أي كابوس ابتلعنا؟!

>
تداعيات الحروب في العادة كارثية، فهي رغم ما تخلفه من دمارٍ مادي، وهذا يسهل إعادة بنائه، إلا أنّ ثمة تبعات تترك ندوباً غائرة لدى شرائح بعينها في ساحتها، وهي تتبدّى على شكل طفرةٍ سلبية تطغى على سلوكياتهم، وفي الدول الحية والناضجة يسهل التعافي من كل آثار هذه الحروب، بل والعودة ثانية أكثر مثالية ونضجاً، لكن في بلدنا فإن النتائج عكسية دائماً ولا شك.

قبل هذه الحرب الأخيرة ابتلعتنا موجة هوجاء من العبث والانفلات القيمي إلى حدٍ ما، وهذا جاءت تخريجاته في أشكال عدة عصفت بحياتنا، لكن بعد انقشاع هذه الحرب عن جغرافيتنا، فقد تكشّف المشهد عن ملمحٍ أكثر سواداً يجثم على كاهلنا، ولندع هنا غطرسة وغوغائية من تكسّبوا وأثروا بالنهب من هذه الحرب، لأنّ الصادم هو ما لحق بجيلنا الفتي من قيم الدمار والانحطاط الخلقي وخلافه بعدها.

اليوم تصدمك رؤية شباب فتي، والمصيبة أن بعضهم من أسرٍ عريقة ومحبوبة في مجتمعاتها، تصدمك رؤيتهم متمنطقين دائما بالسلاح، مع أنه لم تعد ثمة حرب هنا، كما ولا ضرورة مطلقاً لامتشاق السلاح، والمصيبة الأكبر أن كل أحاديثهم في تجمعاتهم -وبالمناسبة هي تجمعات ممقوتة من كل الأهالي- فكل أحاديثهم تدور حول مدى وفعالية هذا السلاح عن ذاك، أو كيف أطلق فلان -يمكن هذا بلطجي- النار على فلان، وهكذا في كل أحاديثهم وتجمعاتهم.

مسلك البلطجة من هؤلاء، وهذا في معظم أحياء عدن، هو مسلك قد بلغ مداه. فهم كانوا يطلقون رصاصاتهم في الأحياء وبدون سبب يذكر، بل يطلقونها حتى على الكلاب المتسكعة في الشوارع، كما وكانوا يتحيّنون حدوث أي عرس حتى لمن ليس من أقاربهم، فهم يحضرون ليطلقوا الرصاص وحسب، ويمكن هذا تراجع قليلاً بفعل تفاقم غضب الشارع، أو تراهم يتحفّزون ويعلنون التّهيؤ للخوض في الصراعات القائمة بين الشرعية والانتقالي، فلا الشرعية تدري بهم أو يمكن لأحد من أذنابها أن يجرفهم معه، ولا الانتقالي بحاجة إلى بلاطجة وبلا وعي للوقوف في صفه، ولكنهم يصرون على تقمص دور "رامبو" في الحروب وحسب.
اللافت أن هذه الشراذم يغلب عليها شعور بنوع من التباهي بأن مسلكهم هذا يندرج في خانة البلطجة، وهو مسلك لم يكن ليتباهى به أحد من قبلُ مطلقاً، لأن البلطجي هو بلطجي وحسب، وهو في الدرك الأسفل عند الناس جميعاً ولا شك، وأكثر من هذا هو أن بعض الآباء والأسر يشاهدون كل هذا من أبنائهم ولكنهم لا يحركون ساكناً حيالهم.

اليوم أيضاً المخدرات تجتاح البلاد بشكل مرعب، وقد ابتلعت في جحيمها طابوراً طويلاً من شبابنا، وكلنا نسمع عن الحوادث الكارثية التي يرتكبها هؤلاء، كل هذا يعني أننا نعيش في قلب دوامة جهنمية تطبق علينا، ومن الخطأ الجسيم الصمت على كل هذا، فهي ستحرق مجتمعنا وتؤدي به إلى مهاوي سحيقة، وخصوصاً في ظل انفلات الدولة وغيابها المطلق، بل والمؤسف أن السلطة القائمة تشجع مسلك البلطجة، بل وتعتبر البلاطجة احتياطها النشط وتستخدمهم عند الحاجة، وهذا تثبته كل الشواهد الحية على الأرض.. أليس كذلك؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى