من بصمات الحضارم بعدن.. المساهمة بعمل مشاريع إستراتيجية واقتصادية ضخمة

> تقرير/ خاص

> للحضارم بصمات إستراتيجية في أنحاء العالم ومدن كثيرة منها ومدينة عدن بالذات كانت وجهة للحضارم ذوي الشغف والحب للمشاريع الإستراتيجية والهامة، وفي حديثنا هنا سنتطرق لمساهمات الحضارم في عمل مشاريع اقتصادية ضخمة وإستراتيجية في مدينة عدن في الفترة من عام 1990م وحتى يومنا هذا.
فحين يتم ذكر هذه الفترة يبرز على السطح دوماً أسما الأخوين المهندسين أسامة باوزير وطاهر باوزير اللذين يرجع الفضل إليهما بعد الله سبحانه وتعالى في إقامة مشروع تطوير ميناء الحاويات أو ما يعرف عنه في حينه مشروع المنطقة الحرة.

بدأ آل باوزير مع شركاء آخرين في مشاريع اليمن في بداية التسعينات من القرن الماضي؛ حيث اضطلع آل باوزير وتحديداً الأخوين المهندسين أسامة وطاهر بالبحث ودراسة المشاريع الإستراتيجية التي تعود بالنفع على المستثمرين وعلى الدولة بوقت واحد، فمن ضمن هذه المشاريع بروز فكرة مشروع عمل ميناء في منطقة كالتكس يختص بتجارة الترانزيت للحاويات بشكل أساسي، بالإضافة إلى عمل مناطق صناعية وقرية شحن لتكون منظومة كاملة تعتمد عليها مدينة عدن كبوابة نحو رفع مستوى الفرد فيها وإيجاد دخل أكبر للمدينة وعمل بنية تحتية متناسبة مع متطلبات المرحلة.

وهنا تبرز بعض الأمور التاريخية والمحفزة للمشروع: في عام 1990م وبعد اتفاقية الوحدة الاندماجية بين نظامي الحكم في الشمال والجنوب والزيادة المضطردة في إنتاج النفط في المناطق الجنوبية بصورة رئيسية واكتشاف احتياطيات إضافية للغاز الطبيعي؛ أوجدت تغييرات كبيرة في البنية الاقتصادية وازداد التوجه نحو تخصيص المشاريع الكبرى على أسس تجارية ومنح امتيازات استثمارية والسعي نحو النمو الصناعي والتجاري والخدماتي بما يؤدي لدعم متطلبات النمو الاقتصادي على المستوى المحلي والخارجي، مع التوجه نحو دعم الاستثمار، وتخصيص المشاريع، تقدمت إحدى شركات القطاع الخاص وهي الشركة اليمنية للاستثمار والتنمية المحدودة بالدخول في اتفاقية مبادئ مع الحكومة اليمنية لتطوير أول ميناء للحاويات ومنطقة حرة صناعية وتجارية مناطق تخزين بمساحة إجمالية تبلغ ألف وخمسمائة وخمسين هكتارا يقوم القطاع الخاص بتطويرها وتشغيلها تجاريا تحت نظام الامتياز الاستثماري، وذلك في الجهة الشمالية من ميناء عدن الطبيعي في منطقة جزيرة كالتكس.

ثم استكملت تلك الاتفاقية بالدخول في الاتفاقية النهائية لتطوير ميناء الحاويات والمنطقة الحرة بمشاركة استثمارية بين الشركة اليمنية للاستثمار والتنمية وشركة موانئ سنغافورة ومستثمرين من المملكة العربية السعودية في تاريخ 18/03/1996م، وقد كانت هذه الاتفاقية الأولى والوحيدة آنذاك على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربي.

إن تميز موقع ميناء عدن كنقطة تبادل وترانزيت للحاويات هو من الأمور التي تدركها شركات الشحن البحري الكبرى، وقد نمت الحركة في الميناء بعد تشغيل ميناء الحاويات في المنطقة الحرة وميناء المعلا من عشرة آلاف حاوية سنوياً في عام 1994م إلى أكثر من خمسمائة ألف حاوية في عام 1999م، معظمها حاويات ترانزيت عابرة لموانئ أخرى في المنطقة.

ويعتبر ميناء الحاويات والمنطقة الحرة عدن أحد الموارد الاقتصادية لمدينة عدن مع إمكانيات مستقبلية كبيرة، كما يعتبر "بوابة الجنوب إلى العالم"، ومع القدرات المتوفرة لاستقبال وتحميل أكبر سفن الحاويات العملاقة بجميع أنواعها فإن ميناء عدن للحاويات في الجهة الشمالية من ميناء عدن الداخلي بتصميمه وتجهيزاته قابل للتوسعة السريعة في الطاقة الاستيعابية للتفريغ والتحميل والتخزين؛ بحيث يصل إلى ثلاثة ملايين حاوية سنوياً، وقد كان ميناء الحاويات عند تدشينه في شهر مارس عام 1999م صمم وجهز بطاقة استيعابية إجمالية تصل إلى مليون ومائتي ألف حاوية سنوياً، وقد بلغت الحركة الفعلية في عام 2008م بمعدل 500 ألف حاوية، وانخفضت بسبب الظروف الأمنية حالياً إلى حوالي 160 ألف حاوية، وجهتها النهائية السوق المحلية.

إنشاء مجموعة شركات محلية
وعودة لدور الحضارم نبرز لكم في هذا التقرير ما تم إنجازه وذكره سابقاً، ففي عدن عمل الشركاء على إنشاء مجموعة شركات محلية؛ أبرزها الشركة اليمنية للاستثمار والتنمية المحدودة التي رأسها م. أسامة محمد باوزير، والتي بدأت وعلى حسابها الخاص وبالاتفاق مع الدولة ممثلة بالهيئة العامة للمناطق الحرة بعمل دراسة للمناطق التي يمكن أن تكون مناطق تساعد الدولة لعرضها للمستثمرين الدوليين كمناطق حرة بمختلف أنشطتها، وكانت الشركة اليمنية قد تعاقدت مع شركة "المهندسون المتحدون" إحدى شركات مجموعة ريثيون الأمريكية العالمية لعمل الدراسة المستفيضة لمدينة عدن والمواقع المفترضة لحجزها واستغرقت الدراسة 12 شهراً بدأت من بداية يناير 1991م، وحتى نهاية ديسمبر 1991م، وخلصت الدراسة إلى تحديد 15 منطقة في مدينة عدن يجب على الحكومة أن تعمل على حمايتها وحجزها لتكون منظومة كاملة لمنطقة عدن الحرة.

من النتائج المهمة للدراسة هو أن ميناء عدن لا يبعد أكثر من 4 أميال بحرية من خط الملاحة الدولي، وبالتالي موقعها الجغرافي يوفر أمرين أساسيين؛ هما: وقت الرسو وقيمة بعد الميناء البديل عن ميناء عدن.

بعد ذلك تم تحديد تلك المناطق ثم إصدار قرار مجلس الوزراء برئاسة م. حيدر العطاس، وكان يحمل الرقم (65) للعام 1993م بتحديد المناطق الخمسة عشر، والتي كانت خلاصة الدراسة كمناطق تابعة للهيئة العامة للمناطق الحرة، بعدها على الفور بدأت مفاوضات بين الشركة والحكومة للعمل علي تطوير أول تلك المشاريع، وهو بناء ميناء خاص بالحاويات في عدن، وبدأت المفاوضات في عام 93م، وتوقفت بسبب حرب صيف عام 94م، وبعد الحرب وتحديداً في صباح يوم 30 نوفمبر عام 1995م تم توقيع اتفاق مبادئ بين الشركة اليمنية للاستثمار والحكومة اليمنية كبداية لاستثمارات الشركة في مدينة عدن، وقد وقع العقد عن الشركة الأخ طاهر باوزير وعن الحكومة أ. عبدالقادر باجمال، وبعد ذلك بدأت مفاوضات ماراثونية تفصيلية في صنعاء لمدة طويلة دارت اجتماعاته في فندق الشيراتون في صنعاء.

اتفاق لتطوير ميناء الحاويات بعدن
في 18 مارس 1996م وبعد جهد ضخم جداً من طرفي العمل، تم الاتفاق النهائي بين الشركة والحكومة اليمنية على تطوير ميناء الحاويات في عدن، وقد وقع الاتفاق م. طاهر باوزير من طرف الشركة، ورئيس مجلس إدارتها وأ. عبدالقادر باجمال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمناطق الحرة.

تلا ذلك بأيام وضع حجر الأساس للمشروع من قِبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في موقع المشروع وبحضور المسئولين في الدولة وكبار الشخصيات الحكومية والدولية، وكانت لحظة فارقة في تاريخ المدينة والدولة والإقليم في حينها؛ حيث صنعت الشركة ومهندسو الاتفاق (أسامة وطاهر باوزير) تاريخا لن ينسى من ذاكرة مدينة عدن والعدنيين.
صورة من مفاوضات الشركة اليمنية للإستثمار مع الحكومة اليمنية لتطوير ميناء كالتكس
صورة من مفاوضات الشركة اليمنية للإستثمار مع الحكومة اليمنية لتطوير ميناء كالتكس

غطت احتفال وضع حجر الأساس للمشروع وكالات أنباء محلية وإقليمية وعالمية، وصار المشروع حديث الشركات المهتمة على مستوى العالم، كما حضره بالإضافة للرئيس اليمني والحكومة اليمنية جميع السفراء الممثلين لدولهم في اليمن ومجموعة كبيرة من الشركات العالمية، وكان ذلك اليوم يوماً تاريخياً بامتياز.
في الختام، يجب أن نتذكر دائماً أن أهمية مدينة عدن ومينائها تتمثل كونها تقع على تقاطع أهم الطرق البحرية في العالم، ويقع مينائها على بعد أربعة أميال من خطوط الملاحة الدولية (ساعتي إبحار) بين الشرق والغرب، والتي تعبر باتجاه البحر الأحمر وقناة السويس إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
صور للمهندسين اسامة باوزير (يمين) وطاهر باوزير(يسار )
صور للمهندسين اسامة باوزير (يمين) وطاهر باوزير(يسار )

تاريخياً بُني الميناء كمحطة تزويد بالفحم الحجري للبواخر التجارية البريطانية المبحرة بين شبه القارة الهندية وأوروبا، وقد كان ميناؤها الطبيعي مؤهلا لجعلها نقطة استقطاب للسفن كما هو الآن، ولكن التقلبات السياسية والأمنية خلال السبعين سنة الماضية منذ مرحلة التخلص من الاستعمار البريطاني، ثم الاستقلال ونشوء دولة الجنوب ثم اتفاقية الوحدة وما تبعها من عدم استقرار ونزاعات قد أدت إلى تعطيل إمكانيات النمو الاقتصادي والحركة التجارية التي كانت تتمتع بها المنطقة.

حالياً يمر بالقرب من ميناء عدن وباتجاه باب المندب وقناة السويس حوالي خمسة ملايين برميل نفط يومياً عبر الخطوط البحرية الدولية، كما أن الخط البحري الرابط من المحيط الهندي ثم البحر العربي عبر باب المندب ثم البحر الأحمر إلى قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا وأمريكا الشمالية يعتبر من أهم خطوط الملاحة الدولية؛ حيث يبلغ حجم التجارة المنقولة بحرياً عبر هذا الخط أكثر من ثلاثين بالمائة من حجم التجارة العالمية (يبلغ حجم تجارة الصين الشعبية لوحدها ما يقدر قيمته بخمسمائة مليون دولار يوميا عبر هذا الخط)، وتمر هذه الخطوط البحرية بكل من: موانئ المملكة العربية السعودية، السودان، مصر، الصومال، إريتريا وجيبوتي، ويعتبر عدن أقرب الموانئ إلى باب المندب.

استثمار في مجلات متعددة
تقع عدن في موقع ذي أهمية إستراتيجية للتجارة العالمية، وأكثر أهمية للأمن الإقليمي. فهي تقع على بعد ساعات من مضيق باب المندب الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر، ويربط الموقع تقاطع الخطوط البحرية والبرية بين الشرق الأقصى الخليج العربي وأفريقيا وأوروبا والساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، ويمتلك أهمية كبيرة للاقتصاد العالمي؛ حيث تشير الإحصائيات إلى عبور ما يقرب من ثلاثين بالمائة من حجم التجارة العالمية في خط الملاحة على بعد أميال من ميناء عدن في طريقها إلى وجهتها النهائية.

هذا هو أبرز الأمثلة لشغف المستثمرين الحضارم للمشاريع الإستراتيجية وعلى يد تجار حضارم لهم باع كبير في العلاقات المحلية والإقليمية والدولية استغلوها لخدمة أوطانهم ومجتمعهم ومحيطهم الإقليمي.

مثل هؤلاء المستثمرين يجب علينا جميعاً أن نبحث عنهم ونضع أيدينا في أيديهم خاصة وأنهم أسهموا بشكل استثنائي في ترجمة المشروع من فكرة إلى حقيقة وواقع وبطريقة هادئة وبدون ضجيج، كما عمل الإخوة باوزير في عدة مجالات أخرى بجانب هذا المجال وأبرزوا إبداعاتهم في مشاريع كثيرة منها المحلية والإقليمية والعالمية، كما أبدعوا في الكثير من المشاريع العقارية ومشاريع أخرى قوية وكثيرة لا يسمح المجال لذكرها في هذا التقرير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى