رجال في ذاكرة التاريخ: الشيخ محمد عوض باوزير..صاحب ميزان حسنات متميز

> نجيب محمد يابلي

> غيل باوزير:
 غيل باوزير مدينة تبعد عن المكلا 30 كيلو متراً، وتتميز بكثرة الغيول والجداول والوديان الصغيرة مثل وادي خضيرة ووادي شعيب، وغيل باوزير قديماً تطلق على المنطقة التي تحدها قرية القارة شرقاً وقرية النقعة غرباً وقرية شمير جنوباً ومجموعة من السلاسل الجبلية شمالاً، وتنقسم غيل باوزير إلى عدد من الأحياء الداخلية، ويقصد بها (أحياء مدينة الغيل).

غيل باوزير أسسه الشيخ عبدالرحمن بن عمر بن محمد بن سالم باوزير عام 706هـ/ 1306م، وتميزت الغيل بكونها ممراً واستراحة للتنزه والمسافرين المتوجهين إلى عدن.
اشتهرت غيل باوزير برباطها العلمي الذي أينع وأزهر وأثمر بقدوم الشيخ محمد بن عمر بن سلم وتوسع الرباط إلى معهد ودار إيواء للطلاب الفقراء، وفي عهد السلطان عمر القعيطي هدم الرباط، وأعيد بناؤه بشكل أكبر وانتظمت الدراسة وقسمت إلى فرق بحسب مستويات الطلاب، وزود الشيخ بن سلم الرباط بمكتبة خاصة كبيرة تحتوي على كتب الفقه والتفسير والحديث. «الموسوعة اليمنية المجلد الأول (459)».

وورد في الموسوعة أيضاً سير عدد من علماء آل باوزير هم: محمد عوض باوزير، وسعيد عوض باوزير، وعبدالرحيم بن سعيد باوزير (الصفحات 958/ 461).

الميلاد والنشأة
محمد عوض باوزير
محمد عوض باوزير
الشيخ محمد عوض باوزير من مواليد غيل باوزير (السلطنة القعيطية الحضرمية العطرة الذكر) عام 1912 جرياً على نشأة أترابه تلقى شيخنا باوزير في أول حياته دروسه القرآنية، والتحق بعد ذلك برباط الشيخ بن سلم، ودرس علوم اللغة العربية، كما نهل رحمه الله من معين العلامة السيد محسن جعفر بونمي، والشيخ عبدالصادق سالم باوزير، والشيخ عبدالله بن طاهر باوزير، وقرأ على الأخير كثيراً من كتب التصوف وتربى على يديه تربية دينية خاصة، وبعد تخرجه من رباط بن سلم أسندت إليه وظيفة القضاء في المكلا، وفي أواخر عهد السلطان عمر بن عوض القعيطي تولى قضاء مدينة الشحر.

الشيخ باوزير وأتت الرياح بما لم تشته السفن
أفرد الشيخ محمد عوض باوزير جل وقته لوظيفة القضاء المقدس، إلا أن ظروف عارضة أملت عليه اعتزال القضاء والعودة إلى غيل باوزير ليعطي جل وقته لتدريس الطلبة وإلقاء الدروس العامة، وعاد إلى المكلا يشغل وظيفة رئيس محكمة الاستئناف بالمكلا.
شد الشيخ محمد عوض باوزير الرحال إلى المملكة العربية السعودية عام 1942م عن طريق اليمن ماراً بعدد من مدن الساحل الغربي، والتقى بعلمائها، وانتقل من جيزان إلى جدة ومكة والمدينة، والتقى بالعلماء هناك.

الشيخ باوزير وآل بامطرف في شراكة عدنية
غادر الشيخ محمد عوض باوزير أراضي المملكة العربية السعودية إلى عدن، ودخل في شراكة مع آل بامطرف في مجال الصرافة، وكانت الشراكة أنموذجاً طيباً وأسس أعمالاً تجارية ناجحة، ووفق الشيخ باوزير في الجمع بين الرسالة الدينية والعمل التجاري، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه في عدن وأصبح من وجهائها الألمعيين، وزاول العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والأعمال الخيرية.

الشيخ باوزير وميزان حسنات متميز
دخل المعهد العلمي الإسلامي في عدن دائرة الضوء كصرح علمي وإسلامي، ولا يزال الصرح قائماً وشامخاً حتى اليوم، وقام ببناء هذا الصرح الكبير الشيخ محمد بن سالم البيحاني، وجمع له مبالغ هائلة من عدن وخارج عدن على مستوى الجزيرة والخليج، وتحقق قيام المشروع وجباية الأموال، لأن الشيخ البيحاني كان في الواجهة، وكان الشيخ محمد عوض باوزير مشاركاً في التأسيس لهذا الصرح العلمي الفخم سواء من حيث تشييد المبنى أو تحديد الخطوط العريضة لمضمون هذا الإنجاز الضخم.

تجلت مهام الشيخ باوزير النبيلة في أنه كان نائباً لرئيس الجمعية الإسلامية للتربية والتعليم التي كانت تشرف على المعهد، وسطعت إثارة مهمته المقدسة عندما قام بالإشراف على صرح تعليمي مقدس تمثل في مدرسة بازرعة الإسلامية التي شيدها رجل البر والإحسان الشيخ محمد عمر بازرعة عام 1912م.

الشيخ باوزير في هيئة العلماء وجمعية مرضى السل
انتخب الشيخ محمد عوض باوزير سكرتيراً لهيئة علماء الجنوب وعضواً في جمعية مرضى السل، وشكلت المنظمتان رافداً طبياً لمنظمات المجتمع المدني، حيث برزت رسالة التنوير، وحظي مرضى السل بالعناية والرعاية اللازمتين، ونحن شهود العصر على ذلك الزمن الجميل.

الشيخ باوزير رئيساً للجمعية الحضرمية
اكتسب الوجود الحضرمي في عدن عراقة تاريخية لاسيما وأن الحضارم مدنيون ومكافحون ومتنوعون في عطائهم، هذا عالم دين وذاك تاجر وهذا طبيب وذاك مهندس، وهكذا دواليك وقضت الضرورة أن يكون لهم كيان ومكون يجمعهم فأسسوا الجمعية الحضرمية عام 1946م، وشغل الشيخ محمد عوض باوزير منصب الرئيس للجمعية خلال الفترة الممتدة من عام 1950م حتى عام 1961م، وكانت فترة أعمال بر وعلم وتواصل وتعزز ميزان حسناتهم، حيث انتفع الفقراء والمستحقون بأموال الزكاة والمساعدات التي دفعت للفقراء والمرضى وطلاب العلم، ورصدت عدن فعاليات ثقافية وعلمية شهدتها الجمعية.

تقتضي الأمانة العلمية أن ننصف الرجل بأنه اشترى مقر الجمعية الحضرمية في منطقة الخساف بكريتر من ماله الخاص ليصبح العقار خاصاً بالجمعية، ونحسب له إغاثة ركاب الباخرة «كرم العرب» التي جنحت في ساحل عمران عام 1953 وإيواء ركابها في مقر الجمعية.
يحسب لهذا الشيخ الجليل أنه ساهم في إغاثة وإيواء الأسر الحضرمية التي قدمت من أندونيسيا في ستينات القرن الماضي الهاربة من الحكم الشيوعي في عهد الرئيس أحمد سوكارنو، وتم إيواؤهم على نفقته الخاصة في مقر اتحاد التنس العدني.

بصمات الشيخ باوزير في مسجد حسين الأهدل
طلب من الشيخ محمد عوض باوزير القيام بمهام الإمامة والخطابة بمسجد حسين الأهدل في حافة حسين العريقة بكريتر عام 1958م، وذلك طمعاً في غزارة علومه بالفقه والحديث والفرائض واللغة العربية، فاستجاب الشيخ باوزير وكان أول عمل قام به هو تجديد وتوسعة المسجد واضافة طابق للنساء مساهما بجهده وماله ومساندة أهل الخير، إضافة إلى ذلك قيامه بالدروس المنتظمة ما بين المغرب والعشاء، وتقديم الفتاوى الشرعية خدمة للسائلين.

بصمات الشيخ باوزير في مسجد النور
يحسب للشيخ محمد عوض باوزير إسهامه بالجهد والمال إلى جانب كوكبة من العلماء ورجال المال في عدن ببناء مسجد النور في مدينة الشيخ عثمان من خلال عضويته في اللجنة المشرفة على بناء المسجد الذي تم الانتهاء منه عام 1959م.

هل أتاكم حديث إنجرامس؟
ورد في أوراق السلطة القعيطية العطرة الذكر أن السلطان القعيطي عزم على أداء فريضة الحج، وطلب من الشيخ محمد عوض باوزير بأن يقوم مقامه إلى حين عودة السلطان من الأراضي المقدسة، وكان المعتمد البريطاني آنذاك هارولد إنجرامس (Harold Ingrams) طلب من الشيخ باوزير أن يوضع العلم البريطاني على قصر السلطان، إلا أن الشيخ باوزير رفض ذلك وأخبر إنجرامس أننا نحترم جلالة ملك بريطانيا وعلم المملكة المتحدة، فيوضع على مقر الاستشارية البريطانية، فاشتاط إنجرامس غضباً وأمر باعتقال الشيخ محمد عوض باوزير، فما كان منه إلا الهروب إلى عدن، ومنها إلى بربرة عاصمة الصومال البريطاني، حيث أقام فيها لمدة ثلاث سنوات، وكان يقدم دروساً لطلاب العلم في مساجدها، وعاد إلى عدن بعد إسقاط التهمة الموجهة ظلماً ضده، واستأنف نشاطه التجاري في عدن.

الشيخ باوزير مع تجار آخرين يلتقون وزير المستعمرات
يذكر لتجار عدن وقوفهم مع الجنوب العربي واستقلال قراره، وتجسد ذلك بزيارة وفد من تجار عدن عام 1964م برئاسة رجل الأعمال الشيخ محمد عوض باوزير، الأمين العام لعلماء الجنوب وعضوية كل من الشيخ سعيد بازرعة، وأ. علي محمد مقطري (والد جلال ولطفي وعادل) بزيارة وزير المستعمرات لمناقشة استقلال الجنوب وجعل عدن منطقة حرة.
زياره وفد من تجار عدن عام 1964 برئاسة رجل الأعمال الشيخ محمد عوض باوزير الأمين العام لعلماء الجنوب وعضوية كل من الشيخ سعيد بازرعه والأستاذ علي محمد مقطري وذلك الاجتماع لوزير المستعمرات آنذاك. لمناقشة استقلال الجنوب وجعل عدن منطقة حره
زياره وفد من تجار عدن عام 1964 برئاسة رجل الأعمال الشيخ محمد عوض باوزير الأمين العام لعلماء الجنوب وعضوية كل من الشيخ سعيد بازرعه والأستاذ علي محمد مقطري وذلك الاجتماع لوزير المستعمرات آنذاك. لمناقشة استقلال الجنوب وجعل عدن منطقة حره

الشيخ باوزير يشد الرحال إلى جدة
ورد في الكتاب المرجعي (حلقات القرآن الكريم ومجالس العلم في مساجد عدن) للشيخ أمين سعيد عوض باوزير، أطال الله عمره ومتعه بالصحة: «ولأسباب سياسية أخرى غادر الشيخ محمد عوض باوزير وأسرته إلى جدة عام 1967م، وفتح له دكاناً تجارياً فيها، ومكث إلى أن وافته المنية عام 1973م، وترك وراءه أبناء يمشون على نهج أبيهم وسيرته الحميدة».

«وفي عدن أقام أصدقاؤه وآباؤه وتلاميذه حفلاً تأبينياً في مقامه، وكان ذلك في مسجد الشيخ عبدالله العمودي بكريتر، وافتتح الخضر بقصيدة من أ. عبدالله هادي سبيت واتبعه أ. محمد عوض باوزير بقصيدة أخرى، ثم اختتم صاحب الفضيلة الشيخ علي محمد باحميش بكلمة مؤثرة أشار فيها إلى مآثر المرحوم الشيخ محمد عوض باوزير الطيبة وعدّدها».

وبعد سفر الشيخ محمد عوض باوزير إلى جدة عام 1967م خلفه في الإمامة الشاب الشيخ عبدالجبار الذي يحتل حالياً وظيفة قاضٍ، وجاء من بعده الفقيه الشاب ثابت بن عبدالله اليماني، ومن بعده السيد محمد علي باحسن إماماً وخطيباً لهذا المسجد (مسجد حسين الأهدل الذي بني سنة 819هـ)، ومازال المسجد عامراً بمدرسة العلم وتلاوة كتاب الله الكريم «الصفحات 26/ 30».

أسماء أولاده مرتبة حسب
 العمر من الكبير إلى الصغير
عوض، طاهر، نجيب، جمال، زكريا وأسامة محمد عوض باوزير.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى