أبرزهن الأرامل والمطلقات.. الأوضاع المعيشية تدفع بنساء تعز إلى سوق العمل

> تقرير/ مرزوق ياسين

> في شقة صغيرة مكونة من غرفتين تعمل إشراق هي وزوجها على مدار اليوم لإنتاج تصاميم جديدة وتجهيز موديلات من الحقائب الجلدية النسائية ومن ثم توزيعها على المحلات التجارية لبيعها في السوق.
الظروف والأوضاع المعيشية الصعبة التي واجهتها إشراق المقطري بعد تعرض زوجها للإعاقة إثر إصابته بقذيفة أواخر العام 2015م كانت دافعاً لها للعمل والبحث عن مصدر دخل.

في معرض لتشجيع المنتجات النسائية نظمته جمعية تشجيع الإنتاج المحلي لأرامل ومطلقات ومتضررات من الحرب، ثمة عشرات النسوة وقفن بصلابة لمواجهة ظروف معيشية صعبة وقررن العمل والاشتغال على منتجات حرفية قد تتحول إلى ماركات وعلامات تجارية إذا ما حظيت بالدعم والتشجيع من الجهات الحكومية.
تعتزم "المقطري" توسيع عملها الخاص وافتتاح مشغل خاص لإنتاج الحقائب الجلدية.

مواجهة المعاناة
تقول في حديثها لـ "الأيام" عن معاناتها وطموحاتها المستقبلية: "بدأنا كحلم، وكنت أشعر أن تحقيق أحلامي مستحيل في زمن الحرب، فزوجي الذي كان يدفع إيجار المنزل ويتكفل بمصاريف البيت من خلال عمله الحر (مقاول أشغال كهرباء) أصيب بقذيفة في شارع العواضي في تاريخ 8 أغسطس 2015م وتعرض لإعاقة دائمة".
وتضيف: "وصلنا إلى حالة مأساوية بسبب الحرب ومعاناة زوجي بسبب الإصابة، وبدأنا نفكر في مشروع يغنينا عن مد أيدينا إلى الناس حيث قررنا إنتاج الحقائب الجلدية في البيت، وبعدها أسسنا ماركة (الضياء) وبدأنا ننتج عدداً من الموديلات ونوزعها على السوق والأقارب والحارة وجدنا تعاطفا كبيرا".

تقول أشراق: "إن العام 2019م كان بداية انطلاقة عملها وإنتاجها للحقائب من خلال عقود مع محلات تجارية وتجار جملة، وأنها بدأت تواجه طلبات كبيرة لا تستطيع تغطيتها بسبب محدودية الإنتاج في البيت"، مضيفة: "إنتاجنا تحسن بشكل كبير واستطعنا ضبط جودة المنتجات، وقبل أسابيع اتفقنا مع أحد التجار لإنتاج 2000 درزن منوع من الحقائب خلال الأشهر القادمة حتى عيد الفطر، ولكن لن نستطيع تغطية الطلب، وأفكر في إيجاد معمل بالشراكة أو عبر قروض وتأهيل كادر نسائي للعمل فيه والانتقال إلى أسواق جديدة في محافظات أخرى".

صعوبات متعددة
بدأت العديد من النساء الانخراط في العمل الإنتاجي خلال سنوات الحرب وصعوبة التنقل بين مديريات محافظة تعز التي يتقاسمها الانقلابيون وقوات موالية للشرعية على الرغم من الصعوبات والتحديات والانفلات الأمني.
نجوى ناجي السماوي التي تكافح من أجل علاج طفلها المصاب بطلقة نارية في عموده الفقري وتسببت له بإعاقة دائمة بقيت على مدى عام؛ تتأمل بوضع طفلها في المستشفى حتى تستقر حالته الصحية ويعود إلى المدرسة لكن حالته لم تستقر.

تقول نجوى التي تعمل متطوعة في مدرسة الثورة للبنات (مشرفة اجتماعية): "لم أحصل على وظيفة حكومية ولم أجد أي جهة تتكفل بعلاج ابني بنقله إلى الخارج، بل ولم أحصل على مقابل من خلال عملي التطوعي في المدرسة، فلجأت إلى العمل الحرفي من خلال الانخراط بدورات تأهيلية في مجال إنتاج الإكسسوار والأعمال اليدوية".

نجوى خريجة كلية العلوم الإدارية اختارت لها علامة تجارية لمنتجاتها تحمل اسم (أم محسن)، ومحسن طفلها الذي أصيب بطلق ناري راجع في عموده الفقري، تضيف في حديثها لـ "لأيام": "للأسف كل شيء يحتاج إلى وساطة هنا، وأنا لا أستطيع الوصول إلى المسئولين الذين لا وجود لهم في المحافظة ولا يعملون من داخلها.. حصلت على مبلغ تشجيعي من أحد أقاربي للعمل وإنتاج الإكسسوار، ومنذ عام وأنا أشتغل على العديد من نماذج الإكسسوار وأعمال الخرز وأطرحها في السوق والحي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي".

تأمل نجوى توفير نماذج خاصة من الخرز ومنتجات الإكسسوار لتحقيق أفضل منتجات منافسة.
تقول نجوى: "ثقتي بالله كبيرة في تحقيق المنافسة وتوفير علاج لطفلي فلذة كبدي".

كفاح
لم تكن لولا عبده محمد تفكر بالعمل قبل وفاة زوجها؛ لكنها اضطرت بعد مراحل نزوح متعددة هي وأطفالها للتفكير في فرصة عمل من خلال إنتاج البخور.
وعن معاناتها تقول: "توفي زوجي وواجهت صعوبة في توفير لقمة العيش لأطفالي، وحصلت على دورات خاصة بصناعة البخور وإنتاج العطور والأخضرين والمخمرية".

بعد عام من العمل وإنتاج البخور بدأت منتجات لولا تحمل ماركة اسمها (اللؤلؤة)، وقد شاركت في أكثر من معرض وبازار تقول لولا لـ "الأيام" إنها تعيش هي وابنتها وولدها الصغير في مسكن تابع لعائلة كبيرة ومن المحتمل أن يتم بيع المسكن من قِبل الورثة أو إخراجهم منه وهي تعمل وتكافح من أجل لقمة عيش كريمة وشراء منزل لأطفالها الذين عانوا من مرارة النزوح بسبب الحرب.

من جهتها، أمل مارش، خريجة علوم سياسية لديها سبعة أطفال، تعمل أيضا على إنتاج الإكسسوارات، ودفعتها الحرب للخروج للعمل ومواجهة أعباء الحياة ودفع إيجار المسكن.
تقول مارش: "واجهت صعوبات كثيرة؛ لكن يجب ألا أستسلم وأترك أطفالي يموتون من الجوع".

وفي دكان صغير في المدينة القديمة تسكن انشراح دماج المرأة المطلقة هي وأطفالها الأربعة وأمها، وتعمل في إنتاج المشغولات اليدوية والحقائب والإكسسوار.
تقول دماج إنها تمكنت من خلال عملها تجميع مبلغ مالي وشراء دراجة نارية لابنها الكبير ليعمل عليها بعد عودته من المدرسة الثانوية.

كما تتمنى دماج التغلب على وضعها المعيشي الذي وصفته بالبائس والانتقال إلى مسكن يليق بها وأطفالها.
خلال العام الماضي بدأت حور القباطي عقب انفصالها عن زوجها بالاشتغال على منتجات يدوية ومطرزات لبيعها في الحارة ومن خلال مشاركتها في بعض المعارض النسوية التي تقام بين الحية والأخرى في المدينة.

جهود محدودة
ويقول القائم بأعمال رئيس الجمعية اليمنية لتشجيع الإنتاج المحلي، د. خالد غيثان: "إن الحرب أثرت بصورة كبيرة على المرأة وتسببت بحصار كبير على المدينة وأفقدت الآلاف من المواطنين فرص العمل الحرة، وأدت إلى مشكلات اجتماعية وأسرية كبيرة".

ويؤكد غيثان في تصريحه لـ "الأيام" على أهمية توفير معارض دائمة للمنتجات الحرفية وإلى دور الغرفة التجارية والصناعية ووزارة التجارة والصناعة والجهات الحكومية والمجتمع المدني في دعم دور المرأة وتمكينها اقتصاديا من خلال توفير قروض ميسرة وتدريب الكوادر النسائية في إدارة المشاريع الصغيرة، مشيراً إلى أن "جهود الجمعية محدودة ويجب أن تتضافر جهود جميع الجهات".

وضع كارثي
في محكمة غرب تعز تعج محكمة الأحوال الشخصية بالقضايا التي تنتظر الفصل فيها من قِبل المحكمة.. يقول المحامي علي حنش لـ "لأيام": "أغلب القضايا التي تنظر فيها المحكمة مرتبطة بالوضع الاقتصادي، ومنها قضايا نفقة وخلافات أسرية وحضانة وخلع".
ويضيف: "كل يوم ينظر قاضي المحكمة في (30) قضية مرتبطة بالنفقة والخلافات بين الزوجين، وهي مرتبطة بأوضاع الناس المعيشية".

وفي شارع (26) سبتمبر وسط المدينة ثمة مركز تجاري تم استئجاره من قِبل عدد من النساء لفتح محلات تجارية خاصة بالمرأة.
وتقول العاملات على المركز إنه فرصة لتوفير فرص عمل للنساء في التجارة والكوافير وبيع الملابس النسائية ومتطلبات المنزل.

محاولات في مدينة متخمة بالألم
بالرغم من الأوضاع التي تمر بها مدينة تعز ثمة محاولات نسائية لمواجهة التحديات لكن المدينة ذات الكثافة السكانية الكبيرة تحتاج إلى انتشال وجهود استثنائية لمعالجة مشكلات الكهرباء والمياه لوقف تسرب الفتيات من التعليم الجامعي خصوصاً من المديرية الريفية، وتوسيع قاعدة الضمان الاجتماعي، وتوظيف النساء في الجهاز الحكومي المتخم بالازدواج الوظيفي والعسكرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى