أملاك وعقارات الدولة.. مسرح عمليات من نوع آخر..!

>
سأنطلق في مقالي هذا إلى ما آلت إليه أوضاع أراضي وعقارات الدولة والمصير المجهول الذي تسير إليه، وهي ليست جديدة، بدأت مظاهرها تظهر منذ ما بعد توحيد شطري اليمن، شمالاً وجنوباً، وما رافق ذلك من أطروحة الانفتاح على الاستثمارات المحلية والأجنبية وما تم إزاء ذلك من أعمال خصخصة مقنّنة على عدد من القطاعات الحكومية التي طالتها تلك العملية فكانت نتائجها كارثية بمعنى الكلمة على أحوال ومعيشة الناس، وبالذات في جنوب البلاد!.

قانون حلّ مكان قانون، وإجراء يحلّ مكان إجراء آخر، ممّا خلق تداعيات قانونية وأعراض جانبية تسببت بالكثير والكثير من المشاكل وساعدت في كثير من الأحيان إلى لجوء أصحاب النفوذ من القوى المهيمنة على واقع الأمر وابتزاز حقوق الملاّك الشرعيين، بل وتعدّى ذلك إلى استخدام النفوذ في ابتزاز هيبة الدولة من موظفي الدولة ذوي المراتب العليا، وإساءة استخدام السلطة في نهب المال العام وثروات البلد وحتى ثقافته وتاريخه.

وكان مِعوَلْ الهدم وآلات الحفر ومساحات شاسعة ومميزة من أراضي وعقارات الدولة في الجنوب، وبالأخص في مدينة عدن أو ما يُطلق عليها (عدن الكُبرى) وتحرير وصرف العقود الرسمية بشكل ملفت للأنظار والدفع بسخاء لشراء الأراضي والأملاك أو مارافق ذلك من أعمال بسط وتعدٍّ وتحوير لعدد من معالم المدينة الأثرية والتاريخية وتغيير نمط البناء فيها بشكل أصبح مثار تساؤل مستمر: لماذا، ولأي سبب أصبحت (الإسكان) أو هيئة التخطيط أو (إدارة الأراضي) مسرحاً
لعقد مثل تلك الصفقات المشبوهة؟!، ولماذا في عدن، ولماذا يتم استثمار تلك الأموال عبر هدم أكثر القطاعات حيوية وكمنفعة عامة؟!.

وللأسف فإنَّ الإجابة على ذلك لها تعريف واحد فقط، أو لنقل عبارة واحدة صريحة وهي "التعويض عمّا فات"، فقد تملّك من لا يملك، وتوسعت أعمال الفوضى والهمجية وباسم الدولة وشعارها وأهدافها، وكلٌ يمنح لنفسه وجماعته تبريرات وأوهام تنمّي تلك المعتقدات في النفسيات المريضة.

وكانت من تلك الأفعال الطامّة هو عدم تطوير تشريعات التخطيط والبناء الحضري ولائحته وهو لا يزال (قراراً جمهورياً)، أو مثل قانون الجرائم والعقوبات أو مثل الإجراءات الجزائية، أو ما اتخذ صوراًَ أخرى؛ مثل إنشاء هيئات أو خصخصة أُخَرْ عن تعمّد أو قصد.

لدينا عدد وفير من النصوص القانونية في عدد من القوانين وإجراءاتها التي تبيّن وتوضّح عدم جواز التصرف في أملاك وعقارات الدولة، وبالذات تلك التي هي مخصّصة للمنفعة العامة، وإن زالت تلك الصفة فإنها لاتزول إلا بقرار من مجلس الوزراء أو بمقتضى قانون خاص.. وذلك يمنع أي مسؤول في إدارة أو وزارة أو مؤسسة أو هيئة أن يسمح لنفسه العبث بالمال العام أو القيام بأي تصرف أو إجراء من شأنه ضياع تلك الحقوق الماسة بالمنفعة العامة وخدمتها للشأن العام.
فهل يدرك هؤلاء إلى أي مصير يقودوننا إليه كعامّة، خصوصاً عندما يكون هذا الأمر أمل لكل مواطن ينظر إلى مستقبل حياته وبالذات للشباب من الجنسين، وتطلعاتهم نحو غد أفضل؟!.

وللأسف في الوقت الذي يكسب بعض قيادات في الحكومة قِيَماً مادية وامتيازات واستثناءات، نجد الغالبية العظمى من الشعب (العامّة) هم الخاسر في قيَمهِم وثقافتهم وحقوقهم وحتى ضمائرهم..
وحتى تحقّق غايتك وتصل إليها فما عليك إلا أن تشهر سلاحاً في وجه الضعيف أو من لا يزال يؤمن بضرورة وجود الدولة وسيادة القانون وحكم القضاء العادل.

عودوا إلى ما نمتلكه في أدراجنا وبعض المكتبات من قوانين وأقرؤوها علّكم تؤمنوا بالقانون من جديد وبضرورة سيادته على الجميع. وعلى القضاة ألّا يقفوا كثيراً عند النصوص في تحقيقهم للعدالة، بل أن يجعلون من أحكامهم حكمة وثقافة وطريق جديد يحقق الأمان والطمأنينة واسترداد الحقوق الضائعة وإعادتها إلى أصحابها أو تعويضهم عنها التعويض العادل.

إنّ منح تراخيص البناء في الأماكن العامة والمتنفسات والجبال والهضاب والمواقع والمعالم التاريخية والأثرية وذات الطابع الأثري لها أصول ولها حدود ولها توصيف يراعى فيه الحقائق التاريخية والمنفعة العامة، وهي ضرورة في حياة كل مجتمع.
كما أن صرف عقود وتراخيص البناء في الأوقاف الإسلامية والدينية الأخرى في عدد من المقابر أو الملاحق التي تشكّل حِمَى وحَرَماً للموقع نفسه فلا يجوز التصرف فيها بأي شكل من التصرفات، فذلك الأمر يصبح تعدياً وتجاوزاً يجرّمه هذا القانون أو ذاك. توقفوا عن هذا العبث وهذا التلاعب بمصيرنا، ولا تقودونا إلى المجهول رغماً عنّا!.

الجهل عدوّ الإنسان والطمع قاتله، والجبروت لن يجلب إلا مزيداً من الهلاك والتدهور والانحدار إلى أسفل الهوّة وبخطى سريعة جداً، لن ينفع بعدها الندم.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى