الحرب الباردة في زمن كورونا

> د. لؤي عبدالباري قاسم

>
لم ننفك لبرهة زمنية من أزمة وكارثة إلا ودخلنا في ألعن منها، مؤسف حالنا هذا وتاريخيا لم يهدأ له بال إلا وتشتعل نيران الغيض وبكافة أنواع ومفاهيم الكراهية والبغضاء، وما يزيد من شدة هذا الاحتدام هو قابلية بعض من الناس في توظيف ذاتهم لتوسعة رقعة الأزمات وعلى مر الزمن، وفي زمننا الحاضر نجد هؤلاء هم من أشعل نار الحرب الباردة بوسائل مختلفة أهمها ما يحدث حاليا عبر التواصل الاجتماعي الذي أصبح أثره من الخراب والدمار ما يفوق حربا صحيحة بكامل قوتها عدة وعتادا، بحيث يعملون على صناعة الأكاذيب وفبركة الأخبار ونشر الذعر والخوف والأذى وكذلك المعلومات المغلوطة ليفهمها المواطن على أساس تحميل التقصير والأخطاء والمسؤولية للطرف الآخر وهكذا.

والعامل الآخر ألا وهو المواطن بشكل عام (والمثقف منهم بشكل خاص) الذي ما لبث إلا أن يكون مساهما في تأجيج الوضع أكثر مما هو عليه بحيث يصب الزيت نحو نار هذه الحرب دون عقلانية أو وعي يرشده للتأني ولفهم مضامين ما يقوم بتحويله وإرساله كآلة للقص واللصق لهذا وذاك، وهكذا تتحول لمئات وآلاف وملايين من الأشخاص في كل دقيقة وساعة ويوم، وبدون مبالاة لنتيجة هذه السلوكيات كعادة المواطن البسيط في استهتاره وتهوره للتسابق مع غيره لنيل حظوة ونشوة الفوز في الإرسال لمجرد الإرسال فقط، والعتاب الأكبر يكون على مثقفينا بمختلف تخصصاتهم ومستوياتهم العلمية وغيرها.

لأنه وهنا بالذات يكمن مفاد هذه الحرب في كونها تخلف ضررا نفسيا ومعنويا قاتلا، والأكثر من ذلك يكون استهدافا مباشرا نحو مجتمع أكثر تفككا وتصدعا اقتصاديا وأمنيا وصحيا وتعليميا وحتى أخلاقيا، وكل ذلك سيؤثر مباشرة في تفكك النسيج المجتمعي حتى بلوغه حد الاحتقان والاشتعال ومن ثم الانفجار في وجه واقعنا المليء بالاضطرابات المسيطرة علينا بشكل عام.

فبدون دراية ولا قراءة متأنية وفاحصة لمضامين ومحتويات هذه الهجمة الشرسة أو تلك من قبل هذا الطرف أو ذاك إنما يعني ذلك الخروج عن السيطرة بلوغا لأزمات وكوارث قادمة!!.. وهكذا يظل الحال من مرحلة لأخرى حتى يتم نشر الفوضى والخروج عن السيطرة في كل مرة بحيث وفي الأخير لن يستطيع أي من كان (وإن رغب) في وقف هذا السيل البركاني القاتل.

السؤال المحير للأذهان هو لماذا بالرغم من كوارثنا المحيطة بنا من كل جانب كالحرب لأعوام طويلة وما نتج عنها حتى اليوم من دمار وخراب وهلاك وقتل للإنسان، وإلى جانبها حلت علينا كوارث الطبيعة كالأمطار المدمرة وتلتها أو تزامنت معها ظهور الأوبئة الفتاكة وأخطرها مرض الكورونا المستجد بكوارثها وآثارها اليومية (خاصة الصحية والنفسية)، كما لا تفوتنا الإشارة أيضا لواحدة من أهم مشاكلنا الإنسانية ألا وهي انعدام الخدمات وخاصة الكهرباء في مثل توقيتنا هذا من كل عام لما تعانيه عدن بالذات من صيف ناري إلى جانب ما أصابها من كل ما ذكرناه وهنا تأتي أزمة الكهرباء الخانقة والقاتلة لتخلص على ما تبقى من حياة فيها، وفوق كل هذا ونحن لازلنا في تمردنا الدائم وسائرون ضد التيار مهما كانت العواقب حتى وإن تكرر حدوثها وعرفت نتائجها السلبية مسبقا إلا أننا ومع كل ذلك مصممون في عدم التعقل بل للاتجاه نحو تكرار مثل هذه الأفعال الخاطئة لإيقاع المجتمع في مصائدها القاتلة للأسف؟!

هكذا تكون الحرب الباردة وهكذا يكون مبتغاها، والأهم من ذلك هو المحرض لها أو المشعل لفتيل نارها والمغذي لها!! من هو يا ترى؟!
فالحروب الباردة غالبا ما تحصد أكثر مما تحصده حروب المواجهة العسكرية المباشرة لأنه في اعتقادي من يخوض الحروب على أصولها هم أصحاب مبدأ دائما ومواقفهم لا يتراجعون عنها أي كانت صحة هذه المواقف أو المبادئ.

لكن الحرب الباردة هنا (في عدن خاصة) تعود أيضا لغياب الدولة الطويل ولإخفاق حكومتها ومؤسساتها بدرجة رئيسية بحيث وأنها تشكل جزئية هامة من هذه الأزمة السياسية والإنسانية بشكل عام مما جعلها وخاصة في الجنوب تكون (تحت التراب) عبر أطراف وعناصر لها كطفيليات الأرض التي تبتعد عن الضوء ولكنها تعمل بما يحلو لها في تلك الظلمات وتدمر وتهلك ما فوق التراب وما تحته أيضا وهي معه لا محالة، وهذا ما يقوم به البعض وبغير مهنية إطلاقا لحرق وتدمير المجتمع والمواطن المغلوب على أمره في هذا الزمن بكل ما فيه من مصائب ومحن.

والمؤسف وكالعادة نجدهم يوهمون أنفسهم بأنهم بصدد عمل وطني ولكن بمقابل مادي وبوعود لا يقبلها إلا خائن متأمر أو متاجر بوطنية زائفة... كفانا حروبا كما لا نريدها لا باردة ولا ساخنة عدا ما يخص الحفاظ على حرمة أراضينا وخاصة في المحافظات الجنوبية لتأمينها من أي اعتداء عليها، وأن يهتم الجيش الوطني بتوجيه مهامه العسكرية الحربية نحو أهدافه المخطط لها في تحرير صنعاء وبقية المحافظات، وأن لا ننجرف خلف مخططات يراد بها الوقيعة فيما بيننا على الأقل في وقتنا الراهن، علينا جميعا تسخير الجهود نحو الخروج من أزماتنا المتتالية والكارثية كالحرب والاقتتال والأوبئة والأمراض وحتى بعيدا من الإضرار ببعضنا ولو بالكلمة، ومع كل هذا ولما يتداوله الشارع والتواصل الاجتماعي نتوجه بالنصح لمن لديهم ملكة أو مقدرة أو مهنة الكتابة الإيجابية أن يبتعدوا عن المساهمة في إدارة الحروب الباردة بهكذا أعمال تخريبية من وجهة نظري، أو أن يعتدلوا ويسخروا مقدراتهم لما من شانه رفع قدر هذه الموهبة بأن يخطوا بها شعاع نور ليضيء ظلامنا الذي طال أمده، ولنرى من خلالهم حجم الضرر بعين الحكمة والعقل ولنبدأ بوضع خطط الترميم والتنمية والبناء كلنا بجانب بعضنا لنستعيد الجميل من ماضينا ولنخفف من الآمنا ولنتجه نحو تحقيق بعض من أحلامنا.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى