موتى فوق الأرض.. أسر أُجبرت على ترك مناطقها لتتخذ من الركام في عدن مأوى لها

> تقرير/ وئام نجيب

> جلوس الطفل جبران علي ذات الربيع الأول من العمر بين ركام عمارة سكنية آيلة للسقوط مهجورة الأطراف مدمرة الأساسات وبقاؤه في شرود تام، دفعني إلى معرفة ما الذي أرغم طفلاً في عمر الزهور الجلوس في هذا الموقع الخطير والموحش، اقتربت منه حينها فقط شاهدت في ملامحه مرارة النزوح وتبعاتها.

دخلت شيئا فشيئاً إلى الموقع الذي تقطن فيه أربع أسر، ورأيت مجموعة من الأقمشة المتهالكة وبعض من الكراتين والطربال واتخاذها بديل للستائر للفصل بين كل أسرة وأخرى، وقد تم تخصيص مساحة صغيرة منه إلى حمام ومطبخ دون أي فواصل، ففي الزاوية الصغيرة التي تم تخصيصها للطبخ بواسطة الحطب تخلو من الأساسيات والمعدات، مع انعدام تام للمواد الغذائية فيه.

قلة حيلة وضنك العيش تجسدت معانيها في تلك الأسر المنكوبة التي دفعت بها الحرب للرحيل من مأمن العيش في بلدها إلى مصير مجهول يشوبه الكثير من المخاطر والمذلة بعد أن انعدمت أمامها كافة الخيارات، فيما تدهور أوضاعهم أكثر، وتستمر معاناتهم مع المرارة والألم والعذاب، وتمر عليهم الأعياد لا يعرفون طريق الفرح، ينتظرون الإحسان من الآخرين، وأصبح الهم المشترك لهم هو الحصول على لقمة عيش تملأ بطونهم، وملابس رثة تستر عوراتهم، وحياة آدمية‮.‬‬‬‬‬‬
مطبخ العائلة
مطبخ العائلة

يعد هذا الموقع الكائن في ساحل أبين مديرية خورمكسر شاهداً حياً للعدوان جماعة الحوثي والهالك صالح على مدنية مدينة عدن وساكنيها، وفي هذا التقرير سوف ندع الصور هي من تتحدث عن معاناة تلك الأسر المنكوبة.

ظروف صعبة
تسرد لنا إحدى ربات الأسر المنكوبة بالقول في أحاديث متفرقة لـ "الأيام": "أتينا أربع أسر سوياً من مديرية حرض بمحافظة حجة اليمنية نازحين إلى عدن بعد اشتداد المعارك فيها، وبداية الأمر كنا ننام على قارعة الطرقات، حتى اضطررنا للجوء إلى هنا، والمبيت تحت الركام، وفي أية لحظة ستنهار علينا العمارة بأكملها، تركنا كل شيء خلفنا، وكنا نعيش بعزتنا وكرامتنا نقطن في منازل متواضعة ولكنها تسترنا كما كان لدينا أعمال تدر لنا دخلاً ليس بالكبير ولكنه منتظم، ولكن كما يُقال فدوام الحال من المحال، حيث أحالت بنا الظروف والدمار التي خلفتها الحرب، ننام هنا على الأسمنت وقطع الكراتين، ولم يمدنا أحد ببطانيات أو فُرُش للنوم، وعند قضائنا للحاجة نعمل على تغطية مساحة ليست بالكبيرة بواسطة بعض الأقمشة ونحث الرجال عن الخروج في الشارع".

وتابعت حديثها: "كما ترون حالنا أمام أعينكم، فلا مصدر دخل لنا، ونسير يومنا من خلال قيام أزواجنا وأبناؤنا ببيع العلب المعدنية والبلاستيكية التي يجدوها في الشارع وما يتحصلون عليه من مبالغ زهيدة يتم استغلالها في توفير وجبة واحدة فقط، وإن ضاق الحال علينا نذهب وأطفالنا إلى المطاعم لمدنا ببقايا من فتات الطعام المتبقي من الناس، فيما تأتي علينا فترات يشتد الحال ونبيت وأطفالنا جياعاً"، وبحسرة تملؤها قلة الحيلة تقول ربة الأسرة: "أطفالنا اعتادوا على أن تكون بطونهم خاوية ويكتفوا بالبكاء حتى يناموا".

انعدام البديل
تبين لنا أن الموقع يخلو من خدمة الكهرباء، تعيش فيه الأسر بالظلام ليلاً، وانتشار كبير للبعوض والذباب، ويطل على أكوام من القمامة، أما عن الماء فتجلبه من خلال مشروع مياه سبيل يقع في القرب منهم، تواصل ربة الأسر حديثها: "لعدة مرات أفادنا ساكنون في المنطقة ذاتها بأننا نسكن في موقع خطير، وبيننا وبين الموت خطوة واحدة، ولكن لا يوجد لنا أي بديل، ولم يمسنا سوء أمر من الله عز وجل، فمعاناتنا أكبر من أن نصفها للناس بعد أن وجدنا أنفسنا أمام شبح المرض والجوع، فمنا نساء وأطفال يعانون من أمراض مزمنة كالربو والضغط والسكر، وواحدة من الأسر يعاني عائلها (خمسيني العمر) من مشاكل في العمود الفقري، ومع ذلك أجبرته الظروف المعيشية القاسية للخروج إلى سوق العمل في طلبة الله بمعية أولاده في إحدى الجولات في مدينة عدن".

حرب مفروضة
يشاركنا الحديث أحد أرباب الأسر بالقول: "خرجنا بدون أن نأخذ بطانية، لم نفكر بشيء سوى النجاة بأنفسنا، وأهم ما يواجهه النازح هو السكن، ويعد من الأمور الأساسية خاصةً إذا كانت لديه عائلات، لا أحد يحب الحرب، ولا أحد يستطيع وصف آثارها وتداعياتها الاقتصادية والنفسية، فهي تطال كل شيء، وتظل جراحها غائرة، وتحتاج لوقت طويل لتندمل، إنها حرب مفروضة علينا، ونحمل الإصلاح وجماعة الحوثي مسئولية تشردنا وخروجنا من منازلنا، بعد أن تسببوا بشكل مباشر في الحرب الدائرة والمذلة التي نتعرض لها وأطفالنا واللجوء إلى الشوارع والعيش مع الموتى في القبور".

وعبر "الأيام" ناشدت الأسر المنكوبة المنظمات والجمعيات الخيرية وفاعلي الخير في المدينة التي احتضنتهم للالتفات إلى أوضاعهم وتلمس واقعهم المعيشي عن كثب، وقالوا: "لم نطالب بتوفير مسكن آمن لنا وأسرنا؛ ولكننا نأمل بتأمين الجانب الغذائي لنا كالراشن وبعض من البطانيات وفُرُش النوم".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى