برقيات عاجلة إلى القيادات العسكرية الجنوبية المخضرمة

> د.عبده يحيى الدباني

> أحبتي القيادات الجنوبية العسكرية المخضرمة آبائي وإخواني، يا من ترعرعتم في أرض الجنوب وحرستموها وكنتم جزءا من جيشه الأبي المظفر.
بصرف النظر عما حصل من إخفاقات كان لها أسبابها فالجيوش تنتصر وتهزم في كل مكان.

فأنتم هؤلاء الذين نراكم اليوم هنا وهناك قد جمعتكم فيما مضى قضية واحدة، جمعتكم "بندرة" واحدة، وأظنكم تتذكرون كلمة (البندرة)، وجمعكم (أردرلي كوبل) واحد يوزع بينكم الأكل صباحا وظهرا ومساء، وكنتم تخرجون "باسليف" عندما تعودون إلى بيوتكم إجازة، وكنتم تستلمون رواتبكم من ضابط سلفة واحد وقد جمعتكم ووحدتكم ألوية الجنوب القوية.

لواء شلال ولواء ملهم ولواء عباس ولواء 14 ولواء باصهيب وغيرها.

أما تتذكرون صحاري الجنوب وسهولها وجبالها وشواطئها التي رابطتم فيها سنين حراسا أمناء؟

كل هذه الأمور جمعتكم لزمن طويل، فلماذا تفرِّقكم الأهواء الآن وتلهو بكم المصالح وهي فانية؟

أناشدكم باسم ذلك النظام العسكري العريق، باسم كلمة الرفيق التي كنتم تطلقونها على بعضكم البعض ألا تتركوا الأهواء السياسية تلعب بكم.

ولا مشكلة أن يتبع العسكريون السياسيين لأنَّهم ليس هم من يحكمون ويقودون البلاد سياسيا، لكن يجب أن لا يكون هذا الولاء أعمى، ولا مصلحي ولا شخصي ولا لقوى خارجية ولا لهوى حزبي، بل يجب أن يكون ولاء للوطن ولاء للشعب، ومتى ما سارت القيادة السياسية على مبدأ الشعب وجب على الجيش حمايتها، ومتى ما تخلَّت عن تلك المبادئ وغردت خارج سرب الشعب لا نقول ينقلب الجيش عليها لكن لا ينبغي للجيش أن يكون لعبة بين يديها تلعب به كيفما تشاء وأنَّى تشاء. بل يعيدها إلى جادة الصواب لأن السلطة فاسدة مفسدة في الغالب.

أنتم أيها الرفاق تتذكرون أكثر مني جيشنا الجنوبي قبل الاستقلال عندما حسم الصراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، وعاد إلى ثكناته كان هذا شيئا يفتخر به مع أن هذا الجيش أسسته بريطانيا المحتلة لجنوبنا، ولكنه بوجه عام وقف إلى جانب الثورة ضد الاستعمار نفسه، وقد جعل السياسيين هم من يقودون البلاد مع أنهم أخفقوا في ذلك وكان بإمكانه أن يقود البلاد ويحكمها عسكريا، لكن أصوله ومبادئه هي التي جعلته يسلِّم البلاد للسياسيين، لأنه جيش محترف يعرف ما هي مهامه.

وفي أحداث الرئيس سالمين، رحمه الله تعالى، ومع أن الجيش جميعه يحب سالمين وقد قهرنا جميعا عليه، لكن عندما حُسِم الأمر في عدن وجاء خبر انتصار القيادة الجماعية، وتم إعدام سالمين للأسف الشديد وقف الجيش في ثكناته ولم يتدخل إلا جزء بسيط منه كان في عدن، مع إن السياسيين بعد ذلك أخرجوا الكثير من القيادات العسكرية المحسوبة على سالمين من الجيش وتم إقصاؤها.

فأغلب الأخطاء الماضية في تاريخ جنوبنا منذ نشأته إلى نكسته نهار إعلان الوحدة لم تأت من العسكريين بل كانت من السياسيين.
لكن في 13 يناير انقسم الجيش الجنوبي بين طرفي الصراع السياسي وتحاربوا بكم أحبتي العسكريين، بينما لو كانت القوات المسلحة تماسكت وحكَّمت العقل ولم تتوزَّع بين طرفي الصراع كان بإمكانها توقيف الفرقاء وجمعهم على طاولة حوار ومنع حدوث الكارثة.

لازلت أذكر كلمات وزير الدفاع صالح مصلح قاسم، وهو يخاطب القوات المسلحة الجنوبية (سيروا حيث يأمركم الحزب الاشتراكي اليمني، صوبوا سلاحكم إلى حيث يريد، فقيادته الجماعية هي وحدها قيادتكم ولا أحد سواها)
لكن هذه الصيحة ذهبت في واد، وراح الوزير نفسه في تلك المحرقة نفسها.

لقد انقسم الشعب وانقسم الجيش تبعا لأهواء السياسيين وكان ما كان، وهذا هو ما أودى بنا إلى الارتماء في أحضان الشمال في تلك الفاجعة التي يسمونها وحدة.
أنا لا أحاكم التأريخ ولا أنكئ الجراح ولكن أذكر ذلك من أجل أخذ العبرة والدرس.

أحبتي، الجيش يجب أن يكون صمام أمان الوطن، والشعب، والدولة، مهما اختلف السياسيون.
من هذا المنطلق أعزائي قادة الجيش الجنوبي حيثما وجدتم نريد منكم الحيلولة دون اقتتال الجنوبيين فيما بينهم، وهذا هو ما تسعى إليه كل قوى الشمال وتراهن عليه، لكون هناك جنوبيون مع الشرعية وجنوبيون مع الحوثي، وجل الجنوبيين مع الجنوب وقضيته ومع كل من يسعى جاهدا إلى استعادة الدولة الجنوبية المسلوبة.

ولا يُخفى موقفنا من الشماليين الذين يحاولون العودة بمليشياتهم وأذرعهم الإرهابية إلى الجنوب، فهم بالنسبة لنا غزاة محتلون وجب علينا قتالهم.
أما الشماليون الذين يقاتلون من أجل كرامتهم وتخليص أرضهم من براثن المجوس، فنحن لهم عونٌ وسند، فهاهي قواتنا في الحديدة وفي مريس وشمال الضالع تقف مع أهل الأرض وتساندهم وتقدم الشهيد تلو الشهيد.

أحبتي أيها القادة أنتم عشتم في بلد واحد، وفي جيش واحد، وأكلتم عيشا وملحا وترعرعتم في ظل نظام واحد، وجمعكم هدف واحد وهو الذود عن حمى الأرض والعرض في الجنوب، فلماذا تتفرق أهواؤكم؟! أليست الجنوب أرضكم وبلدكم؟؟
نريد منكم أيها القادة أينما كنتم ومع من كنتم تشكيل كوكبة منكم لنزع الفتيل بين الجنوبيين، لا نريد اقتتالا بين الجنوبيين نريد أن تتفقوا على كلمة سواء فيما بينكم تغلّبون فيها المصلحة العلياء للوطن الجنوبي الذي له عليكم حق.

"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".

فمن غير المنطقي أن تتقوى شلة جنوبية بأبناء الشمال لدخول الجنوب، فلست بحاجة إلى ذلك أخي الجنوبي الشرعي، فالبلاد بلادك والجنوبيون إخوانك وأهلك، فوالله إن عودتك إليهم ستفرحهم وتسعدهم.
أحبتي أعداؤكم كثير وهم يحشدون في كل مكان، ويتربصون بكم الدوائر، وإنهم إن تمكنوا من الجنوب لن يفرقوا بين جنوبي شرعي ولا انتقالي، فالجنوبيون أعداؤهم جميعا، أما استفدتم مما مضى ومر عليكم طيلة ثلاثة عقود تقريبا؟!

أحبتي أيها القادة لا تصدِّقوا تلك الأبواق والغربان الناعقة، فأعداؤكم عبر شبكة كبيرة من مرتزقتهم يشنون حربا إعلامية مسعورة على كل من يرونه خطرا عليهم وشوكة في حلوقهم، يكبرون الأخطاء البسيطة لبعضكم، ويتتبعون السقطات والهفوات ويبالغون في تضخيمها، ثم يستغلونها ليعززوا الخلاف بينكم، ويأمنوا اتحادكم وتفاهمكم، ليضمنوا الاستمرار في الاستحواذ على ثرواتكم ومقدرات جنوبكم. لا شك أن الصراع جنوبي شمالي، لكن قوى الشمال تريد تضرب الجنوبيين بالجنوبيين، لتتخلص منهم جميعا.

أحبتي القادة العسكريين الجنوبيين وجهوا القيادات الشابة فأنتم قدوة، فمثلما أنشأتم جمعية المتقاعدين الجنوبيين وكنتم قدوة في السابق إلى النضال يجب عليكم في مثل هذه الظروف أن تتحلوا بتلك الروح الوطنية وتتحلوا بالمسؤولية وتكونوا أوفياء مع هذا الشعب الذي أحبكم.

أحبتي تذكروا بأنَّكم جيش للوطن، جيش للشعب، جيش للدولة، جيش لتلك الأم التي أشبعتكم من خيراتها وألبستكم من قطنها واحتضنتكم جميعا كاحتضان الأم لأولادها، فلا تسمحوا للشماليين أن يقسِّموكم وفقا لأهوائهم وجعلكم خنجرا بأيديهم ينكئون به جراح إخوانكم الجنوبيين، وأدوات يسعون من خلالها إلى العودة إلى كل شبر من الأرض الجنوبية.

نناشدكم أن تقفوا مع هذا الشعب الجنوبي العظيم وتحكموا عقولكم وتتركوا المناكفات وتعودوا إلى رشدكم. انزعوا فتيل الحرب بين إخوانكم الجنوبيين، ووجهوا سلاحكم إلى من يغزون أرضكم وينهبون ثرواتكم ويسعون إلى إقصائكم حتى من الحياة نفسها.

فشعبكم يراهن عليكم ويأمل فيكم خيرا ويثق بحكمتكم وحنكتكم، فكونوا عند حسن ظنه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى