرية والعمل الإرهابي، الشفوي والعملي).

قد تبدو لنا عملية انفصام المشهد الإرهابي الأخير عن موطن بذر الإرهاب الفكرة في أرض خصبة من عقول النشء والشباب، وقد أخلت مسئولية زارعها الأول، هذا الانفصام البطولي للعنصر الإرهابي يربك العملية التحليلية للأسباب المؤدية إلى الإرهاب الظاهرة بتصديه وتبنيه الشجاع وإعلانه المسئولية عن هذا العمل الإرهابي أو ذاك.

لكن بقليل من التركيز وبمعرفتنا أن الإرهاب الفكرة هو في الأساس فكرة عقائدية سياسية وأن الإرهاب الظاهرة هو في الأساس عمل إرهابي يسعى لإقامة الفكرة العقائدية السياسية وتمثيلها.. فبالتالي بالنظر اليوم إلى تحديد أي الجماعات العقائدية عاكفة على تبني الفكرة العقائدية كفكرة سياسية تحشد في سبيل تحقيقها كل الأدوات والوسائل الممكنة كي تمثلها واقعا ملموسا يحاكي ماضيها العقدي التليد، وبإدراكنا أن هذا الحشد الفكري العقدي هو مصدر إنتاج الإرهاب الفكرة وباذرها الأول في عقول النشء والشباب حاليا، نكون قد توصلنا إلى وكر إنتاج الإرهاب الفكرة الحقيقي كتفنيد أخير لمكمن ظاهرة الإرهاب ومنطلقها الأول من عقر دار جماعات وأحزاب الإسلام السياسي المتطرف.. حتى وإن اعتمدت هذه الجماعات والأحزاب على لعبة انفصام العنصر الإرهابي عنها وتبنيه المسئولية بمعزل.

الخلاصة
أخيرا أستطيع القول لكم إن عملية تربية ومراباة الإرهاب الفكرة (جماعات وأحزاب الإسلام السياسي المتطرف) كفكرة سياسية يمتد دور رعايتها وتنميتها، رعاية عصرية حديثة لتشمل وسائل اعلام معاصرة، مسموعة ومقروءة ومرئية، تقوم بشكل ملتف بنفس دور وسائل إعلام التنظيمات الإرهابية التي تقوم بدور دعائي ومشجع للإرهاب الظاهرة، حيث تعكف وسائل الإعلام المعاصر والمتطور جدا على تكرير أفكار جماعات وأحزاب الإسلام السياسي (الإرهاب الفكرة) وبهرجتها وإظهارها بمظهر حقوقي معاصر وهي تستجلب وتجتر مظلومية جماعات الإسلام السياسي وتمنحها مساحة للتعبير وبث عقيدتها الفكرية، لتبقي عليها كفرازة فكرية مغذية للإرهاب الظاهرة (التنظيمات الإرهابية).

وعلى سبيل المثال أنتجت رعاية قناة الجزيرة القطرية لعملية إخراج فلمها الاستقصائي المعنون بـ(أحزمة الموت) الذي تناول بصورة مشوهة الجهات الأمنية في جنوب اليمن، عامل محرض لنشاط عناصر الإسلام السياسي وعناصر التنظيمات الإرهابية، أفرز مؤخرا فتاوى تكفير وقتل لقيادات ومنتسبي الجهات الأمنية هناك، وعلى إثر عملية تحريض وشحن قناة الجزيرة الإعلامي، شهدنا مؤخرا تبني تنظيم داعش عملية تصفية لأحد قادة الحزام الأمني في مدينة عدن، بثها تنظيم داعش على موقعه الإلكتروني كصور فوتوغرافية لتسجيل فيديو.

وكذلك ينطبق عمل قناة الجزيرة القطرية على نفس ما يعتمل في مصر وسائر الدول العربية من أعمال إرهابية شاركت قناة الجزيرة بطريقة أو بأخرى عبر تناولها الإعلامي وهي تولي عناصر الإسلام السياسي (عناصر الإرهاب الفكرة) اهتمامها وتضفي على فكرها الإرهابي، محرض الإرهاب الظاهرة، طابعا حقوقيا يحاول أن يتقمص دور الفكر الإنساني السياسي المدني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى