ورحل بتهوفن الدبلوماسية

> زمن مثقل بالأحزان حامل بين كتفيه كاتدرائية الدمع والكمد، مرة في صورة حروب ملعونة قاتلة هوجاء... ومرة في صورة عذراء فاغرة المشافر مثل كورونا الموت، قاتلة الوجود والوجدان، وكأننا يا زمن داحس والغبراء ما انتهينا، ونحن نكفكف الدمع على جميلة مار مارون بيروت، حسناء الخمائل، ذات البين في جباه الكون، نادها يسوع للصعود، وكانت مذابح بيروت طريق الآلام، يسوع يرسم المذبح والطريق، وكنا من هول الفجائع نجترح الجراح، نبحث عن مخارج للكون بعيدا عن عصب الأحزان والآلام، في وديان يمننا والهضاب نتجرع أقداحا من الأحزان تكفي وتفيض لمن يسرحون ويمرحون، وعلى أحزاننا بحروبهم يتبارزون، وعلى جثث الطفولة البريئة يتسابقون، وعن مآسينا للأسف لاهون.
وكعادة الطعنة الدهماء في حروب الأشقياء، يختطف الموت في لحظة من غياب الوعى، وتشتت الأفكار يختطف من جنبات الدار من مكمن الوقار ناسكا وعابدا، بصمته يعزف لحنا رخيما، وإن تكلم أوجز، وإن ناقش ركز، وإن جامل غلف الحسن برونق الكلام.
رحل ذاك الذي كانت لغته الصمت... الإشارات... قاموس الكلام الذي ألبس دبلوماسية جمهوريتنا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ثوب الوقار والاحترام، وتناغم مع مفردات دولة الوحدة (الجمهورية اليمنية) أنوالا حاك بها مفردات التباين في تجل يحسب له حساب. رحلت أيها العزيز عبد العزيز الدالي، وحملتنا وزرا ثقيلا وحزنا فوق جبل الأحزان، وكانت أغنية  الرحيل المفاجئ رمزية المتاعب، تحمل أثقالا فوق ما بين ظهرانينا من متاعب وأثقال السنين، ووالله، إنها أشد وطأة... وألعن أثقالا ... أثقال من تلونوا... أيام دهر عليه اللعنة من زمان... وعليها ألف لعنة ما تبقي لنا من أيام.
رحلت وتركت لنا الحزن والأسى، سنعزي النفس... الوطن... الإنسان... اليمن.... المشروع الحلم... سنعزي تضحيات لن تضيع ... رحلت نعم وكنت  كصاحبك بالغار، بالدار، بهيئة الأمم، بجامعة الدول، هاشا باشا صادقا... أقول وأصدق القول، وقد خبرت علاقتي بك في ظروف حالكة السواد، وكنت أيها الراحل العزيز  إشارة ضوء تنير الطريق، وكنت حينها وزيرا للخارجية، وكنت مرشحا للجامعة العربية، وكنت كذاك الذي ساعد أخاه كي يستمر حاملا جبل الأثقال، حاملا صخرة سيزيف، وكنت ممن تحمل أثقال صخرة سيزيف وشمسان شاهد والزمان... وكنت تردد: بالصبر يزول المحال، وكنت أقول لنفسي: كثيرون مثل عمر حملوا صخرة سيزيف... وها أنا ذا أقول بأنك كنت ثاني اثنين توجها لي بالتهنئة عند اختياري للجامعة العربية، كانت والسفير محمد الشطفة أبو عبدالله  وأنت أيها الراحل العزيز... رحلت وحزين لفراقك أنا، فقد أسعدتني يوما بصدق ومودة واحترام بنبأ اختياري للجامعة العربية.
وداعا أقول، وصعب علينا الفراق، وحين فاجأني أستاذنا الكبير محمد سالم باسندوه، أطال الله عمره ومده بالصحة والعافية، بنبأ وفاتكم تجمد الدم بالعروق، وقلت ويحك يا زمن الموت، مهلا علينا، ماذا تريد، وقلت حكمة رب عليم، له في خلقة شؤون، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير.
          نم قرير العين
          كتبت صفحة
          ناصعة ستبقي
          دبلوماسيا من طراز رفيع
 وقد تشاركنا معك، وشاركتنا أطراف الحوار وحديث الأشجان في منتديات مدينتنا التي تسكنها مثلنا الأحزان... كنت طبيبا نطاسيا مداويا... دبلوماسية الصمت، الإشارة القول الرصين، الحضور التركيز على أبعاد المرامي وما تحت الرماد.
يفقدك الوطن جنوبا وشمال، رحلت، غادرت الساحة، أسئلة عدة تنتظر الإجابة والجواب، وحزين أنا لأنك تركتنا في مرحلة العبور إلى الصعب صياغة وحياكة وفهما ودبلوماسية تهزم وتكسر أسنة الرماح وجنون المدافع، ودبلوماسية بين البين وما تخفي الجيوب وليس القلوب من أسرار، فجيوبك، والحق يقال، نظيفة كانت، وعلى ذلك نختم هذا العزاء الحزن، وبالله نستعين.
      أخوكم الحزين علي عبد الكريم
 الأمين العام المساعد الأسبق
   بجامعة الدول العربية​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى