لقاح هام "قصة قصيرة"

> سالم فرتوت

> أعلنّا عبر ميكرفون متجول عن وصول لقاح ضد ذلك الفيروس المرعب الذي تنتقل عدواه بأسهل الطرق، فلا يدع لك فرصة البقاء أكثر من بضعة أيام.
غادرت الناس بيوتها، في هذه الساعة المتأخرة من الليل، باتجاه المركز الذي حددناه في البلدة المذعورة.

في المركز تزاحموا وتدافعوا باتجاه باب الحجرة التي نصرف فيها اللقاح، وبيد كل منهم ما يملك ليدفعه نظير حماية حياته.
لم يتمكن أحد من الوصول إلينا بعد، وحارس الباب يهتف بهم :"يا جماعة انتظموا.. اللقاح للجميع!"

لست أدري من ومتى اكتشف اللقاح الذي بحوزتنا؟!
سرّبنا إشاعة عن اللقاح من أن المكتشف هو طبيب عبقري معروف عالمياً، والذي كان قد أوجد لقاحات لأمراض مستعصية، بعضها تسببها فيروسات قاتلة عجز علماء الغرب والشرق عن اكتشاف علاجات ناجعة لها ناهيك عن لقاحات.

يا جماعة انتظموا.. ليدفع كل منكم ما يقدر عليه! وراح كل منهم يلوح بالنقود أو الذهب ليطمئن من غدر الفيروس الذي أصابته الغيرة، طيلة سنين، من سطوة وهيبة زميله فيروس الإيدز، فجعل يعد العدة لإطاحة به، فكان له ذلك.
إن البشر هنا يتدافعون محدثين جلبة للظفر باللقاح الذي اكتشفه الطبيب العالم العبقري في شكل حبة صفراء سرعان ما تنتشر في الجسم وتهبه المناعة ضد كورونا اللئيم..! كما بيّنّا في دعايتنا للقاحنا.

الناس تتوافد، تتدافع، تتشاجر لتصل إلينا طمعاً في الحصول على اللقاح إياه لتتحدى ابن الحرام، المدعو كورونا، وأنا أجمع ثروة لم أكن لأحلم بها.
فكرة شيطانية عنت لي بينما كنت أفكر في تصريف أدوية صيدليتي.

وضعت إرشادات ملونة مصحوبة برسوم توضيحية على الحيطان عن كيفية تناول اللقاح: "حبة الآن، وعلى الريق.. الثانية والثالثة عند النوم وإلى الجحيم ياكورونا اللئيم".
رأيت الارتياح على وجوه من تسلموا لقاحهم، وأخفيت ارتياحي مما أكسبه. والجماهير تتزاحم، وأخرج إليهم، وبيدي مكبر الصوت اليدوي: "يا إخوة طابور، لن نغادر إلا بعد أن يحصل كل واحد على حاجته"، على بعد، لمحت عجوزاً يتوكأ عصاه وهو يستعطفني أن أرحم عجزه فآتيه باللقاح!

ونساء يبحثن عمّن يقدر أنوثتهن فيسمح لهن بالأولوية ولكن لات حين شهامة.
إن كلاً معنيّ بذاته، بما في ذلك أنا الذي أحطت هويتي بلثام خشية كورونا وخشية أن يعرفني أحد فتعرف الجهات المختصة فيبتزني القضاة الفاسدون في بلد سائب.

تدافعوا وداس بعضهم على الآخر للظفر باللقاح الذي وصل في ساعة متأخرة من هذه الليلة، كما زعمت الإشاعة التي دسستها فيهم.
أذن مؤذن للفجر، فخرجت إليهم، وهتفت: "صلوا الفجر!"، وأقام الصلاة أحدهم وأمّهم آخر، أجرتهما وبينما كانوا يصلون أطال الإمام السجود. انسللت مغادراً المكان وكنت قد بعتهم حبوب صيدليتي الكاسدة كلها.. عدت إلى منزلي، غيرت ثيابي ورميت اللثام عن وجهي، ووضعت كمامة، عدت بدون قناع حتى لا تثار شبهة ضدي. أنهوا الصلاة فتدافعوا مرة أخرى نحو باب غرفة صرف اللقاح، وحذوت حذوهم يحدوني أمل بلقاح يهبني السكينة أنا الآخر.. فلم نجد أحداً فيها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى