الجغرافيا السياسية تتكلم: نحن العثمانيون الجدد

> محمد سعد عبد اللطيف

> انتشر بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وبعد اندلاع الربيع العربي وحروب الشرق الأوسط الحالية مصطلح "الجيوسياسية" أو "الجيوبوليتيكية" انتشارا واسعا في وسائل الإعلام في غياب الصراع الأيديولوجي عن الساحة الدولية، وأصبح الوضع الجيوسياسي في العالم معقدا للغاية، وميزان القوى الدولية مختلا، ولم يتم بعد بناء هيكل جديد للأمن الدولي، لذلك نستطيع أن نفهم الآن الصراع الدائر في ليبيا ونفهم مصطلح الجيوسياسية هي "سياسة الاحتياجات المطلوبة التي تقوم بها الدولة لتنمو حتى ولو نموا تتجاوز به حدودها، وكذلك "دراسة أثر سياسة التغيير في الأبعاد الجغرافية للدولة".

ويمكن توضيح مفهوم الجيوسياسية بلغة مبسطة بأنها تعني السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الدولة الوصول إليه. إذ إن النظرة الجيوسياسية لدى دولة ما تتعلق بقدرتها على أن تكون لاعبا فعالا في أوسع مساحة من الكرة الأرضية، ومن أبرز الأمثلة عليها توسيع نفوذ أميركا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وتحويل ولاء بعض تلك الجمهوريات من النفوذ الروسي إلى النفوذ الأمريكي. كذلك تصريح وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف في مطلع هذا العام أن جغرافية إيران أكبر من مساحتها.

وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي وسقوط بعض الأنظمة العربية تطلعت تركيا أن تلعب دورا مقابل الدور الإيراني في المنطقة من التدخلات، على أن تقوم بدور الدولة السنية مقابل الدور الشيعي في المنطقة، ومساعدة الأنظمة على حد قولها في بناء ديمقراطيات جديدة وتبني مشروع الإسلام السياسي، الذي فاز في الانتخابات في مصر وليبيا، ومساعدة الفصائل في سوريا، وقد فشلت في مصر وسقط مشروع الإسلام السياسي في مصر. تطلعت إلى ليبيا الجار لمصر بسبب الخلافات عقب أحداث 30 يونيو عام 2013م.

في وقت ترزح ليبيا تحت وطأة صراع داخلي يخضع لتجاذبات إقليمية، ظهر على مسرح الأحداث الدور التركي مع حكومة السراج في طرابلس، وظهور لاعبين دوليين في مسرح عمليات الحرب في ليبيا؛ روسيا وفرنسا وإيطاليا، وتبادل أطراف الصراع على ثروات ليبيا الطبيعية وصراع على الإعمار ما بعد انتهاء الحرب بين فرنسا وإيطاليا التي تساند الجانب التركي في موقفة في ليبيا. وقد قام وزير خارجية إيطاليا هذا الأسبوع بزيارة إلى أنقرة للتنسيق الموقف الإيطالي والتركي بشأن حكومة السراج ضد الجيش الوطني الليبي.. في الوقت نفسه أعلنت أنقرة عن بناء قاعدة جوية وبحرية لها في ليبيا في غياب دور عربي موحد لتهديدات التركية للأمن القومي لدول الجوار، حيث تواجه المنطقة العربية المتاخمة لصحراء في دوائرها الجيوسياسية المختلفة تحديات أمنية متشابكة وصعبة تتمثل في الجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة (الاتجار في البشر والأسلحة والبضائع) وصولاً إلى تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية وانتشار الأمراض المختلفة، علاوة على النشاط المتزايد لعصابات التهريب والجماعات الإجرامية والحركات الإرهابية، هذه الظواهر تتغذى على أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وعسكرية، تعيشها دول المنطقة، تمتد تأثيراتها إلى مختلف دول الجوار، مما يقتضي التعامل معها والاستجابة لها باستراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد عوض المقاربة الأمنية التقليدية التي تم تبنيها في مواجهة هذه التهديدات.

وانطلاقًا من كون منطقة الساحل تشكل عمقًا استراتيجيًا ومجالاً حيويًا للأمن القومي العربي فإن هذه الأزمات الأمنية المهددة للمنطقة تلقي بظلالها على المشهد الأمني بالمنطقة، مما يلزم بإعادة النظر في مبادئ ومفاهيم الرؤية الأمنية الجماعية، والعقيدة الأمنية المشتركة، والتعاون والاعتماد المتبادل أمنيًا مع جميع المتدخلين والفاعلين محليًا وإقليميًا ودوليًا.

والتعاطي معها سواء على مستوى الدبلوماسية الثنائية أو المتعددة الأطراف إقليميًا أو دوليًا حيث يمكن لدول المغرب العربي ومصر أن تلعب دورًا فاعلاً في الدفاع عن مصالح أفريقيا في مواجهة التنافس الدولي على خيراتها من أجل تعزيز وتقوية التنمية والاقتصاد، بدلاً عن التركيز على المقاربة الأمنية التي ثبت فشلها في مختلف المبادرات التي عرفتها المنطقة مما يحتم على مصر تعزيز دوره في مختلف الآليات الإقليمية والدولية التي تستهدف المنطقة بما يخدم المصالح المشتركة التي تجمعه بشعوب ودول المنطقة، لذلك كان استعراض القوة المصرية في عرض تشكيلي من قواتها غرب البلاد انطلاقا من دورها الوطني والقومي والعربي في المنطقة، لذلك انتظر العالم 9 سنوات على سؤال الرئيس معمر القذافي من أنتم؟ لتجيب على هذا السؤال: الجيوسياسية مصطلح تقليدي ينطبق في المقام الأول على تأثير الجغرافيا على السياسة، فهـو علم دراسة تأثير الأرض "برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها" على السـياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي أضاف إلى الجيـوبوليتيك فرع الجيـواستراتيجيا ولكنه تطور ليستخدم على مدى القرن الماضي ليشمل دلالات أوسع، وهو يشير تقليديًا إلى الروابط والعلاقات السببية بين السلطة السياسية والحيز الجغرافي، في شروط محددة وغالبًا ما ينظر على أنه مجموعة من معايير الفكر الاستراتيجي والصفات المحددة على أساس الأهمية النسبية للقوة البرية والقوة البحرية في المنطقة.

"جنوب العرب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى