اليمن الديمقراطية.. نموذج الدولة الحديثة في المنطقة العربية

> صلاح السقلدي

> عدة إشارات كانتْ لافتة وتستحق التوقف عندها في المقابلة الصحفية الضافية للرئيس علي ناصر محمد مع صحيفة إندبندنت البريطانية قبل أيام.. نشير إلى أبرزها:

- وهو يقيم على عجالة تجربة دولة الجنوب السابقة، وضع الرئيس ناصر مقارنة بين مزايا تلك التجربة وما شابها من عثرات، وبين الوضع القائم في يمن ما بعد عام 90م، وواقع ما بعد عام 2015م، فكانت كفة المقارنة ميالة إيجابا للتجربة الجنوبية.. فبرغم ما اعترى تلك التجربة من سلبيات وتجاذبات إلا أنها كانت تشير إلى تجربة ناجحة بامتياز لدولة النظام والقانون، ولدولة الاستقرار الاجتماعي والمعيشي والسياسي، وحقوق الطفل والمرأة، ومحاربة الأمية، إلى درجة أضحتْ معها الدولة الجنوبية في عدن رائدة بالمنطقة العربية في مجال التعليم والثقافة والفن بشهادة الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو، برغم الحصار الإقليمي الجائر وغاب فيها كلياً الفساد والمحسوبية، وسادت فيها العدالة الاجتماعية إلى درجة كبيرة، مع سيادة حالة الاستقرار الأمني التي ظل يتمتع بها الوطن والمواطن وهو يجوب البلاد طولاً وعرضاً من المهرة شرقاً إلى باب المندب غرباً.. دولة خالية من أدران الطائفية المقيتة التي تعصف اليوم بالمنطقة وباليمن شمالاً وجنوباً. فالحنين الذي يبديه اليوم المواطن بالجنوب -بحسب الرئيس ناصر- هو دليل على أن مزايا تلك التجربة كانت هي الأفضل هي الأنقى، فالمواطن أي مواطن يتطلع دوماً إلى ما فقده من مكاسب، حين يكون البديل موحشاً بوجهه، أو حين لا يجد ما هو أفضل منها.

كما ظلت السيادة الوطنية مصانة تماماً، والقرار الوطني حاضراً لم يرهن لأية جهة إقليمية أو دولية -كما هو حاصل اليوم للأسف- بمن فيها الاتحاد السوفييتي الذي برغم العلاقة الإستراتيجية التي ظلت تربطه بدولة الجنوب إلّا أن الدولة في عدن لم ترهن له الوطن وسيادته ولا حتى منحته قاعدة عسكرية أبداً، كما روج له الخصوم، فكلما قدمت له الدولة نظير ما كان يقدم لها من دعم كبير هو بضعة تسهيلات عسكرية فقط، وظل القرار السيادي بيد القيادة، حيث كانت العلاقة معه ومع باقي الدول التي تقيم معها دولة الجنوب علاقات ندية ومتكافئة لا تعرف التبعية أبداً.

- النقطة الأخرى في مقابلة الرئيس ناصر، والتي تستحق التوقف عندها أيضاً هي إشارته إلى أن اتفاقية الوحدة عام 90م تمتْ على عجل، وبطريقة سلق بيض، بمعزل عن استشارة الشعب أو التشاور مع النخب السياسية بالداخل والخارج وطي صفحة الخلافات السابقة معهم بدلاً من شروط إقصائية.. كما أن تلك الاتفاقية التي لم تتجاوز سوى بضعة صفحات، لم تتقيد بدستور دولة الوحدة أبداً، وخير دليل على ذلك -بحسب الرئيس علي ناصر- أن الاستفتاء على ذلك الدستور تم بعد إعلان الوحدة بسنتين تقريباً وليس قبلها كما هو محدد بذلك الدستور، وكانت النتيجة عنيفة كما شاهدناها.

فإشارة الرئيس علي ناصر إلى تلك المخالفات التاريخية، أقصد سلق القرار وتغييب الإرادة الشعبية والنخبوية، وتأخير الاستفتاء على الدستور إلى بعد الوحدة، يذكرنا بالخطأ الذي يتم التخطيط له اليوم منذ حوار صنعاء 2014م لاستهداف الجنوب مرة أخرى، ذلك الحوار الذي تم سلقه هو الآخر بطريقة سلق بيض، وتغييب أهم الأطراف وهو (الطرف الجنوبي)، وسعي أطراف ذلك الحوار إلى تفصيل مخرجاته على مقاساتها وفرضها عنوة على الجنوبيين، وتكريس فكرة الـ6 الأقاليم المزعومة على أرض الواقع بصورة بلطجة سياسية وقحة قبل حتى أن يتم الاستفتاء عليها وإقرار دستورها المفترض، بذات الطريقة المتعجرفة التي تمت بها وحدة 90م، ووحدة الحرب الاحتلالية عام 94م، وسيادة نشوة المنتصر الواهم.

- النقطة الأخرى التي عرج عليها الرئيس ناصر هي القضية الجنوبية، باعتبارها قضية سياسية عادلة يصعب تجاوزها، قضية أنتجها فشل مشروع وحدوي طموح لم يحسن أصحابه التعاطي معه وأحالوه إلى مشروع كارثي، حين لم يميزوا بين مشروع وطني وبين الهرولة لتحقيق مجد شخصي ضيق. وأن محاولات الأطراف الأخرى إذكاء الخلافات الجنوبية السابقة دون غيرها من الصراعات اليمنية يعبر عن مدى التآمر على القضية الجنوبية ومدى دمامة النوايا حيالها، وأن صمام أمان الانتصار لهذه القضية يتمثل بـ "ترسيخ مبدأ التصالح والتسامح الجنوبي الذي انطلق من لقاء جمعية ردفان بالمنصورة في 13 يناير 2006م، والذي كان الرئيس ناصر أهم مهندسيه"، وبـ "تكثيف الحوار الجنوبي الجاد، وقبل هذا وبعده توقف هذه الحرب الدامية التي تعصف بالجميع منذ خمسة أعوام دون طائل، في ظل انغماس الجميع برمال المجهول وصحراء الضياع والتشظي وبمزيدٍ من الفرقة الجنوبية، والجنوبية الشمالية، وارتفاع منسوب الضغينة اليمنية بوجه الجيران جراء حرب مدمرة لا نعرف إلى أين يمضي بنا أصحابها. وأن الحل، بحسب رأي الرئيس ناصر وبحسب رأي كاتب هذه السطور، يبدأ أولاً من وقف الحرب، والمضي صوب الشروع بحوار ومفاوضات شاملة جادة لا تستثني أحدا، تكون القضية الجنوبية هي محورها، وأهم أجندتها السياسية، باعتبارها أُساس الأزمة اليمنية التي تفجرت من بين جنباتها باقي الأزمات والقضايا".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى