لماذا تنام بلادي ولا أحد يصحيها؟

> دخل أمير معمم، أحد المسارح العدنية التي خصصت ليلتها للترفيه على الجاليات الأجنبية بعدن، وخصصت بعض المقاعد لبعض الأمراء والأعيان.

جلس الأمير المعمم في المقصودة والمخصصة للأمراء، وإذا بالنادل يناديه بأن المكان مخصص للأمراء المكتوبة أسماؤهم في القائمة، صاح أحد الأمراء الذين كانوا جالسين على النادل وقال له دعه يجلس "إنه أمير في بلاده"، وكانت ردة فعل الأمير المعمم قوية؛ حيث قال للأمير الجالس: "إنني فعلاً أمير في بلادي، ولكن لا يشرفني بل إن جلوسي في هذا الجناح يحط من قدري"، وقبل أن يغادر الأمير المعمم المسرح صفع النادل صفعتين على وجه غادر المسرح.

وفي اليوم الثاني، اشتكى النادل بالأمير في إحدى المحاكم العدنية، وكان رئيسها قاضي بريطانيا، وتحقق من التهمة الموجهة للأمير، وبعد مداولات أعلن القاضي قراره بأن يقضي الأمير عقوبة السجن لمدة شهر واحد، وأما العقوبة الأخرى فكانت مادية إذ طلب القاضي الأمير دفع مبلغ خمسة شلنات أفريقية، وعليه أن يختار إحدى العقوبتين، ورفض الأمير العقوبة المادية وقال للقاضي: "إني أفضل السجن على أن أدفع خمسة شلنات".

وقضى الأمير فترة عقوبته بالكامل، وعند خروجه من السجن قابله أصدقاؤه وأقرباؤه ومؤيدوه بالأحضان باعتباره رمزاً وطنياً فضل السجن على أن يدفع غرامة خمسة شلنات.

ومقابل خروج الأمير من السجن أقام له أصدقاؤه وجبة عشاء فاخرة في فندق (Rock Hotel) "فندق الصخرة"، حيث كلفت تلك الوجبة قرابة 200 شلن تخللت فيها الأحاديث الوطنية والفكاهية حتى أتوا على المائدة كلها، بعدها وقف الأمير ملقياً كلمة مقتضبة لأصدقائه قائلا لهم أنه لو كان يعلم أن المائدة ستكلفهم هذا المبلغ لرفض المائدة مسبقا، وكان يفضل أن يوجه ذلك المبلغ لتصفية الأمية في بلاده.

وبعد خروجهم من الفندق، طالبهم باجتماع في حديقة منزله، على أن يأتي كل منهم وهو متغذٍّ في بيته، حتى لا تكون سابقة للتبذير.

تقابل الأصدقاء والأقارب، والمؤيدون للأمير في الحديقة التابعة له، وتبادلوا لحديث السياسي، فقال لهم الأمير إنه اكتشف اسم الحزب السياسي من حديقة بيته، وفسر لهم ذلك، بأنه رأى يوماً شجرة باسقة تقف في المقدمة وبجانبها ثلاث شجرات نصف باسقة، وإلى جانبها عدد من الزهرات، وعلى طول الحديقة رأى تجمعات من الشجر، كل تجمع يجمع خمس شجرات، فقال إن هذا هو الحزب الطليعي، إذ أن الشجرة الباسقة هي رئيس الحزب، والثلاث الشجرات هن الأمانة العامة، والزهرات هن السكرتيرات، أما التجمعات في قوام عضوية الحزب المكونة من خمسة أفراد لكل حلقة، وختم حديثه: "هذه هي فلسفتي المعتدلة، والتي سبقت الكثيرين في معرفة تكوين الحزب".

لم يتمالك أحدهم نفسه وقال للأمير: "لكن هذا الحزب يحتاج إلى أموال طائلة لنشاطه السياسي، وأنت تؤمن بالتقتير لا بالبذخ". فقال سنجد التمويل المناسب للحزب من خلال مصادرة دكاكين التجارة والتي لا تدفع الضرائب".

فقال له: "ولكن بوليس عدن المسلح لن يسمح لنا بذلك"، رد عليه: "اطمئنوا إن الحكومة غارقة بالفساد ولا يشغلها إلا ملء جيوبها ونحن نستطيع التصرف معها.. وغدا ستنطلق مظاهرة نتولى قياها وسوف ندفع بفقراء عدن وكادحيها إلى مقدمة المظاهرة بينما نحن سندير المظاهرة من الخلف حتى لا يحصل مكروه، وكون في قبضة الحكومة ويصبح مشروعنا فاشلا.

وماذا سنرفع من شعارات وطنية لهذه المظاهرة؟ قال لهم الأمير: "اكتبوا هذا الشعار، لماذا تنام بلادي ولا أحد يصحيها".

ومع الأسف باءت خطط الأمير بالفشل، إذ واجهت المظاهرة قوة عسكرية مشكلة من النخبة البنجابية في عدن كاسرة المظاهرات، ولقي الأمير صدمة قوية عندما توجهت القنابل المسيلة للدموع إلى مؤخرة المظاهرة.

لكن الأمير المعمم أصر على متابعة نضاله بالوسائل التي اختارها، وهي النضال عن طريق اليمين السياسي، وإذا فشل سوف يلجأ إلى التطرف اليساري، وإذا فشل أيضا سيتبنى الثورة العقائدية حتى يتمكن من تحقيق مطالبه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى