حرب أبين وشبوة.. الوفاء الجنوبي والخذلان السعودي

> د. عبده يحيى الدباني

> تدخّل التحالف في العام 2015م على أساس القضاء على الانقلاب الحوثي في صنعاء، وكسر المد الحوثي الشيعي وامتداده إلى الجنوب وصولاً إلى عدن. ومرت الأيام، وتحررت محافظات الجنوب في أكثرها بفضل أبنائها الصناديد وموقفهم ضد الغزو الشمالي القديم والجديد . ولأن الجنوب كان يغلي منذ 2007م بثورة سلمية تحررية، وعندما وجد السلاح، وكرر الشمال الغزو كان لها الجنوب بالمرصاد بدعم الأشقاء في التحالف العربي .

ولكن هذه السنوات الخوالي لم تقض على الانقلاب في صنعاء، ولم تخرج الحوثيين منها، ولم تعد الشرعية إلى صنعاء ولم تدعم الجنوب لكي يستقر، ويستثمر تحريره ويعيد إعماره.
هل المشكلة في الشرعية نفسها وفي قواتها وأنصارها؟ هل المشكلة في التحالف وأهدافه الخفية؟ أم إن قوة الحوثيين غلبت قوة الشرعية والتحالف معاً؟

المشكلة الآن أن الحرب تحولت إلى الساحة الجنوبية بين حلفاء التحالف، بين الذين جاء التحالف لتحريرهم من الانقلاب الحوثي؛ ليعيدهم إلى صنعاء، وبين الجنوبيين الذين وقفوا إلى جانب التحالف بكل قوتهم وكرمهم .

نحن في الجنوب نهجنا واضح منذ البداية، فنحن أصحاب قضية، وهدفنا تحرير أرضنا من غزو الشمال واستعادة دولتنا بالسلم أو بالحرب أو بأي طريقة ممكنة. هذا كان هدفنا وكفاحنا لسنوات وما يزال كذلك قبل أن يظهر الحوثي، وقبل أن يكون هناك شيء اسمه الحوثي وله سطوة، وقبل أن يكون هناك شيء يسمى الشرعية أو غيرها، فأي نظام في صنعاء بالنسبة لنا هو نظام احتلال مادام محتلا الجنوب.

لكن حصل ما حصل في 2015م، وجاءت هذه الشرعية هاربة من صنعاء إلى عدن، وتعامل الجنوبيون معها على اعتبار أنهم جنوبيون، وانهم بعد الذي جرى لهم في صنعاء سيقفون مع قضية الجنوب العادلة، من باب عودة الابن الضال.

بعد ذلك جاء التحالف, ودعم الجميع، وتحرك الجنوبيون وشاركوا إلى جانب الشرعية وإلى جانب التحالف، وحرروا أرضيهم، وشاركوا أيضاً في تحرير الشمال، وشاركوا في الدفاع عن الحدود الجنوبية السعودية. كل هذا ليس ارتزاقاً، وإنما كان في سبيل قضيتهم وانتصارها وتحرير أرضهم واستعادة دولتهم بشكل عام، بصرف النظر عن فرد أو أفراد لهم أهداف أخرى ولكن نحن نتكلم عن موقف جمعي جنوبي.

هذه القوة التي من المفترض أن تقاتل الحوثيين وفق رغبة التحالف ورغبة الشرعية المعلنة، وعلى أن الجنوبيين سيساعدونهم انطلاقا من هذا التحالف وحفظا للأمن القومي العربي وغيره، وعلى اعتبار أنها ليست شعارات ولكن أهدافا. وإلا فنحن في الجنوب همنا الأول تحرير أرضنا واستعادة دولتنا ولا يهمنا عودة الشرعية إلى صنعاء من عدمه.

هذه القوة نفسها تركت خلفها الحوثيين، وسلمتهم المحافظات والأسلحة المختلفة، وزحفت نحو الجنوب لتحرير المحرر.

إذا كان الشماليون راضين بنظام الحوثي، فهم يتحملون مسؤوليتهم, وهذا مصيرهم. لكن أن تتحول الحرب إلى الجنوب بين أطراف التحالف التي يحتجز قادتها عنده في الرياض في الوقت الذي قواتهم تتقاتل في أبين، وجميعهم اشتركوا في الوقوف إلى جانب التحالف في 2015م وقاتلوا الانقلاب، فهذا أمر عجيب ومشبوه. فما هذا الذي يحدث؟.

بصراحة، نلوم الجنوبيين لأنهم يقاتلون في شقرة، لأننا كلنا سنقاتل المعتدين الغزاة؛ لأن عدم التصدي لهم يعني عودة ما تسمى الشرعية إلى عدن، وعودة الإرهاب والقاعدة والقضاء على المجلس الانتقالي وقواته، ومن ثم سنعود إلى المربع الأول. إنهم يسعون إلى القضاء على القضية الجنوبية برمتها، مع أنها قضية مشروعة لن تموت. هذه القوات المتربصة المحمومة لا قضية لها، فإن كانوا جنوبيين فالأحرى أن يقفوا إلى جانب شعب الجنوب وقضيته العادلة، وإن كانوا شماليين فالأحرى أن يقاتلوا في الشمال؛ ليحرروا أرضهم، أو يتحالفوا مع الحوثي، ويقفوا معه وكفى المؤمنين القتال.

ولعل الطامة الكبرى أن قائدة التحالف تقف موقف المتفرج على هذا المشهد الذي تستعر فيه الحرب بين حلفائها، مع أنها وقعت بينهما اتفاقاً "اتفاق الرياض" بشقيه العسكري والسياسي، وقد مضى على هذا الاتفاق شهور منذ توقيعه، ولم ينفذ، ولم يلمس أحد ثماره... فلماذا لم تستطع أن تنفذ هذا الاتفاق؟ ولماذا لم تحدد الطرف المعرقل أو الذي لم يرض بتطبيقه؟

حلفاء السعودية يتقاتلون، وينزفون من الطرفين فما هو دورها ؟ وما دور التحالف بشكل عام وما دور العالم؟ هم يعرفون تمام المعرفة أن الجنوبيين سيقاتلون، ولن يسمحوا بدخول القوات إلى عدن ، وليس أمامهم من خيار إلا ذلك، ويعلمون كذلك أن هناك رغبة لدى الطرف الآخر "الإخوان ومن لف لفهم" في الدخول إلى عدن، فزاد الحماس لدى المتفرجين على مثل هذا المشهد.

الجنوبيون يقاتلون في شقرة وإلى ما وراء شقرة في سبيل استعادة دولة الجنوب، ولكن قد يكون لهذه القوى التي تقف موقف المتفرج وتدعم الطرف الآخر هدف آخر من هذه الحرب ... أن تسحقنا نحن، وتضعف الطرف الآخر مثلاً؟ هذا ممكن ووارد وتدل عليه مؤشرات. وبما أن أكثر قواتنا من عدن وغيرها زُج بها هناك في جبهة أبين، فمن المحتمل أن هناك قوى تتربص بنا من الجانب الآخر من جهة تعز، أو من خلايا داخلية نشطة وليست نائمة .

هناك قوات تتبع الإخوان أو تتبع قائدة التحالف, فمن يضمن عدم انقضاضها على العاصمة عدن؟

هذا إذا ما ضعفت واستهلكت قواتنا في معارك أبين ؟.

لا أثبط الجنوبيين عن القتال، فليس أمامهم إلا ذلك، لكن، في الوقت نفسه، لابد للسياسيين أن يفهموا أبعاد هذه الحرب، وماذا يريد الإقليم والعالم منها؟ فنحن نريد شيئاً وهم يريدون أشياء أخرى.
عناصر القاعدة موجودة بين أوساط الطرف الآخر، فما موقف العالم من ذلك؟ ماذا قدم لنا وماذا دعمنا ؟ ومن الذي لديه مصلحة أن يكون الجنوب حاضنة للإرهاب داخليا وخارجيا؟

نحن، بصراحة، لا نشك في الموقف الإماراتي , فقد قدموا لنا ما قدموا، فجزاهم الله عن شعبنا وقضيته خير ما يكون الجزاء، وإن كانت لهم مصالح، فنحن نحترم هذه المصالح مثلما احترموا قضيتنا ودعموها. ولكن على دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها السياسية ألا يتركونا في منتصف الطريق بسبب الضغوط السعودية أو غيرها .
المشكلة المحيرة في قائدة التحالف ممثلة بالمملكة العربية السعودية، فهي كما يقال "لا تشلوني ولا تطرحوني"، ومثل الذي يؤشر يمينا فيدخل يسارا.

هناك مؤشرات قوية بأنها باتت تدعم الطرف الآخر، ضد الجنوب قضية وشعبا وجيشا، لأن رواتب الجنوبيين موقفة، والدعم موقف كذلك، وأي تقدم باتجاه شقرة أو أبعد من ذلك تسعى إلى توقيفه بالقوة، والأكثر من ذلك أنها حاولت أكثر من مرة أن تدخل قوات الإخوان إلى عدن، فما هذا الذي يحدث؟ مع أن تركيا وقطر تدعمان جبهة شقرة ضد الجنوبيين، ومع الدخول إلى عدن، وهذا أمر ينبغي للتحالف أن يمنعه وأن يقف ضده بقيادة السعودية.

هل صارت قطر وتركيا فزاعتين للتغطية على الدعم السعودي المشهود لشرعية الإخونج وتمكينهم من الجنوب ؟ لأنهم بصراحة يقاتلوننا بالسلاح السعودي وليس بالسلاح القطري أو التركي مع عدم استبعاد دعم هاتين الدولتين لهم .
وكما أسلفنا، فنحن، الجنوبيين، لم يكن هدفنا قتل هؤلاء المهاجمين في شقرة، ولكننا سندافع عن أرضنا وسنخرجهم بإذن الله، وإنما كانت لدينا الرغبة في إخراجهم أحياء يمشون على أقدامهم أو راكبين سياراتهم ويرحلون، فهذا أفضل لنا ولهم.

أما هناك من قوى سياسية رشيدة تستطيع أن تعمل لإخراج البلاد والناس من دوامة هذه الحروب، وتكون هناك دولتان: دولة في الشمال ودولة في الجنوب، فيصطلح الجنوبيون على أرضهم وحكم بلدهم وكذلك الشمال، وينتهي هذا النزيف، وتستطيع الدفع بدول الإقليم بأن تكون داعمة في هذا الاتجاه ! الشماليون سيتفقون على السلطة مثلما اتفقوا عليها بعد ثورة سبتمبر، ونحن الجنوبيين لا توجد عندنا مشكلة بالنسبة للسلطة، فلدينا قيادة سياسية، ولدينا حامل سياسي، وأي معارضة داخل الجنوب يهمها الجنوب فمرحباً بها، فلا يوجد ما يمنعها من العمل تحت سقف الجنوب وثوابته الوطنية، فمصلحة هذه القوى في الجنوب، وليس في الشمال، وكفى المؤمنين القتال.

أما الجنوبيون فانهم سيقاتلون مضطرين، لأن هذه أرضهم وعرضهم وشرفهم، ولكننا سنجنح إلى السلم في حال أن القوى الشمالية تفهمت قضيتنا، وأرادت أن تحقن الدماء بيننا. ومع أن الشمال مدمر سياسيا أليس من المفترض أن تعمل هذه القوى الشمالية على بناء بيتهم، وأن يوحدوا صفوفهم من أجل ذلك؟! ونحن كذا في الجنوب، هل من عقول تعمل على هذا النحو؟ هل من قوى سياسية في هذه البلاد الطويلة العريضة التي دوشتنا سنين بالديمقراطية وبالأحزاب؟ أين ذهبت هذه الأحزاب؟ هل ذهبت الرياض كلها ونسيت أمر هذه البلاد؟ همًوا مصلحة البلدين والشعبين شمالا وجنوبا، فليست المصلحة في فرض الوحدة بالقوة والقتال واحتلال عدن .

دائما ما يصرح الرئيس عيدروس الزبيدي ويقول إننا نريد أن تصل سفينة الجنوب إلى بر الأمان بأقل تكلفة، ولهذا فنحن سنصبر، ولكن يبدو أن هناك قوى لا تريدنا حتى أن نصبر، بل إنها فهمت الصبر عجزا وضعفا.

ماذا تريد السعودية من هذه السياسة؟ مع أي طرف هي من هذه الأطراف؟ هل تريد أن تضعف هذه الأطراف كلها؟ مع أن هذا الأمر يقوي خصمها المفترض وهم الحوثيون. هل هي تدعم شرعية الإخوان، وتريد تسليم الجنوب لها، وتكتفي ببقاء الشمال بيد الحوثي وتتقي شره بطرق سياسية، وترى أن قضية الجنوب ليست بذات أهمية سياسية لها؟ وليذهب الجنوبيون وقضيتهم إلى الجحيم في سبيل إرضاء المرشد !

هناك مؤشرات تدل على ذلك، ولكن هذا عمل غير أخلاقي وغير قومي وغير منصف، وهو يضر بالجميع ومن ضمنهم السعودية نفسها.
بعد كل هذا التداعي في الحديث ما الذي ينبغي أن تنهض به قيادتنا السياسية ومن خلفها شعبنا الجنوبي؟ إن قوتكم في شعبكم وقضيته العادلة وفي قواته الناشئة ومقاومته الباسلة.

أما تزالون تراهنون على موقف إيجابي سعودي من قضيتنا؟ أنتم أعلم منا مع أنه حتى رجل الشارع قد بات يعرف ما تضمره الجارة لنا، لقد لمس ذلك في انقطاع راتبه فجأة في حرب الخدمات التي تشجعها الجارة وتغذيها، وفي غير ذلك.
ينبغي تحريك الشارع الجنوبي أمام هذا الخذلان السعودي والتواطؤ مع الغزاة في أبين وشبوة وغيرهما، ودعمهم للدخول إلى عدن ، والبحث عن حلفاء دوليين لقضية شعبنا العادلة.

وفي حين تمادت الجارة في ضلالها السياسي ضد شعبنا وقضيته وحقه في تقرير مصيره واستعادة دولته، فإن براكين الغضب الجنوبي ستثور، وتتفجر بكل عنفوان ضد الغزاة وداعميهم حين لا ينفع الندم، وحين لا ينفع الأفعى أن تنفخ في المكان الذي لدغته، بعد أن رمتني بدائها وانسلت .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى