تموضع إستراتيجى.. دوافع تشكيل تحالف البحر الأحمر وخليج عدن

> هبة المنسي

> قبل نحو عامين فى القاهرة بدأت فكرة تشكيل كيان أرسقا، وفى ديسمبر من العام الماضى أعلن تشكيل التحالف الجديد والذى يضم الدول العربية والأفريقية المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن بغية "تحقيق الاستقرار في المنطقة"، والحد من نفوذ القوى الخارجية بمحيط الممر الملاحي.

ميثاق الأمس والذى وقعت عليه ثمان دول، في المملكة العربية السعودية، لتأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، تمهيداً لرفعه لقادة الدول المشاركة خلال اجتماع قمة يعقده الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز لإقراره.يعد استكمالاً للاجتماع الأول للدول المشاطئة على مستوى كبار المسئولين بالقاهرة خلال يومي الـ 11 والـ12 من ديسمبر 2017، وتم خلاله الاتفاق على المبادئ الأساسية للتعاون بين هذه الدول، إذ شكل اللبنة الأولى على طريق وضع أسس التعاون المشترك بينها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وجاء اجتماع الرياض التشاوري يوم 12 ديسمبر 2018 لوزراء خارجية تلك الدول عدا إريتريا التي شاركت في اجتماعات القاهرة وغابت عن اجتماعات الرياض، بينما حضرت الصومال التي غابت عن اجتماعات القاهرة ليصيغ تحالفاً أولياً يمكن فيما بعد تعزيزه أمنياً وعسكرياً.

وبالرغم من عدم وجود تصور لإنشاء قوة عسكرية جديدة تحت مظلة هذا الكيان، يهدف المجلس إلى تحقيق 12 هدفاً، لتعزيز التنسيق والتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والبيئي والأمني بين دول المجلس، فيما ستصبح الرياض مقراً له، وتتضمن هذه الأهداف رفع مستوى التعاون والتفاهم وتنسيق المواقف السياسية بين دول المجلس، وتوثيق التعاون الأمني بينها للحدّ من المخاطر التي يتعرض لها البحر الأحمر وخليج عدن، بما يعزز أمن وسلامة الملاحة الدولية فيها، ومنع كلّ ما يهددها أو يعرضها للخطر، لا سيما جرائم الإرهاب وتمويله والقرصنة والتهريب والجريمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية.

محفزات تشكيل كيان "أرسقا" تتنوع ما بين كونه منصة دائمة للتشاور بين الدول الأعضاء من أجل إيجاد فهم مشترك للتحديات الأمنية التي تزعزع استقرار البحر الأحمر، ومحاولة علاج التوترات بين الدول المتاخمة له وهو ما تجلى خلال سبتمبر 2018 فى استضافة مدينة جدة لاتفاق سلام إثيوبي إريتري. لكن التحالف يضع على رأس أولوياته تقويض النفوذ والتأثير الإيراني والتركي على أمن البحر الأحمر وحماية أمن المجرى الملاحي الدولي، لاسيما مع سيطرة جماعة الحوثي الموالية لإيران على الجانب الشرقى واحتمالات التصعيد رداً على مقتل سليمانى، والتى على الأرجح ستشمل صدور توجيهات إيرانية لميليشيات الحوثيين باستهداف مزيد من ناقلات النفط في خليج عدن.

يضاف إلى ذلك تقويض التمدد الإيراني على ضفتى مضيق باب المندب والذى نجحت فى تأسيسه عبر حضورها في الساحة اليمنية من خلال الحوثيين، وإقامة قواعد عسكرية لها في ميناء عصب وجزيرة دهلك الإريترية. وكان السفير الإيراني السابق لدى الأمم المتحدة، صادق خرازي، في مقابلة أجراها معه التلفزيون الرسمي كشف عن مخطط إيراني للتوسع في باب المندب قائلا: "لقد استطعنا أن نوسع قوتنا الأمنية في البحر الأبيض المتوسط. وكذلك في باب المندب، ولو لم نفعل هذا لواجهنا مشاكل وأزمات خطيرة لأمننا داخل البلاد. هذا إلى جانب أن الحرس الثوري وحزب الله ساعدا الحوثيين على إرساء موقعي رادار خارج اثنين من الموانئ اليمنية الرئيسية في البحر الأحمر، لاستعمال الصواريخ التي هي نسخ متطورة من الصاروخ الصيني طراز "سي ـ 802" المضادة للسفن.

الشحنة التركية الموجهة للقرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر أحد دوافع تشكيل التحالف والتى يمكن رصده عبر تحركات أنقرة العديدة بالمنطقة، ففى نوفمبر 2018 قام وزير الدفاع التركي، الفريق أول خلوصي أكار، بزيارة إلى السودان والصومال، تضمنت جزيرة سواكن المُطَلة على البحر الأحمر، والتي منحتها الحكومة السودانية لتركيا لإعادة ترميمها على الطراز العثماني وفق الهدف المعلن لكن تذهب بعض التحليلات إلى أن لدى أنقرة مآرب أخرى من تواجد خلوصي آكار الأخير، تتمثل في بحث إقامة قواعد عسكرية للتدريب في جزيرة سواكن السودانية. وعلاوة على ذلك؛ ذكرت بعض الوسائل الإعلامية التركية أنّ أنقرة تبحث إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي هذا إلى جانب القاعدة التركية في الصومال؛ والتي تعد أكبر معسكر تركي للتدريب العسكري خارج البلاد على الإطلاق حيث، تضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى.

لذا تعد مواجهة النفوذ الإيراني التركي الحلقة الأهم بمسار تشكيل التحالف للدول المتشاطئة، فالمنطقة ذات طبيعة استراتيجيه خاصة وتتحكم عبر مضيق باب المندب فى طرق التجارة العالمية خاصة تجارة النفط، كما أنها تعد ممرا مهما لأي تحركات عسكرية، قادمة من أوروبا، أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي، والسيطرة عليها تمثل تهديداً لأمن المملكة العربية السعودية ولمنظومة الأمن الخليجي ويمكن من خلالها توفير أوراق للمساومة في الشرق الأوسط.

وتنبع أهمية مضيق "باب المندب" فى الملاحة الدولية من كونه أكثر الممرات عبورا للسفن، نظراً لأنه بين البحر الأحمر وخليج عدن – المحيط الأطلسي، وتمر منه سنويا 25 ألف سفينة تمثل 7 في المئة من الملاحة العالمية. وتزداد فعاليته كذلك لارتباطه بقناة السويس ويعد بوابة لمرور الصادرات الخليجية أولاً والمنتجات الواردة من شرق آسيا ثانياً، فضلاً عن ناقلات النفط النفط، وتشير تقارير اقتصادية إلى أن تعطيل الملاحة به قد يؤدي لارتفاع أسعار النفط ما بين 5 دولارات و15 دولارا لكل برميل.

تحالف البحر الأحمر ربما يكون بديلاً محتملاً لما يعرف باسم الناتو العربى والذي اقترحته الإدارة الأمريكية ويواجه تعقيدات متعددة أبرزها استمرار الأزمة القطرية، وتباين موقف بعض الدول العربية تجاه إيران من هذا إلى جانب عزوف مصر عن الانخراط في الصراعات المسلحة بالمنطقة وعدم رغبتها فى خوض صراع مباشر مع إيران وقد رفضت من قبل الانخراط في الملف السوري فضلاً عن تدخلها المحدود في اليمن لذلك تبدو القاهرة أكثر حماساً للتحالف المزمع نظراً لموقعه ضمن المجال الحيوي للأمن القومي المصري فهو لا يستهدف إيران بشكل مباشر، إنما يركز على أمن الممرات البحرية وهو هدف استراتيجي مصري.

رغبة القاهرة في المضي قدماً لتأسيس الكيان الجديد فرضتها خطوط الجغرافيا حيث تعد الأكثر أهمية بين دول التحالف المرتقب، لأنها تشكل جسرا يربط بين شمال البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. وفي عام 2015 حث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الملك عبد الله الثاني في فبراير 2015 أثناء زيارة رسمية إلى العاصمة الأردنية "عمان"، على دعم تشكيل حلف شمال الأطلسي العربي، وكان من المفترض أن يشارك السيسي هذه المسألة مع ملك السعودية في مارس. وجاءت الفكرة المصرية على الشكل التالي: أن يتم تشكيل قوة عسكرية عربية قوامها 40000 جندي من الدول العربية الست "مصر والأردن والسعودية والإمارات والمغرب والسودان"، باستثناء قطر لكن النزاعات في العالم العربي منعت ذلك. لكن إدارة أوباما لم يكن لديها رغبة حاسمة للمضي في المشروع لاسيما وأنها كانت تعتمد استراتيجيه الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط.

الطقس هذا العام يبدو ملائما لتعزيز التعاون بين الدول المتشاطئة للبحر الأحمر في ظل تعقيدات الأوضاع الإقليمية حيث يعد خطوة مرحلية لاحتواء الواقع الجيوسياسيي المضطرب عبر تفعيل أطر التفاهم في الجوانب السياسية الاقتصادية، ومن ثم البدء لاحقاً في تعزيز التفاهمات العسكرية والأمنية بشكل يمنع حدوث خلل في التوازن الذي يصب في صمام الأمن القومي لتلك الدول.

"الوطن العربي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى