حبّان اليمنية.. مدينة الحضارات تعاند الموت وعينها على قائمة «اليونيسكو»

> جمال شنيتر

> في الطريق الرابط بين أكبر مدينتين في جنوب اليمن، عدن والمكلا، تقع حبّان. واحدة من أهم المدن التاريخية في محافظة شبوة، والمرشحة اليوم للانضمام إلى قائمة المدن التاريخية اليمنية، بحسب تصنيف منظمة اليونيسكو.
وقد احتلت هذه المدينة موقعاً جغرافياً مهماً في جنوب شبه الجزيرة العربية واليمن، مما جعلها -قديماً- مركزاً للقوافل التجارية القادمة من الموانئ البحرية جنوباً والذاهبة إلى مناطق يمنية في أقصى الشمال، كبيحان ومأرب وحريب والبيضاء وغيرها.

وفقاً للمدير العام للهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بمحافظة شبوة، محمد السدله، ورد اسم حبّان في النقوش العربية الجنوبية (ح ب ن) في تاريخ اليمن وجنوب الجزيرة العربية في سياق النقش السبئي المعروف بنقش النصر الكبير للمكرب (الملك) السبئي كرب إيل وتر بن ذمار علي في القرن السابع قبل الميلاد.

حبان في العصور الإسلامية
ويضيف السدله في حديثه لـ"إندبندنت عربية"، أنه في إطار الدور التاريخي للمدينة في العصور الإسلامية، تميزت بطابع جعلها إحدى مدن الحضارة الإسلامية في اليمن، ومن أهم معالمها جامع حبّان الذي يعود تاريخه إلى عام 266هـ، الواقع على ربوة مرتفعة، حتى أنه يمكن مشاهدة منارته من الأماكن البعيدة، وقد تجدّد هذا الجامع مراراً، وقد خضعت حبّان لحكم الدولة الطاهرية في القرن السابع الهجري، ثم صارت مركزاً لسلطنة الواحدي.
جامع حبان أقدم مساجد المدينة بعد تجديد عمارته (اندبندنت عربية)​​​​​​​
جامع حبان أقدم مساجد المدينة بعد تجديد عمارته (اندبندنت عربية)​​​​​​​

ومن المعالم الأخرى التي مازالت شاهدة على التاريخ والحضارة، مصنعة حبان التاريخية التي كانت مقراً للسلطنة الواحدية، وهناك العديد من الجوامع التاريخية مثل جامع باسيلان والهدار والنور وعقيل وغيرها، وتوجد في المدينة أيضاً عدة أضرحة ومقابر قديمة. ومن آثار حبّان التاريخية السور القديم، ومآثر جبل كدور حيث العديد من المباني والتحصينات وخزانات المياه القديمة والكثير من النقوش والخربشات والرسوم الصخرية.

إلى جانب كل ذلك، تتميز حبّان بمساكنها ذات النمط المعماري الفريد والجميل وتشتهر بالبناء الطيني الأصيل الذي يحمل خصائص جمالية بديعة. في العهد الإسلامي كانت حبّان مدينة علم وعلماء، وأنشئت فيها رابطات ومدارس ومكتبات، وكان الطلاب يأتون إليها من جميع أنحاء اليمن، ويزورها الكثير من مشايخ العلم من البلاد ومن خارجها.

ويقول السدله "خلال تاريخ حبان الحديث وتحديداً منذ منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ميلادي، ونظراً إلى أن عدن شهدت ازدهاراً تجارياً لأهمية موقعها الإستراتيجي، هاجر إليها اليهود القادمون من موانئ البحر الأبيض المتوسط واستقروا فيها واتخذوها مركزاً لنشاطهم التجاري، ولكنهم لم يستوطنوا عدن فقط، بل توزعوا في سلطنات ومشيخات وإمارات الجنوب العربي، ومن ضمنها سلطنة الواحدي وعاصمتها حبّان، إذ سكنتها العديد من الأسر اليهودية التي بلغ عدد أفرادها حوالى 500، وعملوا في صياغة الحلي والأسلحة البيضاء وأعمال الحدادة وصناعة الأدوات الزراعية والبناء والتجارة والزراعة، ومازالت مآثرهم موجودة في حبان، كما لهم مقبرة في ضواحي المدينة وتركوا نقوشاً كثيرة في شعب الشقب، أحد روافد وادي حبان.

جهود للاهتمام بالمدينة
يتطرق مدير عام المدن التاريخية إلى الجهود المحلية والدولية للحفاظ على معالم حبان، قائلاً: إن فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية من الفروع التي أنشئت في المحافظة عام 2012، ولكن لا توجد لديه موازنة لتشغيل الفرع ولا الموظفين. ويضيف "في عام 2014 شاركت شبوة في إعداد الإستراتيجية الوطنية لها، من خلال ورشة عمل عُقدت بصنعاء. وعلى ضوء ذلك، طلبنا من رئاسة الهيئة إدخال مدينة حبّان إلى القائمة التمهيدية اليمنية للانضمام إلى لائحة "اليونيسكو" إلى جانب مدن يمنية أخرى، من ضمنها شبام كوكبان وصعدة، وطلبوا منا الإيفاء ببعض الالتزامات الضرورية منها عمل مسوحات ميدانية لمدينة حبان، وتعزيز مشاريع البُنى التحتية فيها، إلا أن اندلاع الحرب عطل علينا كل مشاريعنا التي كنا نسعى إلى تحقيقها".
العمارة الطينية في حبان (اندبندنت عربية)
العمارة الطينية في حبان (اندبندنت عربية)

وفي سياق الدور الوطني والمحلي للاهتمام بحبّان أيضاً، يستعرض مدير هيئة المدن التاريخية في محافظة شبوة، الجهود المبذولة في هذا الجانب قائلاً: "زار وزير الثقافة في الحكومة اليمنية مروان دماج المحافظة في العام الماضي، وطرحنا عليه تنفيذ مسح للمدينة لما لهذا المشروع من أهمية كبيرة، حيث تستطيع أن تعمل قاعدة بيانات حديثة للمعالم التاريخية الموجودة فيها، مع وضع الخرائط والصور وعمل تصورات للمشاريع الخاصة بالبنى التحتية ومشاريع الصيانة والترميم، وقد وجّه الوزير برفع تصور للمسح، وحصل ذلك عن طريق المحافظ، وحتى اللحظة لم يتم البت في ما تم رفعه للوزير، وحتى عندما لجأنا لمحافظ شبوة ولاحق الموضوع مشكوراً لم تعقد أية لجنة للمتابعة، كذلك تم تجاهل طلبنا بترميم قلعة حبّان، ولكننا سنستمر، والآن نعد تصوراً لرفعه إلى منظمة "اليونيسكو". سنبذل جهودنا بحسب الإمكانيات المتواضعة من أجل مدينة حبان ومدن المحافظة الأخرى، لكي تنال اهتمام المنظمات الدولية العاملة في مجال التراث والثقافة، ويجب أن نشيد بأبناء حبّان لتحلّيهم بالمسؤولية تجاه تاريخ مدينتهم، فهم محافظون على البناء الطيني الأصيل ومهتمون بصيانة معالمهم الجميلة".

العمارة الطينية وروح التعاون
يلفت إمام وخطيب جامع حبان التاريخي أبوبكر الحوت، إلى تفرد المدينة بعمارتها الطينية ذات الطوابق الأربعة والخمسة والأكثر من ذلك، والإبداع في البناء والتصاميم الطينية العجيبة عبر كل الفترات الزمنية وحتى اليوم، منوهاً بالروح التعاونية والتكاملية التي حافظ عليها الإنسان الحبّاني، والذي تجلّى بوضوح وبشكل خاص في أعمال بناء ناطحات السحاب الطينية، حيث كان الناس يتعاونون في مجال العمران، فقد كان ملّاك الأراضي الزراعية والحرث يقدمون الشجر والطين لمن يريد البناء من دون مقابل مادي، واليوم يقوم الأهالي بعمل مبادرة يعلن عنها في الأماكن العامة لنقل اللبن، ويتعاون الكل من الأقارب والجيران لإنجاز العمل، مع وجود كوادر وخبرات متخصصة في البناء الطيني.
العلامة السيد محمد الحوت المحضار، مؤلف كتاب عن حبان (اندبندنت عربية)
العلامة السيد محمد الحوت المحضار، مؤلف كتاب عن حبان (اندبندنت عربية)

التسامح الديني
يعتبر الحوت في حديثه لـ"إندبندنت عربية"، أن من ضمن المميزات الحضارية لمدينة حبّان، التسامح الديني الذي عاشته بين الأكثرية المسلمة والأقلية اليهودية في وقت مضى، قائلاً "بلغ عدد اليهود في حبّان مطلع القرن العشرين 500 شخص، ولعل هذا العدد كان يشكل ثلث سكان المدينة آنذاك، وكانوا يتداخلون مع الناس في البيع والشراء، وأكثر شغلهم صياغة الفضة والإتجار بها، وكانوا يتنقلون بين مختلف المناطق المجاورة، وقلّما يتعرض لهم أحد بالأذى، ويتكلمون العربية بطلاقة ولهم تحالفات وأنساب مع بعض القبائل العربية، واستمروا على ذلك سنوات طوال، حتى تم ترحيلهم ضمن عملية البساط السحري إلى فلسطين عام 1948، حيث بدأ ترحيل يهود حبّان إلى ميناء بالحاف أولاً على ظهور الجمال والحمير، ومن ثم تم نقلهم بحراً بواسطة السفن الصغيرة إلى عدن، وعند وصولهم إلى ميناء عدن نقلوا بالسيارات من الشاطئ إلى المخيّم المسمى "حاشد"، الذي أقيم لتجميعهم مع بقية اليهود القادمين من اليمن".

مقر السلطنة الواحدية
وبحسب الحوت، حبّان كانت عاصمة تاريخية وسياسية للدولة الواحدية لنحو ألف عام، وكانت فيها كل المقومات الحضارية والاقتصادية والاجتماعية، وتداول على حكمها سلاطين آل عبدالواحد، وكان آخرهم في حبان السلطان حسين بن عبدالله الواحدي، وكانت تعج بالعلماء والقضاة والتجار والسياسيين والأدباء، فاستمرت عاصمة للدولة الواحدية منذ تأسيسها، وحتى عهد السلطان حسين بن عبدالله الواحدي في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري.

مكتبة ومدرسة الزهراء
تجولت "إندبندنت عربية" في المدينة لمشاهدة آثارها ومعالمها، ومنها قلعة المصنعة التي كانت مقراً للسلاطين، وحافة اليهود ومقبرتهم، والمساجد العتيقة وكريف المياه وغيرها، لكن تظل مكتبة ومدرسة الزهراء الحبّانية أبرز معالم حبان الثقافية والتعليمية والدينية منذ أكثر من ثمانية عقود، ولا تزال تمارس دورها الثقافي حتى اليوم.

وفقاً لمديرها الحالي العلّامة السيد محمد الحوت المحضار، فقد أوقف المكتبة العلّامة الحسين بن محمد أبريق الحباني، وكانت تحتوي على 400 كتاب ومخطوطة مهمة ونادرة، ولكن المكتبة تعرّضت في فترات مختلفة للمد والجزر وبخاصة في فترة الحكم الاشتراكي الماركسي للجنوب في سبعينيات القرن الماضي، حتى كادت تنتهي، بيد أنه ومع نهاية الحقبة الاشتراكية، تمت إعادة إحيائها من جديد، وهي الآن تحتوي على عدد غير قليل من الكتب والمخطوطات القديمة في مجالات الفقه والتفسير واللغة وغيرها، ومن مخطوطاتها فتح الباري، شرح البخاري، إحياء علوم الدين وفتاوى بامخرمة وغيرها.

يقول السيد محمد الحوت المحضار إن التعليم في حبّان كان عبر المساجد والكتاتيب، مثل كتّاب الحسين الحباني، وكتّاب الشبلي، ومع بداية القرن الرابع عشر الهجري رحل بعض من أهالي حبّان إلى حضرموت لأخذ العلم، ثم عادوا وافتتحوا مدارس في المدينة مثل مدرسة آل المحضار ومدرسة الزهراء، وتم في هاتين المدرستين تعليم القراءة والكتابة لأبناء حبان وضواحيها، كما تأسست رابطات العلم التي كان لها دور تنويري وتربوي كبير كرباط الشقاع، أما بالنسبة للتعليم الحكومي فقد بدأ في عام 1962 في عهد السلطنة الواحدية.

ويضيف السيد الحوت قائلاً، "كانت بحبّان عدة كتاتيب لتعليم القرآن الكريم واللغة العربية، وتأسست مدرسة الشبلي عام 1354هـ، فقام السادة آل المحضار ببناء مدرسة الزهراء عام 1356هـ، أما الهدف من إنشائها تعليم أبناء حبّان والمناطق المجاورة القرآن الكريم واللغة العربية ومبادئ علوم الدين وعلوم الحساب.

دعوة عاجلة
على الرغم من الأهمية التاريخية والثقافية السياحية الكبيرة لمدينة حبّان في شبوة إلا أنه، ومن خلال ما شاهدته "إندبندنت عربية" وأحاديث أعيان المدينة وأهاليها، من الإهمال واللامبالاة التي لاقتها المدينة من الجهات الحكومية والدولية، يتطلب ذلك تدخلاً سريعاً وعاجلاً لإنقاذ معالمها التاريخية من الاندثار وعوامل التعرية التي أدت إلى هدم عدد من هذه المعالم.

"إندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى