المناضل الإنسان العميد الركن ناصر الطويل

> كتب/ د. عبده يحيى الدباني

> "المناضل الإنسان العميد الركن ناصر الطويل صارع جلطات الوطن فمن يعينه اليوم على جلطاته؟"، لأول مرة أكتب مقالا بينما الدموع تملأ عيني... تداعيات كثيرة جعلتني أكتب وأدمع وليس العنوان أعلاه إلا واحدا من هذه التداعيات ولعله هو الذي حرك الذكريات والشجون... ناصر صالح عبد هذا الاسم الذي يرن في الأذن منذ عقلت ما تسمع.... منذ الطفولة المبكرة في ذلك الزمن الحبيب، سمعت عنه قبل أن أراه مع أن قريتي وقريته قريبتان من بعضهما، كان يكبرنا بعقد من السنوات تقريبا وكان يتنافس مع أخي (علي يحيى الدباني) على المرتبة الأولى في المدرسة، لهذا كان اسمه يتردد في أذني بكل خير حين كانت المنافسة شريفة حتى بين الأطفال والشباب اليافع.
وحين دخلنا المدرسة كان ناصر بالصف الخامس الابتدائي شابا غضا يبرز من بين الطلاب بطوله المميز، كان شابا حانيا وكنا ننظر إليه كمدرس لنا وليس زميلا يسبقنا بالدراسة وكان هو كذلك يحنو علينا ويبتسم في وجوهنا بحرارة وحب وعطف منقطع النظير.

ومرت الأيام ولم نعد نرى ناصرا بقامته الباسقة ووجهه الباسم فقيل لنا إنه قد التحق بالجيش جنديا، وقبله ومن بعده التحق بالجيش كثيرون، لقد فعل ذلك نظرا لظروف أسرته الفقيرة كغيرها من الأسر التي تقطن فوق جبل حالمين وفي كل مكان في جنوبنا الحبيب.

التحق ناصر بالجيش ولكنه لم يبق جنديا في رتبته ولم يتوقف عن التعليم، وكنا نسمع عما يحققه من نجاحات وما يناله من ترقيات ودورات خارجية، وكنا نلقاه صدفة حين تجمعنا سيارة واحدة تلم شعثنا وتعود بنا من الحبيلين إلى (الجبل) الذي يعصمنا من الشتات والتفرق اللذين يعصفان بنا اليوم، أو نلقاه في (الميدان) وهو ملعب لكرة القدم يتبع مدرسة (الرباط) حين كان يأتي يشارك الشباب لعبته المفضلة كرة القدم لقد ارتبطت حياة ناصر بالميادين على مختلف أنواعها.
ودارت الأيام دورتها وناصر يصعد في الرتب وينال من المناصب ما يستحق ويزداد بسطة في العلم والجسم، ولكننا كنا نلقاه طيبا بشوشا متواضعا لا تفارقه تلك الابتسامة التي تفيض بالحنان مبديا استعداده لأي خدمة يسديها إلينا.
ناصر الطويل... هذه التسمية ارتبطت به وهو في القوات المسلحة الجنوبية  ولا تزال إلى اليوم تصحبه ولم يكن ذلك الطول يقتصر على كيانه الجسدي بل كان طولا في البال وبعدا في النظر وفي الطموح والتميز والغيرة على الحق والوطن خاصة.

لقي صاحبنا ما لقيه رفاقه في جيش الجنوب بعد حرب احتلاله في 1994م حيث سرح من عمله بعد أن وصل إلى منصب قائد لواء ورتبة عقيد ركن حسب ظني ولكنه لم يستسلم ولم يحبط كما فعل كثيرون بحكم الاستلاب والقهر اللذين تعرضوا لهما وتعرضت لهما الجنوب كلها، بل ظل يقارع ويعبر عن رأيه حسب ظروف المرحلة.

 وحين هبت الرياح الجنوبية ما بعد 2005م كان ناصر الطويل هنالك بالمعمعة في مقدمة مؤسسي جمعية المتقاعدين العسكريين وأصبح رئيسا لها. تلك الجمعية التي فجرت ثورة الجنوب السلمية في 7 يوليو 2007م في ساحة العروض في خور مكسر فانطلق بعد ذلك طوفان الجنوب الثائر الذي لم ينقطع حتى الآن لأنه لم يبلغ منتهاه ويحقق أهدافه. كان ناصر يتقدم الصفوف أحيانا وأحيانا يترك المقدمة للآخرين نظرا لتواضعه وبعد نظره وخدمة للثورة نفسها وليس لشخصه؛ ولكن سلطة الاحتلال كانت تعرف دور هذا الرجل الرائد في تأسيس وقيادة جمعية المتقاعدين العسكريين التى اشعلت فتيل الثورة الجنوبية السلمية التحريرية فزجت بناصر في محاكمة سياسية كيدية بسبب قيام هذه الجمعية،  فظل ناصر يحضر جلسات هذه المحاكمة وإلى جانبه المتضامنون فلم يهرب ولم يخف بل وقف شامخا وسط المحكمة حتى انتصرت العدالة وكسبت الجمعية ورئيسها القضية وكان ذلك اعترافا قضائيا بشرعية الجمعية وعدالة القضية الجنوبية نفسها، حيث لم يتحول كوادر الجيش الجنوبي المسرحين إلى قطاع طرق أو مجاميع متطرفة، ولكنهم نظموا أنفسهم في كيان مدني حضري مناضل.

هكذا استمر ناصر الطويل مناضلا لا تلين له قناة في ميادين الثورة الجنوبية المختلفة رافضا بقوة كل المغريات التي تراوده من قبل السلطات، مع هذا لم يكن متشددا في نضاله مثل أولئك الذين انتقلوا من أقاصي الثورة إلى أحضان السلطة.
شارك بالحوار في صنعاء مشاركة شجاعة ضمن الفصيل الذي شارك وانسحب من الحوار ضمن رفاقه حين أدركوا لعبة الأقاليم ومؤشرات وأد قضية الجنوب، هذه السياسة نفسها التي فجرت الحرب الراهنة وأعطت الشرعية لكل من يثور على الشرعية بالحق أو بالباطل.

وعلى أية حال فهذه خواطر وذكريات وشهادات ولكن سيرة الرجل زاخرة بالعطاء والمواقف وتستحق التأمل والكتابة.
العميد الركن ناصر الطويل صديقنا المناضل هو اليوم طريح الفراش في منزله لقد تعب الفارس المغوار من الكر والفر خلال سنوات طويلة في سبيل قضية شعبنا العادلة وانتصارها. فقد عمل ما عمل لوجه الله تعالى ثم لوجه الوطن الجريح الذي لم يبخل عليه حتى بأولاده فهم في صفوف المقاومة الجنوبية في عدن. ولكن علينا نحن رفاقه في الحراك الجنوبي ألا نتركه يصارع المرض وحيدا ونحن قادرون على الوفاء معه. فعلى جمعية المتقاعدين العسكريين القيام بالواجب الوطني مع أبرز مؤسسيها ورئيسها الأول، وعلى المجلس الانتقالي الجنوبي أن يتبنى سفر ناصر الطويل إلى الخارج للعلاج قبل أن يغادرنا بصمت وبعتب شديد لا نتحمله، وعلى السلطة المحلية في حالمين وردفان ولحج وعدن القيام بالواجب أمام هذه الكفاءة النادرة، فمثل هؤلاء يصعب على الجنوب تعويضهم في مثل هذه المرحلة التي نمر بها وفي المستقبل القريب الذي سيكون بأمس الحاجة لهم. لقد اتسع قلب هذا الرجل للجميع حتى أرهق فلا نكونن جاحدين وغافلين أو متواكلين أمام بعضنا فعند الشدة تلمع معادن الرجال وتتجلى المواقف، أما أن يجازى مثل هؤلاء بالجحود واللا مبالاة فعلى الدنيا السلام.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى