لحج الخضيرة ما شيء لها مثيل

> عياش علي محمد

> لحج مسقط الرأس، ومسقط الرزق، ومسقط الحب، عشت فيها ذكريات الزمن الجميل والنهضة الزراعية والأدبية والفنية، ولازالت محفورة في ذهني، كما هي محفورة عند آخرين.
فيها الطير يغني والبتول يغني والشاب الذاهب إلى السوق يغني والأمير أحمد فضل القمندان من على شرفة منزله يقدم للمارة في شارع الحوطة أجمل إبداعاته الفنية، ويعبرون عنها بالرقص.

لحج أرض الندوات الأدبية والفنية والسياسية، منها منتدى السيد محمد السقاف وأخيه، اللذين جعلا من دارهما مجمعاً لنقاشات سياسية، يستعرضان فيها مستجدات الأوضاع في العالم، ويتطرقون إلى قضايا اجتماعية خاصة بلحج، ويحضر هذا المنتدى الأمير أحمد فضل القمندان والسيد الأهدل مفتي الديار اللحجية.

وبجانب مسجد الدولة يقع منتدى الأمير أحمد مهدي، ويحضره الشعراء أحمد بإهداء والشاعر حسن أفندي، والشاعر سرور مبروك وفي هذا المنتدى يغني الفنان مبروك حيدري لفيفاً الأغاني اللحجية، كما يشرف هذا المنتدى حضور الشيخ علي أبوبكر بعوده الخشبي قليل الأوتار ليغني: "أنا من ناظريك عليك أغار" و"تلك الثنايا الدر والمبسم الأقاح"، وفي منتدى آخر يؤمه العديد من الأدباء والشعراء ويغني فيه الفنان صالح عيسى، ويحضره الشاعر عبدالله هادي سبيت، فلما يستمع هادي أغنية القمندان:

يا حبة التينة وعنقود العنب

من شاف ما يكره يفارق من يحب

ينفجر الشاعر عبدالله هادي بالبكاء، متأثراً بالأغنية، والعواطف الجياشة التي تختزنها صوره، حتى أنه سمى ديوانه الشعري الأول بـ "الدموع الضاحكة".
وفي لحج استوطنت ثقافات فنية، منها آلة الطمبرة وهي تكبر العود العربي عدة مرات وفي مستوى قامة الإنسان، تكسوها حلل جميلة من ريش النعام، وتتوزع على جانبيها ألوان من الزجات الملونة أما أوتارها، فيقال إنها مصنوعة من عماصير الثيران.

يتغنى على أنغامها جملة من الراقصين حتى يفقدوا شعورهم على الكلمات الأفريقية يتغنى الراقصون والتي تقول:

عبد الخير سوا عزومة في جبل قاف

وما عزمنا ما حسبنا من طيور الهواء

وعلى إيقاعات رقصة الليوة، حيث يشكون دائرة منتظمة وبإيقاعات متناسقة يرقصون على مطلع شعري يقول:

وأنا ما لقيته ياسي امباسا

دورت له ما لقيته ياهمباسا

وفنون الجذبة في الموالد، حيث رنين نواقيس البياق تعطى تدفقات في الدم، وهي مكسوة بحلل جديدة ومختارة تقال فيها الأشعار والغفوات، وتقول بعض كلماتها

عمودي عمودي الدنقارة

على يا سيد أحمد علينا بالزيارة

وعند تسارع خطى الراقصين في الجذبة، تقال: هب له هابشه زبيب أخضر في مرابشة
وفي لحج أنواع من الشرح يرقص عليها النساء والرجال على حد سواء كناية عن المساواة بين الرجل والمرأة، وهي رقصات متعددة منها الشرح والدمندم وألوان أخرى من الرقصات بما فيها رقصات المرأة، حيث يرقصن على الإيقاعات اللحجية في رقصة "الزفنة" و"المركح".

ومثلت "الجذبة" في الموالد في ذلك الوقت، كالتلفزيون في الوقت الحاضر، حيث تتحزب النساء استجابة لهذه الزيارة، ويخرجن من بيوتهن، لمشاهدة هذه الجذبة التي تقال فيها الأشعار وتتمتع بالرقصات.
وكان قد أصابنا اليأس من حالة لحج، حيث كنا نفتكر أنها أصبحت جثة من مدينة، ولكن بحلول المهرجان التأبيني للفنان الراحل فيصل علوي وخروج تلك الثقافات الفنية من أوكارها عرفنا أن لحج ولادة ويجري في عروقها الدم.

ولا زالت لحج مسكونة بالموسيقى ولها رجالها وشعراؤها وفنانوها، وكان فقط التراب يغطي تراثها، وبهذا المهرجان مسحت الأتربة لتظهر ثقافات لحج الفنية والمتعددة والتي لا يوجد مثيل لها في اليمن ولا في العديد من الأقطار العربية.
ونصل إلى الأخير فنقول إن لحج تحتاج إلى قيادة رشيدة ومستنيرة تحافظ على هذا التراث وتعمل على تطويره، ولن تكون هذه القيادة إلا بمستوى الأمير أحمد فضل القمندان ولا تحتاج شيئاً آخر.

فلحج لازالت محتاجة إلى قيادة حكيمة لا سياسية ولا عسكرية بل قومندانية، وهي ترنو إلى قائدها المنتظر، فهل من مجيب؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى