جريفثس والسياسة والبلد المثقل بالأوجاع

> عبد الفتاح الصناعي

>  كل ما يتأجج في هذا البلد المثقل بكل أنواع الأوجاع، والمصاب بكل الأمراض الخطيرة، والأسقام المزمنة.. في غيبوبته الطويلة يعيش أزمة المشاكل والصراعات، والحروب اللا منتهية، كل هذه المصائب صغيرها وكبيرها، ليست إلا نتاجا لسياسة إدارة الصراع بالصراعات المتعددة، وبالتالي يكون الأمر خروجا من أزمة إلى أزمات متعددة، وكل مرحلة تؤسس لصراعات جديدة، وتضيف جروحا غائرة، فتشعبت القضايا وتعقدت إلى أبعد حد. هكذا تكون الرؤية ضبابية ومعقدة لواقع أكثر تعقيدا وأكثر ضبابية، جراح تسيل، ومعارك لا تتوقف، وبلد كل يوم ينهار أكثر.

وفي مسلسل هذا الصراع المتأزم والمعقد لم تكن الحلول والاتفاقات إلا استراحة قصيرة للمحاربين، سرعان ما تم خرقها وتجاوزها، وانتقل الوضع إلى تغيرات جذرية في تأزم القضايا وزيادة حدة الصراعات. هذه المرحلة هي الأخطر ليس على البلد وحسب، بل وعلى كل اللاعبين المحليين والدوليين.
فنظرية إدارة الصراع بالصراعات سقطت تماما، وفي أقل الأحول لا تؤدي أكثر من نتائج مؤقتة ومخادعة سرعان ما تتحول بالاتجاهات المعاكسة. ومن هنا يشعر الجميع بالمأزق، ولحظات نشوة الغرور الزائف سرعان ما تنتهي وسط ذهلول كبير من حجم الخسارات التي مني بها الجميع.

آفاق مسدودة وفشل متراكم، وخيبات وانكسارات، هي المحصلة الحقيقية والوحيدة التي يتشاركها الجميع بلا استثناء.
هل سيعي الجميع بأن سياسة الصراعات والتدخلات العبثية والفوضوية لها نتائج كارثية مدمرة للجميع، وبأنه لم يعد الوضع اليوم يحتمل المضي في هكذا سياسات وإنما يقتضي الأمر بالضرورة مراجعات جذرية وخلق طريقة تفكير جديدة، ووضع مسارات حلول حقيقية وعملية، بدلا من إدارة الصراع بالصراع، وخلق من الأزمة أزمات عديدة؟!

الرهان الحقيقي هو على تخلق هذا الوعي على مستويات متعددة:
أولا: على مستوى الأطراف المتصارعة الداخلية والدولية، والاعتراف الشجاع بهذا الأمر.

ثانيا: على مستوى القوى الوطنية والمدنية، التي تبحث عن آفاق ممكنة للحل، بعيدا عن رؤية المتحاربين وأطراف الصراع.
ثالثا: جهود المجتمع الدولي والمبعوث الأممي للسلام، ستكون مكللة بالنجاح إذا عملت وسط هذا الجو الذي يتخلق داخل أطراف الصراع وداخل المجتمع المدني والسياسي والتوجه الشعبي.

ولكن يبقى السؤال كيف يمكن خلق هذا الجو؟
والإجابة، ببساطة تامة، بأن المجتمع الدولي والمبعوث الأممي مسؤولان عن هذا الأمر.

فعلى المجتمع الدولي إن أراد حل القضية اليمنية أن يتخلى تماما عن سياساته الازدواجية، الكيل بمكيالين، والتناقضات بمواقفه من الحرب، ومن الأطراف المتصارعة. فيعلن عن مواقف جديدة ثابتة وواضحة تهدف لإيقاف الحرب وإنهاء الصراع، وحماية الأمن والسلم الدوليين، بدلا من سياسته بالسيطرة على الحرب واحتوائها، واستغلال تناقضاتها لقضايا ثانوية، والتوجه الخجول نحو السلام كإسقاط واجب من ناحية، ومن ناحية أخرى شعور بعمق المأساة التي شارك المجتمع الدولي بصنعها، وتحمله تبعات هذا المأزق من نواح عدة.

ينبغي أن يكون أداء المجتمع الدولي، وطريقة تحركات المبعوث الأممي بين أطراف الصراع، قائما على صرامة تامة وجدية كبيرة بمصارحات شفافة لهول الكارثة على الجميع وأزمة تورط الكل بهذا المستنقع، وبأن تكون مسارات الحلول هي ضغوطات دولية لإنقاذ كل الأطراف من هذا المستنقع الذي فشل به الجميع على حد سواء.
يتنقل جريفيثس بين الأطراف كأنه ليس إلا موظفا لشركة تسويق، يروج لبضاعته منتظرا مزاج هذا الطرف أو ذاك، ومن اشتدت ضده الحرب عمل رنة لجريفيثس "تعال أشتي شوية سلام أحمي نفسي".

وكلما ضاقت بأحد واتصل بجريفيثس "عاد فيه معك سلام" يرد عليه "مليان.. من يشتري؟" تعال هذه المرة با نشتري منك.
السلام معركة أكثر خطرا من الحرب، فليس السلام حلا بديلا لفشل الحرب، بل إرادة أقوى لتجاوز المآسي والصراعات اللا منتهية. ولا بد من أخذ قرار السلام بجدية كاملة واستعداد تام من قبل الجميع.

"عين العرب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى