الإبداع بين الفهم والتذوق

> أسامة المحوري

> إن المحاولة المستميتة لمعرفة تفاصيل الأشياء تحرم صاحبها غالباً من الاستمتاع بجمالها، فالزهرة التي تشغل الناس شكلاً ورائحة تشغل البيولوجي فهماً ومعرفة، فيخسر متعة تذوق الجمال في سبيل البحث عن مكنونات الفهم. وهذا ينطبق تماماً على تلقي النصوص الأدبية فهماً أو تذوقاً، فمن كسب الأولى خسر الثانية، فمحاولة البحث عما وراء النصوص الأدبية يتسبب غالباً في الحرمان من التلذذ بجمالها، ولذلك يقول الناقد الفرنسي سانت بوف: "الناقد يفهم الشعر ولا يتذوقه"، ومن هنا يبدو أن حكم الناقد على النصوص الأدبية حكماً منقوصاً، فرؤيته للنصوص الأدبية رؤية علمية جامدة، بينما الإبداع تجربة شعورية متحركة، وهذا ما دعا عباس محمود العقاد لتشبيه الناقد الأدبي بشرطي المرور، إذ أنه ينظم حركة الآخرين ولا يتحرك، ولعل العرب لم تطلق المثل القائل: "المعنى في بطن الشاعر" عبثاً، بل ليمتنع الجمهور العام عن الخوض في أسئلة مكنونات المعنى الشائكة، فيأخذ المتلقون الجمال كما هو وعلى طبيعته شكلاً، ورائحة، دون الخوض في بطون أوديته المبهمة، وكأنني بالبحتري وقد ضاق ذرعاً بمن يقحمون أنوفهم في جذور نصوصه ويتركون ثمارها اليانعة حين يقول:
علي نحتُ القوافي من معادنها
وما علي إذا لم تفهم البقرُ
وختاماً..
ألا يحق لنا أن نتساءل: أمن الصواب أن تُعرض النصوص الإبداعية علي ميزان النقد العلمي بعيداً عن ميزان التذوق الجمالي، أم أن الأولى أن تُمسك العصا من الوسط نقداً وتذوقاً لنخرج بالقيمة الفنية الكاملة لتجاربنا الإبداعية؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى