تداعيات الحروب في العادة كارثية، فهي رغم ما تخلفه من دمارٍ مادي، وهذا يسهل إعادة بنائه، إلا أنّ ثمة تبعات تترك ندوباً غائرة لدى شرائح بعينها في ساحتها، وهي تتبدّى على شكل طفرةٍ سلبية تطغى على سلوكياتهم، وفي الدول الحية والناضجة يسهل التعافي من كل آثار هذه الحروب، بل والعودة ثانية أكثر مثالية ونضجاً، لكن في بلدنا فإن النتائج عكسية دائماً ولا شك.
قبل هذه الحرب الأخيرة ابتلعتنا موجة هوجاء من العبث والانفلات القيمي إلى حدٍ ما، وهذا جاءت تخريجاته في أشكال عدة عصفت بحياتنا، لكن بعد انقشاع هذه الحرب عن جغرافيتنا، فقد تكشّف المشهد عن ملمحٍ أكثر سواداً يجثم على كاهلنا، ولندع هنا غطرسة وغوغائية من تكسّبوا وأثروا بالنهب من هذه الحرب، لأنّ الصادم هو ما لحق بجيلنا الفتي من قيم الدمار والانحطاط الخلقي وخلافه بعدها.
اليوم تصدمك رؤية شباب فتي، والمصيبة أن بعضهم من أسرٍ عريقة ومحبوبة في مجتمعاتها، تصدمك رؤيتهم متمنطقين دائما بالسلاح، مع أنه لم تعد ثمة حرب هنا، كما ولا ضرورة مطلقاً لامتشاق السلاح، والمصيبة الأكبر أن كل أحاديثهم في تجمعاتهم -وبالمناسبة هي تجمعات ممقوتة من كل الأهالي- فكل أحاديثهم تدور حول مدى وفعالية هذا السلاح عن ذاك، أو كيف أطلق فلان -يمكن هذا بلطجي- النار على فلان، وهكذا في كل أحاديثهم وتجمعاتهم.
اللافت أن هذه الشراذم يغلب عليها شعور بنوع من التباهي بأن مسلكهم هذا يندرج في خانة البلطجة، وهو مسلك لم يكن ليتباهى به أحد من قبلُ مطلقاً، لأن البلطجي هو بلطجي وحسب، وهو في الدرك الأسفل عند الناس جميعاً ولا شك، وأكثر من هذا هو أن بعض الآباء والأسر يشاهدون كل هذا من أبنائهم ولكنهم لا يحركون ساكناً حيالهم.