السنة السادسة من حرب اليمن.. هل تكون عام مفاوضات السلام؟

> السلام الدائم لن يتحقق بإهمال الاتفاقات السابقة أو إلغائها

> لؤي يحيى الإرياني
اليوم هناك فرصة حقيقية لإحلال السلام في اليمن، على رغم وجود مؤشرات يمكن أن توحي بعكس ذلك وتُعيد في أي لحظة إشعال دوامة العنف اليمنية الطويلة التي باتت أشبه بأسطورة عقاب "سيزيف". سيزيف الذي ما أن يقترب وصخرته الحجرية إلى قمة التلة حتى تتدحرج الصخرة ويبدأ من جديد.
والحال أننا ما زلنا اليوم أمام فرصة ذهبية لإطلاق عجلة عملية سلامٍ تقودها الأمم المتحدة وتحول دون وقوع صخرة "سيزيف" من جديد، شرط توفر الإرادة الجدية لدعمها بروحٍ من الانفتاح والعدل.

بعد ست سنوات من الاقتتال الذي نشب بسبب الانقلاب الذي نفّذته جماعة الحوثي بدعم إيراني، لم يعد يُخفى على أحد حجم الكارثة التي يستفيق اليمنيون عليها كل يوم والتي تجعل من اغتنام فرصة الانتقال إلى عملية السلام أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

هي كارثة عشرات آلاف القتلى المدنيين، والملايين المدفوعين إلى حافة المجاعة، والمحرومين من رواتبهم، والرازحين تحت أوضاع اقتصادية ونقدية لا تُحتمل. تُضاف إلى تلك العواقب الوخيمة تطورات ميدانيّة خطيرة يُخشى تكرارها وتصاعدها، تتبعها تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي المتأزم، لا سيما بعد تصاعد التوتر الأميركي ـ الإيراني، ليزداد الوضع اليمني هشاشة وينعكس تصعيدا على أرض اليمن.

دفعُ الحوثيّين إلى الاستجابة لجهود إحياء السلام
إن وضعَ حدٍّ لتلك المآسي والمخاطر المُحدِقة باليمن أمر ما زال في دائرة المُمكن، شرط تحقّق أمرين متلازمين: أولهما ضرورة صب النيّات والجهود باتجاه هدفٍ واحد هو الوصول إلى اتفاق سلامٍ يُنهي الحرب عبر المرجعيّات الثلاث المؤلفة من المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216؛ وثانيهما ضمانةُ مشاركة جميع الأطراف في أي مسارٍ يمني ـ يمني مستقبلي.

فهذان المكونان أساسيان لنجاح أي مفاوضات، على أن تشمل وتعترف المفاوضات المنشودة بحاجة اليمنيّين إلى حل الإشكاليات التاريخية التي أشعلت نيران الحرب في بلادهم، لا الهرب منها. فلا يمكن صرف النظر عن واقع أن الحرب اندلعت في الأساس نتيجةَ خرق اتفاقات وتفاهمات مهمة لم يُلتزم بمضامينها، ورُفض تطبيقها حتى بعد إقرارها، إلى أن تم الانقلاب عليها كليا عام 2014.

واليوم، على المجتمع الدولي أن يدفع الحوثيّين إلى الاستجابة إلى جهود إحياء عملية السلام وتطبيق جدّي لاتفاقية استكهولم والمشاركة في مفاوضات شاملة حول مستقبل اليمن، مع العلم أنهم هم مَن انقلبوا على الدولة وسيطروا على مؤسساتها. وهذه النقطة تحديدا هي ما سيقودنا إلى سؤال محوري لا يجوز تفاديه إذا ما كنا حريصين على إنجاح أي مفاوضات مستقبلية من أجل اليمن. والسؤال هو:

ما الذي يضمن ديمومة اتفاق السلام القادم وعدم الانقلاب عليه؟
انطلاقا من قاعدة المرجعيّات الثلاث، نجد أنفسنا أمام مجموعة من المقترحات البنّاءة المتراكمة عبر السنوات الماضية، والتي دُرست سابقا ضمن أطر اتفاقات وتفاهمات وحوارات، يمكن إحياؤها والاستناد إليها لإنجاز اتفاق سلام مبني على أسسٍ قوية.

وتتضمن هذه المقترحات تشكيل حكومة وفاق وطني، واستكمال عملية صياغة الدستور الجديد والتصويت عليه باستفتاءٍ شعبي، تُضاف إليها النقاط السبع التي وضعها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن السيد مارتن جريفيثس، لا سيما وأنها واضحة في تشديدها على ضرورة إعادة احتكار الحكومة اليمنية القوة وعدم السماح لأي جهة باستخدام العنف لتحقيق غاياتها خارج نطاق الدولة. فالدولة اليمنية القوية والتي يتشارك الجميع بعدالة ومن دون إقصاء في السلطة والثروة فيها، هي اليوم الضامن الحقيقي، لا بل الوحيد، من أجل الوصول إلى سلامٍ دائم في اليمن.

وقبل الانخراط في أي مفاوضات سلام مستقبليّة، من واجب الجميع خلع العقليّة السياسية القديمة لصالح بلورة عقليّة جديدة لا تعمد، كما في الماضي، إلى ترحيل الخلافات المفصليّة إلى المستقبل. فهذا بالذات ما يخشاه اليمنيّون، وهذا بالذات ما سيؤدي إلى مراسم توقيع اتفاق سلامٍ لن يدوم إلا لفترة وجيزة سيتبعها حلقةٌ جديدة من الاقتتال. لذا، علينا تركيز أولوياتنا على تنفيذ اتفاقية ستوكهولم كمدخل رئيسي وسليم لعقد محادثات سلام تضم جميع الأطراف، وتتقصّد خوض، بدل تفادي، مناقشة التفاهمات السابقة والقضايا الحسّاسة.

قنوات الحوار يجب أن تبقى مفتوحة
ما يهم أيضا هو الوصول إلى اتفاق سلامٍ في اليمن يكون قابلا للتنفيذ، وذلك عن طريق إشراك جميع الأفرقاء فيه، تعزيزا لالتزامهم به، وتضمينه حلولا عملية لمشكلات اليمنيين التاريخية والتي من شأنها توطيد السلام في اليمن وجعله سلاما حقيقيا وجذريا ومستداما.

أثبتت التجارب السابقة أن المسار السياسي والمجتمعي الأكثر انسجاما مع كلّ تلك الشروط كان الحوار اليمني الوطني الشامل، لما تضمّنه من بنود تناولت شكل الدولة القوية ونظام الأقاليم الذي يضمن المشاركة العادلة وعدم إقصاء أي طرف يمني. أما ما يُثار عن معارضة بعض الجهات على مخرجات هذا الحوار بعد إقرارها لها، أو ادعاء أنها غير قابلة للتطبيق، فهي لازمة من الخطير الترويج لها لأن تردادها سينسحب حتما على أي مسار أو اتفاق يمني مستقبلي ويقضي عليه في مهده.

المؤكد اليوم هو أن قنوات الحوار والتفاوض يجب أن تبقى مفتوحة ليبقى الأمل بعملية السلام أملا نابضا ومستبشرا خيرا لجميع اليمنيّين الذين سئموا الشرّ والحرب.
لكن المؤكد أيضا أن السلام لن يتحقق بإهمال اتفاقات اليمنيين وإلغائها، إنما بالتمسك بمبادئها والالتزام بتنفيذها. وإلا، يُخشى أننا نعرّض أي اتفاقات مستقبلية لمصير الاتفاقات السابقة المُهمَلة نفسه ونمهّد لإطلاق شرارة جولة عنف أخرى... وتَدحْرجٍ "سيزيفي" جديد لن تُحمد عقباه.

"الحرة"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى